لأفعال الأمر وقع في النفس لا يماثل أفعال الترجِّي، والطلب، والتمني.. فالإنسان جُبل على حبّ نفسه...
ويربأ بها عن الأمر...
لكن، الأمر في غير عنف، وفي غير تهكُّم، وفي غير تسلُّط... يأتي كالرجاء إن أدرك المرء أنه من أجله، يتضمّن الرجاء، والطلب، والأمنية.. فماذا لو كنت صديق نفسك؟
تردعها عن الخطأ، وتدفعها للصّواب؟
وماذا لو كنت صديقها تقنّن معها مفهومي الخطأ والصواب ضمن أُطر المُثُل في الأخلاق، تلك التي ينبثق عنها كلّ سلوك، وأيّ تفكير؟
ولأن التفكير من المنطق أن يسبق السلوك، فإنَّ تقديم السّلوك هنا على التفكير يجيء رهين التلقائيّة التي يكتسبها «فعل»، و«ردّة فعل» الإنسان في غالب الأمور..
فالسلوك تلقائيّ عندما يكون التفكير مُغَيَّباً مع اعتيادية السلوك عند الإنسان، فما بالك برجل حسبة يتخذ من عمله وسيلة وسبيلاً لترغيب الناس في السلوك الحسن؟ وهذا لعمري ما يكون من شأن فئة تعمل في الأسواق لا يجد أمامها المرء إلا التقدير ولتوجيهها الاستجابة؟ وما بالك بشاب انخرط في العمل خلف أجهزة «الصرف» في محال التجارة المختلفة، وقد كان في ليلة ينام على سرير وثير، وبيده لقمة عيش رغيد؟
وما بالك بامرأة لا يقتصر كفاحها على توفير حياة هنيئة في دارها، بل يتخطى هذا الكفاح للفقراء والأيتام والجيران والصحب؟
ألا يُدرك من هذه النماذج أنها صديقة ذاتها؟...
وكيف هي صداقة المرء مع نفسه إن لم تكن أخذها بالتربية، وقسرها على الصواب، وحصر نزعاتها في أطر الخير، وحفزها على الجميل، ودفعها إلى الأجمل، وتربيتها عندما ترنو خارج هذا السّرب من جملة القيم الجميلة؟
صديق نفسه هو من: يعلّمها ويربّيها، يأمرها وينهاها، يبشرها ويعظها، يحمل عليها عندما تطغى صغائرها، ويرخي لها عندما تحقق ما يرضيها، يربط رضاءها برضاء الله تعالى، ويجعلها نحلة في خليّة الخير والعطاء والصفاء والنقاء...
فالحياة تحتاج من الإنسان أن يكون صديق نفسه للخير، لا للشرّ، وللأمثل لا للأدنى...، وللعطاء لا للجفاء.
فكن صديق نفسك..
بفعل الأمر المخضب بالأماني والآمال والترجِّي والتطلُّع.
|