أن يكون في هذا العالم أفراح، فهذا أمر جميل، وأن يكون في ديارنا أعراس فهذا أجمل، وأن يسعد الناس بلقيا بعضهم البعض لمحبتهم وتوادهم فهذا الجمال بعينه، ولكن أن نترك الدنيا - وربما الآخرة لا سمح الله- من أجل عرس هنا وفرح هناك، فهذا لا يقبله عقل ولا يقره منطق!!
ولكنه يحصل.. يحصل ويحصل، وكلنا يعلم حالات وحالات، فالفرح تدق طبوله - كما يقال - اليوم، والاستعداد منذ أيام، والدعوات على قدم وساق، وهذه تقول للجارة، والجارة تقول للخالة، وكلهن يقلن: بدوني لا الفرح فرح، ولا العرس عرس، لا تنسوني من فرحكم يا جيران، ولو كنتم على بعد 100 كيلو متر أو أكثر، فالسيارة جاهزة لتوصيلي، ورب البيت لا مانع لديه والأولاد تعودوا، ولنفرح نحن وأنتم!!
ما أتحدث عنه ليس خيالاً أو من مجتمع آخر، لا بل انه من هذا المجتمع، وربما لا يستثني الأمر مدينة أو قرية، ففي كل مكان هذا النوع من الزوجات الذي يطير على خبر الفرح، ولا يصدق متى يأتي الفرح أو موسم الأفراح، ويبحث عن الدعوة بحثاً ويشمها شماً، وقد يصدق أن تحضر إحداهن في اليوم والليلة الواحدة فرحين، وان قلت ثلاثة فلا تلوموها فهي مدمنة «أفراح» .. وقد حدثت أكثر من قصة واقعية حضرت بطلتها ثلاثة أفراح في ليلة واحدة، وأقترح عليها لو تسمع نصيحتي أن تراسل موسوعة جينيز للأرقام القياسية، حيث ستحتل فيها مساحة ليست بالقليلة، وصدق من شبه أولئك النسوة بمن يرقصون على عرس العرب بحضورهن كل مناسبة شاء أصحابها أم لم يشاؤوا.
الطامة الكبرى أن بعض الأزواج لا يمانعون في ذلك لغاية في نفس يعقوب، فهم الهاربون من بيوتهم دوماً، هم في سهراتهم ليلاً، في المقاهي والاستراحات، وهم الذين لا يراهم الأبناء إلا في الصور والمناسبات، وهم الذين لا يعرفون إلا البحث عن سبل الهروب من منازلهم، فكيف لهؤلاء أن يمنعوا زوجاتهم؟، لا بل العكس سيشجعونهم على ذلك كي يتساوى طرفا المعادلة، وتبقى الهدنة قائمة، وإلا اشتعل فتيل الحرب واشتد لظاها.
أما المساكين الأبناء فلا حيلة لهم ولا قوة، يتركون في البيت محرومين من الأب والأم ضائقين بين الجدران تتقاذفهم الأفكار السوداء والمحطات الفضائية وشبكات الانترنت، وأيدي سوء خفية تمتد إليهم في غياب أصحاب الشأن، حيث هناك الخادمة تتربص بهم وحيث السائق يغرر بهم، وكم من مأساة حصلت بغياب الأهل عن بيتهم، الأم في رقصها، والأب في شيشته، والأولاد تحل بهم المآسي الفظيعة.
هل الأمر نوع من الفضول؟ لا أستطيع الجزم، هل هو من حب الاطلاع؟ لا أستطيع التأكيد، هل هو البحث عن الذات؟ ربما..، هل هي «مظاهر» اجتماعية؟، ربما شيء من هذا القبيل، هل هو تعبير عن الروح المرحة؟ الله وحده يعلم، هل هو الفراغ القاتل؟ ربما في هذا بعض التفسير، هل هو اللامسؤولية؟ ربما هذا الجواب الأخير يجمع كل الاجابات في جعبته وأميل لترجيحه وتأكيده، ففي الأمر لا مسؤولية حقيقية، رغم أن مسؤولية البيت والأسرة والأطفال هي أكبر مسؤولية، ولكن سمح الآباء والأمهات لأنفسهم بالتحلل منها، بالتأكيد الخسارة لهم ولأبنائهم وللمجتمع والأمة ككل.
أما آن لهؤلاء أن يتمعنوا في تصرفاتهم، أما آن أن نزيد من أعمالنا المنزلية كي لا نتفرغ لخارجها إلا لدوامنا وعملنا وواجباتنا الاجتماعية الضرورية، أما آن الأوان لنعطي أولادنا حقهم من الرعاية وحقهم من الحنان وحسن التربية، أما آن لنا أن نترفع عن المظاهر الجوفاء، وننزه أنفسنا عن التقليد البليد، أما آن لنا أن نفكر فيما فيه فائدة حقيقية لنا ولمجتمعنا وأمتنا.
سؤال أضعه في عقل كل رجل وامرأة في هذا المجتمع، وانتظر الجواب في فرح قادم.
|