بقلم - علي أبونعمة(*)
سقطت وسائل الإعلام الأمريكية بشكل سريع - عقب قمة الرابع من يونيو حزيران في العقبة بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورئيسي الوزراء الاسرائيلي والفلسطيني - في نوع من التجاهل أو التقليل من شأن الهجمات الاسرائيلية على الفلسطينيين والمبالغة في اظهار العنف المضاد الفلسطيني على انه يمثل تهديدا لعملية سلام بازغة.
ومع ذلك، فقد ذكر مراسل صحيفة الجارديان البريطانية كونال اوركوهارت في تقرير له انه في الوقت الذي كان يتحدث فيه بوش عن السلام مع رئيسي الوزراء الإسرائيلي والفلسطيني كان الجنود الاسرائيليون يشنون غارة على مخيم بلاطة للاجئين ومدينة نابلس لليوم الثالث على التوالي ونشرت الجارديان تقريرها في عددها الصادر في 5 يونيو 2003 تحت عنوان قتل الاطفال بالرصاص لليوم الثالث في غارات للجيش الإسرائيلي.
جرحى بالجملة
ووصف اوركوهارت مشهد تردد اصداء الصرخات في العيادة الطبية التابعة للمخيم في الوقت الذي احضرت فيه ام ابنتها البالغة من العمر سبعة اعوام لتلقي العلاج بعد ان اصيبت برصاصة جندي اسرائيلي في معدتها اثناء انعقاد قمة العقبة واشار التقرير الى انه في وقت لاحق من نفس اليوم لقي شاب مصرعه برصاصة مغطاة بالمطاط في الرأس ونقلت صحيفة الجارديان عن تقرير للجنة الدولية للصليب الاحمر قولها ان نحو خمسين شخصا تلقوا العلاج من اصابات بالرصاص والشظايا خلال يومين.
يقول الدكتور سمير ابو زرزور في مستشفى رفح في نابلس ان القسم استقبل 32 شخصا ممن اصيبوا برصاص افراد الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء وهواليوم الذي كان يلتقي فيه الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس وعدد من القادة العرب في شرم الشيخ حيث حثهم على الانضمام الى عملية محاربة الإرهاب ونقلت الجارديان عن أبي زرزور قوله ان 12 من بين المصابين كانوا من الاطفال حيث اصيب احدهم وعمره ثماني سنوات في وجهه برصاصة مغطاة بطبقة مطاطية بينما فقدت ام شابة عينها وفقد شاب كليته ولايزال هناك اثنان أو ثلاثة مصابين في حالة خطيرة.
وقالت جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في نشرة صحفية لها في 7 يونيو/حزيران ان الجنود الاسرائيليين اوقفوا سيارة اسعاف تابعة لها كانت في طريقها لانقاذ المصابين في مخيم بلاطة في الرابع من يونيو وهو اليوم الذي انعقدت فيه قمة العقبة حيث هاجم الجنود السيارة واصابوا احد افراد طاقمها في وجهه ورأسه واضطرت السيارة تحت تهديدات بالمزيد من اعمال العنف من جانب الجنود الى العودة من حيث اتت.
وكانت صحيفة «نيوزداي» هي الصحيفة الأمريكية الوحيدة التي نشرت تقريراً عن احداث مخيم بلاطة في الخامس من يونيو للكاتب الصحفى كونال اوركوهارت، بينما كان تناول صحيفة شيكاغو تريبيون للقاء العقبة مختلفا تماما حيث قالت الصحيفة: لقد انعش هذا اليوم الآمال ليس فقط بالنسبة لما حدث بل بالنسبة لما لم يحدث حيث لم يكن هناك احداث عنف اسرائيلية فلسطينية كبيرة وفق ما أوردته الصحيفة في تقريرلها في الخامس من يونيو 2003 بعنوان بوش يشيد بالبداية الجيدة الا ان التقرير لم يذكر شيئا عن الهجوم الإسرائيلي الذي استمر لثلاثة ايام على مخيم بلاطة واسفر عن سقوط العديد من المصابين واستمرخلال فترة انعقاد قمة العقبة في الوقت الذي لم يتوقف فيه العنف والمعاناة بعد القمة.
وفى الخامس من يونيو مات ابراهيم ابو هبلة 15 عاما الذي اصابه الجنود الاسرائيلون في عينه في طولكرم بالقرب من نابلس في 28 مايو متأثراً بجروحه وفق ما ذكرته وكالة الانباء الفرنسية في تقرير لها في 5 يونيو 2003 بعنوان مصرع فلسطيني متأثراً بجروحه في الضفة الغربية وكان ابو هبلة واحداً من بين عدد من الأطفال الذين اطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الذخيرة الحية عليهم لقيامهم برشق دبابات المحتل بالحجارة.
هدم المنازل
وبعد ساعات قليلة عقب قمة العقبة هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح في قطاع غزة بالقرب من الحدود المصرية وقالت وكالة الانباء الفرنسية في تقرير لها في نفس اليوم بعنوان غزو اسرائيلي لقطاع غزة ان الدبابات الاسرائيلية ترافقها البلدوزرات المجنزرة دخلت جزءا من المدينة وهدمت اربعة منازل قبل ان تخرج منها وفي نفس اليوم قامت القوات الاسرائيلية بطرد المقيمين في مبنى من طابقين من منازلهم في مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة ودمرت المبنى.
ونقلت وكالة الانباء الفرنسية عن الأطباء الفلسطينيين قولهم ان احمد الطواشي صاحب المبنى اصيب باصابات طفيفة عندما تعرض هو واسرته لإطلاق النار من جانب القوات الاسرائيلية لاجباره على ترك المنزل واشارت الى ان القوات الاسرائيلية لم تسمح للمقيمين بأخذ اثاثهم وامتعتهم الشخصية وفق ما جاء في تقرير الوكالة في 5 يونيو بعنوان الجيش الإسرائيلي يهدم منزل فلسطيني في قطاع غزة وفي اليوم التالي نصبت قوات الاحتلال الإسرائيلي كمينا في منزل فلسطيني قرب طولكرم وقتلت اثنين واصابت ثالثا زعمت انهم من متشددي حركة حماس وكانوا يعتزمون تفجير انفسهم.
يقظة مفاجئة
لقد اخفق عمل فريق الموت وما سبقه من عنف اسرائيلى في اثارة اهتمام الصحافة الامريكية التي ظلت تركزعلى الرسالة المتفائلة القادمة من العقبة ومع ذلك استيقظت فجأة وسائل الإعلام الأمريكية عندما هاجم المقاتلون الفلسطينيون قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة يوم الاحد الثامن من يونيو مما اسفر عن مصرع خمسة جنود اسرائيليين وفقد خمسة منهم.
وقالت صحيفة «لوس انجلوس تايمز» حينها ان هذه الهجمات تعد الاولى منذ قمة العقبة بينما لم تذكر شيئا عن الهجمات الاسرائيلية على الفلسطينيين التي سبقتها وفق ماذكرته في تقرير لها في التاسع من يونيو بعنوان شارون يتعهد بالسير على نفس النهج رغم الغارات وزعمت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها في نفس اليوم بعنوان عباس يرد على منتقديه ويتعهد بالتمسك بالقضايا الفلسطينية ان هجمات الثامن من يونيو تعد اول عمليات عنف منذ لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس في الاردن برئيس الوزراء الإسرائيلي شارون.
وقالت شبكة سي، بي.اس، ايفننج نيوز ان خمسة اسرائيليين لقوا مصرعهم ولكنها لم تقل انهم كانوا جنود احتلال محاربين مسلحين وفى يومي التاسع والعاشر من يونيو ابدت وسائل الإعلام الأمريكية اهتماما كبيرا بقيام اسرائيل بازالة مواقع استيطانية غير مشروعة في الاراضي المحتلة فقد تناولت صحيفة نيويورك تايمز في مقال مطول على صفحتها الاولى الاجراءات الاسرائيلية التي لم تزد قليلا على مجرد ازالة شاحنات قليلة فارغة وخزان مياه ونقطة حراسة.
كانت صحيفة التايمز هي الوحيدة التي ذكرت باقتضاب ان القوات الاسرائيلية قامت قبل الاعلان على نطاق واسع عن ازالة هذه المواقع بنسف ثلاثة عشر منزلا في بلدة بيت حانون في القطاع الشمالي من غزة مما اسفر عن تشريد عشرات من الفلسطينيين وعلقت صحيفة نيويورك تايمز على ذلك بنشر مقال في العاشر من يونيو بعنوان في بادرة اسرائيلية ازالة برج بالقرب من مستوطنة.
وفي العاشر من يونيو افادت كريستيان بيس ميكر تيمز ان قوات الاحتلال الاسرائيلي في الخليل انهت بالقوة عملية سلمية على مدى ستة ايام قام بها الطلبة لاعادة فتح جامعتهم التي اغلقتها اسرائيل منذ خمسة اشهر حيث قام الطلبة بفتح باب الجامعة بمنشار وحاولوا الدخول الى الحرم الا ان قوات الاحتلال اجبرت الطلبة على الابتعاد والقت قنابل الصوت عليهم واعادت لحام أبواب الجامعة.
يعد ذلك واحدا من الامثلة العديدة على عمليات العصيان المدني البعيدة عن العنف التي يقوم بها الفلسطينيون ويتحدث عنها المعلقون الامريكيون غالبا ولكنهم يتجاهلون تغطيتها عندما تقع فقد نشرت كريستيان بيس ميكر تايمز في العاشر من يونيو 2003 تعليقا بعنوان الجيش الإسرائيلي يلحم باب جامعة الخليل ويغلقها.
ان عدم الدقة في كتابة التقارير الصحفية تعزز مزاعم المدافعين الاسرائيليين بأن العنف هو مشكلة فلسطينية ترد عليها اسرائيل فقط كما ان هذه التقارير تساعد في اخفاء قدر كبير من العنف الذي تستخدمه اسرائيل للحفاظ على احتلالها العسكري لاكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني واراضيهم في الوقت الذي تعترف فيه خطة خريطة الطريق للرئيس الأمريكي بوش بأنه لايمكن للفلسطينيين وحدهم ان يوقفوا العنف ولعل هذا هو السبب في انها تدعو في مرحلتها الاولى كلا من الاسرائيليين والفلسطينيين الى وقف كل اشكال العنف والتحريض.
عملية الرنتيسي
ومع ذلك يبدو ان البيانات الرسمية الصادرة في قمة العقبة عن كل من شارون وبوش وابو مازن اسقطت من حساباتها هذا الجزء الضروري من خريطة الطريق واعادت صياغة المرحلة الأولى كى يعمل الفلسطينيون فقط على وقف العنف وبدلاً من ان تعمل وسائل الإعلام على تصحيح المسار فإنها تقوم بترسيخ هذه التشويهات وفي العاشر من يونيو كثفت اسرائيل من جهودها لتحويل خريطة الطريق عن مسارها بإقدامها على محاولة قتل المتحدث باسم حركة حماس عبد العزيز الرنتيسي الأمر الذي اسفر عن اصابته وابنه ومصرع سيدة مارة.
وفي وقت لاحق من نفس اليوم كتبت صحيفة ها ارتس ان الدبابات الاسرائيلية والقاذفات المروحية اطلقت نيرانها باتجاه منطقة سكنية فلسطينية في شمال قطاع غزة يوم الثلاثاء مما اسفر عن مصرع ثلاثة فلسطينيين واصابة ثلاثين آخرين وكان القتلى الثلاثة هم فتاة في السادسة عشرة من عمرها وشابان في التاسعة عشرة من العمر كانوا يعيشون في المنطقة بين بيت حانون ومخيم جباليا للاجئين واشارت التغطيات الصحفية المبكرة لهذه الاحداث الى انه سوف يتم القاء اللوم - كالعادة - على الفلسطينيين في اعادة اشعال نار العنف التي لم تتوقف في الحقيقة ليوم واحد.
(*) المصدر: موقع الانتفاضة الإليكتروني
|