Friday 27th june,2003 11229العدد الجمعة 27 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شعر شعر
كنا هُنا
نجود أحمد/الرياض

عندما هبت رياح الأحزان وانتشر رمادي في كل زمان ومكان.. بدأ الوجع الزاحف يقتفي أثر قلبها ويسكن في أعماقها.. وغابة من أحاسيس متبعثرة تهشم جسدها النحيل في مرمى الرياح المغبرة.. نظرت إلى السماء الممتدة أمامها.. وحملقت في ذلك الطريق الذي لا تبدو له نهاية..
وما زال ذلك الوجع يسكن تلك الأعماق.. فبصرها متعب من غربة المكان وما تحمله بين قلبها الذي يعتصر حزناً.. وغصة عالقة في منابع أنفاسها..
وصدرها كأنه في حالة ثورانه الأولى.. عندما أحست بطعم اليتم الذي ليس له مثيل.. فهو مزيج من الحرمان والمرارة والألم..من الانكسارات المتتالية.. التي لا نجد فيها من يمد يده لرفعها من أرض كانت أقل قسوة من قلب انسان..!
أن تفقد أحد والديك تجربة لا تستطيع الهروب منها.. ولكن أن تفقد والديك وهما على قيد الحياة..!! فهي غصة أبدية فضلت السكنى في وسط الحلق..
أي طفولة ستكون.. وأنت تعلم أن والدك الذي فارقك وأنت في الأشهر الأولى من عمرك.. انه يعيش في المدينة نفسها .. ويمر من الطريق نفسه الذي تمر منه كل صباح للذهاب للمدرسة.. ولا يعرفك..!!!
أي طفولة ستكون.. وأنت تناديه.. ولا يسمعك..!!!
أي طفولة ستكون..وأنت أمام عينه.. ولا يحضنك..!!!
تجربة لا تستطيع اختصارها.. ويكتب عليك الزمن أن تكحل عينيك بالملح كل صباح.. وتتذوق على شفتيك طعم المر كل يوم.. وأن تتحمل البرودة في عز الحر.. وأن تتأقلم على سماع صوت الريح في وسط السكون.. وأن تعلم أن الحزن يسكن ثلاثة أرباع روحك.. وأن تتعود أن تكون ظمآن وأمامك نبع من الماء.. وأن تقتنع بأن الليل لا لون له.. وأن النهار غادرته زرقة السماء.
المحطة الأولى.. لا تقف المعاناة هنا فقط.. بل هناك من يعيشون تحت سقف واحد وطفولتهم مجروحة.. باهمال آبائهم ونسيانهم خلف أهوائهم.. وماديات العصر..
وهناك من رحل أبواه أو أحدهما بموت وأصبحوا يعيشون الطفولة المعذبة بين الضياع والحرمان.. وهناك.. وهناك.. وهناك الكثير..!
المحطة الثانية.. أطفالكم هبة من الله عز وجل.. فلا تنسوهم مع مشاغل دنياكم.. ولا تدعوهم حيارى يضيعون بين طفولتهم المعذبة ودروب الحياة القاسية..
المحطة الثالثة.. براءة الطفولة لوحة جميلة أوجدها الرحمن.. علينا أن نحافظ على نقائها وطهرها.. فلا تجعلوا الأطفال يبكون.. ولا تخدشوا احساس طفولتهم البريئة..
شيء في الوجدان..
مات الحلم.
وكبر الصغير..
وما زالت تلك الأم تسمع أبناءها حكاية غياب ذلك الأب..!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved