Friday 27th june,2003 11229العدد الجمعة 27 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الظاهر والخفي في المطالب الأمريكية الظاهر والخفي في المطالب الأمريكية
عبد العزيز بن عثمان بن صقر *

من المؤكد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد مثلت نقطة تحول هامة في العلاقات السعودية الأمريكية، وبخاصة في ظل الحملات التي تعرضت لها المملكة من قبل بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدوائر الرسمية الأمريكية، وعلى الرغم من محاولات الجانبين احتواء هذا الأمر فإنه لا تزال لها تبعات وتداعيات.
ولقد جاءت الحملات ضد السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية في إطار هيمنة تيار اليمين المسيحي والمحافظين الجدد على الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما انعكس بوضوح في الخطاب السياسي الذي راحت تروّج له منذ أحداث سبتمبر، والذي تمحور حول ثنائيات عديدة مثل محور الخير ومحور الشر، معنا أم مع الإرهاب، الإسلام أم الغرب، الحضارة أم البربرية، وهذا التوجه الأمريكي تجاه العالم العربي والإسلامي يتعين فهمه في إطار الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تكريس دور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة ذات نزوع إمبراطوري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة .
وفي هذا السياق قامت واشنطن بشن ما أسمته ب «الحرب ضد الإرهاب»، والتي تم في إطارها شن حرب ضد أفغانستان في أكتوبر 2001 انتهت بإطاحة نظام طالبان، كما شنت حرباً أخرى ضد العراق في مارس 2003 وانتهت بإطاحة نظام صدام حسين ووقوع العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي البريطاني لفترة قد تطول. وفي هذا الإطار راحت واشنطن ترفع شعارات تحقيق الديمقراطية في العالم العربي من خلال تغيير مناهج التعليم وتقوية المجتمع المدني وتمكين المرأة ...الخ، بل إن أحد المبررات التي طرحتها لغزو العراق كان بناء نظام ديمقراطي على أنقاض نظام صدام حسين بحيث يكون قدوة للآخرين، على الرغم من أن أهدافها الحقيقية من وراء الحرب ضد العراق لم تعد خافية على أحد .
وفي ضوء ما سبق فقد اهتمت دوائر أمريكية عديدة بإجراء أبحاث مستفيضة ومعمقة حول كيفية تغيير المفاهيم في العالم العربي والإسلامي بشكل يخدم مصالح أمريكا، ليس باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة المعادية، ولكن باتباع أسلوب هادئ وتدريجي لإحداث التغيير السياسي والأمني والفكري على مراحل زمنية قد تطول نسبياً، كما أن هذا التغيير يجب أن يبدأ بأصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها، لأن الأصدقاء مطالبون بإثبات حسن نواياهم وصداقتهم وتأييدهم لواشنطن، ومن هنا راحت تشجع المثقفين والمتعلمين على التعاون مع المؤسسات الأمريكية الرسمية والأكاديمية لفتح الطريق أمام الأفكار الأمريكية، كما بدأت تروّج للدعوة إلى الإصلاحات السياسية ونشر الديمقراطية الليبرالية والمطالبة، وهذا هو الأهم، بإجراء إصلاحات في المناهج التعليمية.
وعلى الرغم من ذلك فهناك من يرى أن هدف واشنطن من وراء طرح هذه المطالب ليس توسيع المشاركة السياسية وجعل مخرجات التعليم أكثر توافقاً واحتياجات سوق العمل، ولكنها تتخذها غطاءً لتوجيه الاتهامات إلى الدين الإسلامي على أنه حاضنة الإرهاب الدولي، ومع التسليم الكامل بأن للولايات المتحدة الأمريكية أهدافها ومصالحها في المنطقة، وأنه من الطبيعي أن تعمل من أجل تحقيق هذه المصالح باعتبار أن السياسة ليست عملاً من أعمال البر، فإنه يتعين التسليم أيضا بأن هناك اعتبارات موضوعية تجعل من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري والتعليمي في العالم العربي والإسلامي مسألة ضرورية ومطلوبة لمواجهة مشكلات داخلية ولتلبية احتياجات ومطالب مشروعة في هذه المجتمعات، وذلك بغض النظر عن طرح أمريكا لهذه الموضوعات وأهدافها من وراء ذلك. ألم يطرح مثقفون عرب وأحزاب ونقابات وجمعيات ومنتديات في دول عربية مطالب التغيير والإصلاح السياسي والديمقراطي قبل أن تطرحها أمريكا على إثر هجمات سبتمبر؟!
ولكن الشيء المهم الذي يتعين مراعاته هو أن لأمريكا أجندتها الخاصة تجاه المنطقة، والتي هي جزء من استراتيجيتها الكونية، وإذا كانت هي ترى أن تحديث التعليم في العالم العربي والإسلامي ونشر الديمقراطية يخدمان في هذه اللحظة الراهنة مصالحها، فإنه من المهم عدم الاندفاع في رفض التغيير لمجرد أن أمريكا تطرحه وتطالب به، ولكن التحدي الحقيقي هو كيف يمكن انجاز هذا التغيير في ضوء الأولويات والمصالح الوطنية وبناءً على توافق وطني داخل كل دولة وبعيداً عن الأجندة الأمريكية التي تطالب بالشيء نفسه ولكن لأسباب مختلفة .
وفي إطار الحملة الأمريكية التي استهدفت السعودية، حرص الكثير من مراكز الأبحاث والمؤسسات مثل جمعية اليهود الأمريكيين The American Jewish Committee)) على إصدار تقارير تصب في هذه الحملة، وقد وصلت الدعوات إلى تغيير مناهج التعليم إلى مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكيين، حيث قُدم في 27 مايو 2002 وفي 13 مارس 2003 مشروعا قرار حول تغيير مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية تحت ذريعة أنها تدعو إلى التطرف والعنف وعدم قبول الآخر ولتصبح أكثر ملاءمة لمتطلبات عصر العولمة والهيمنة الأمريكية.
ولذا فإنه ليس سراً القول إن اليهود لهم دورهم الرئيسي في التحريض ضد العرب والمسلمين، وكمثال على ذلك قامت جمعية اليهود الأمريكيين بنشر تقرير مطول بعنوان «الغرب والمسيحيون واليهود في الكتب المدرسية في السعودية» رصدت فيه كتب وزارة التعليم السعودية التي تُدرَّس من الصف الأول وحتى الصف العاشر لتصل إلى نتيجة مفادها أن الطلاب ينشؤون على محبة الجهاد وعدم التسامح واحتقار الغرب والمسيحيين واليهود وتشجيع مشاعر العداء لهم والحقد عليهم، لذلك فإن على الحكومة الأمريكية أن تعمل كل ما في وسعها لتغيير هذهِ المناهج أو تتخذ الإجراءات المناسبة بحق المملكة في حال رفضت التعاون في هذا المجال.
وعلى الرغم من أنني أعتقد جازماً بأن المسؤولية تقع على عاتق علماء الدين والفقهاء للرد على هذه الاتهامات ودحضها بأسلوب علمي وموضوعي مقنع ينأى بنفسه عن المشاعر والعواطف والانفعالات، فإنه يمكن تسجيل النقاط التالية:
أولاً: لقد تم نزع الآيات القرآنية التي وردت في التقرير من سياقها العام، وبالتالي فُسّرت ليس على أساس مناسبة وزمان ومكان نزولها وبحق من نزلت، ولكن على أساس فهم القارئ لها بما يتناسب وميوله وأهواءه.
ثانياً: لقد فُهمت بعض الكلمات التي وردت في الاستشهادات خطأ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن «فقهاء» جمعية اليهود الأمريكان فَهِموا كلمة «الجهاد» كمرادف ل«الحرب المقدسة» كما وردت في أدبيات الحروب الصليبية، وليس على أساس أنها مرادف ل«الحرب العادلة»، أو مجاهدة النفس وردعها عن المعاصي، وذلك بهدف تعميق تشويه مفهوم الجهاد عند المسلمين.
ثالثاً: يدرك صانعو السياسة الأمريكية والقائمون على ترويج الأفكار المعادية للإسلام أنهم لا يستطيعون اتهام الإسلام مباشرة بأنه دين إرهاب يدعو إلى القتل، ولذلك نراهم ينتقدون تفسيرات معينة للإسلام، ومن المفارقات أن من يقرأ التقرير المشار إليه سابقاً يلاحظ أن جميع الاستشهادات التي وردت هي نصوص قرآنية وأحاديث نبوية لا يختلف حولها أي من المفسرين على اختلاف مذاهبهم الفقهية من حنبلية ومالكية وشافعية وحنفية، فالقرآن واحد، والنبي واحد، والرسالة واحدة، وإذا كانت هناك جماعات تمارس العنف باسم الدين، وهو مسلك مدان ومرفوض، إلا أنه يعبر عن ظاهرة عرفتها وتعرفها كل الأديان السماوية .
لا نريد أن يُفهم من هذا أننا ضد التطور نحو الأحسن أو الانفتاح على الأفضل، فنحن نرحب بالتغيير الذي ينبع من معتقداتنا وقناعتنا وخصوصيتنا، ونرفض التغيير الذي يُفرض علينا ويتعارض في الوقت نفسه مع تعاليم الإسلام السمحاء، بل إن المبادرة إلى الإصلاح والتغيير بأيدينا وحسب أولوياتنا هي أفضل رد على الحملات التي تستهدف العرب والمسلمين. وأنا لست قلقاً على الإسلام لقوله تعالى: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذٌَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ }

(*) رئيس مركز الخليج للأبحاث
Sager@grc.to

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved