* كتب - زبن بن عمير:
تكملة ما بدأت به كانت صعبة جداً لا لشيء إنما عندما يخالجك شعور قوي بأنك كنت مقصراً مع من تحب وأنت تعلم تمام العلم بأنك لن تصل الى الكمال مهما كانت الأحوال.. ولكن من باب الانصاف فقط!!
في نيويورك ناطحات السحاب غربة وهم وشوق لنجد.. للأحبة.. لكل ما هو نادر وكل ما هو رفيع بعيد عن كل وضيع:
الدار قالت: سافروا عنك الاصحاب
خلوك تاعي من حسايفك وتغيب
الدار نطقت لخالد تخبره بأن الاصحاب ليسوا هنا بل انها جعلته في حالة بين الوعي واللاوعي.
قعدت عنهم واذ هبوا لبَّك ذهاب
بالحاظ تعلق بالقلوب النشاشيب
خلوك مطروحٍ على القاع منصاب
ذبوك واقفوا بالغصون النبانيب
هنا هم كبير غير مفارق له لأنها الغربة وليس بذلك فقط بل زاد بأنهم سرقوا عقله وقلبه وزاد بأنه مريض لا يستطيع اللحاق بأحد..
صبرك قضى يوم اتقوا عنك غيّاب
هذا ولا تلقى بدلهم معازيب
الصبر مفتاح الفرج ولكن المشكلة عندما ينفد الصبر من صاحبه..
تعالوا معي الى قصيدة قدم لها كاتبها بخط يده بكل ألم وفراق وهم وغم وصيغة حزن هائلة: «قلتها في نيويورك وكنت انتظر عمليات لم أحتج اليها».
هذه مقدمة الشاعر بيده فاقرأوا ما خطت يراعه وما أملى قلبه من همه وحزنه:
أرقد خلا مثل الغرير الهبيلي
حتى صديقي ياعلي صدمني
لاحظو المسألة عندما تحس بأنك غريب وانت بين الناس بل الأدهى هو شعور الوحدة وعدم وجود الصديق الصدوق:
سلام على الدنيا اذا لم يكن بها
صديق.. صدوق صادق الوعد منصفا
ثم تعالوا لوصف الحالة:
لعبت ليالي علتي في حصيلي
ومن الندم طقيت بالظفر سني
هل هذا كل شيء؟
لا أظن ذلك!!؟
الثلج عيا لا يبرد غليلي
وسرد الليالي بالمخاطر رمنّي
حالة مرضية صعبة ولكن ما هي أوصافها:
يبست جنوبي لين قالوا عليلي
وحبالي اللي طايلات قصرني
ثم:
أمس وانا ثوبي عريض طويلي
ومن الظفا فوق المتون متثني
كامل الألق والانطلاق
واليوم ما يستر جنوبي شليلي
واصبحت من فرط المقادير كني
رجمٍ على جو نزوله رحيلي
اقفت ظعون يمه امس اقبلني
هم خالد السديري لا يمكن ان يكون عادياً ولا يمكن ان يكون من جانب واحد فالواضح هم الغربة.. وهم المرض.. وهم فراق نجد والأحبة.. والهم الخافي هو الذي أكل قلبه وانحل حاله..
شخص غير عادي لابد بأن يكون ما يحمله بداخله شيئاً غير عادي لأنه بلاشك هو نتاج ظروف غير عادية.. لاحظوا التالي:
جسمٍ قضى واقضاه همٍ تولاه
يطويه طي ولا بقى غير ظله
هنا وصف مفصل للحال والاحوال التي بيانها من المحال ولكن وصفها جائز في شرعه ولكن ما هو السبب؟
لو تنشكي بلواه بينت ما جاه
وابديت ما في محمل الصدر كله
هنا نريد مفتاح سر الهم الذي لا نعلمه.
ولكن انظروا الى استدراكه الجميل وعلوه الدائم وحكمته غير المنسوخة:
لاشك ما نشكي على الناس بلواه
والصبر.. صبر.. وتالي الصبر عله
هنا لا مجال بأن لا نقف ونتباحث ونبحث في أسباب هم خالد.. والعجيب هو اعترافه بأن الهم ديدنه.. ومثير قلقه.. ولكنه ربما كان باعث ألقه لذلك كان شعره غير عادي مرتفعاً الى حد السحاب.. غامضاً كما ما وراء هضاب.. أو تحت العباب..
ولكن الواضح بأن همه.. وغربته.. وعشقه.. ليس عادياً على الاطلاق.. بل ربما كان مرتفعاً على الأعناق.. ومميزاً كصاحبه!!