السمنة الزائدة أو المفرطة من أكثر المشاكل التي يعاني منها النساء البدينات، وحتى غير البدينات ممن تزيد أوزانهن بعض الشيء، وذلك بفعل اختلاف مقاييس الرشاقة عما كان معروفاً من قبل، وبات هناك ما يشبه الاجماع على أن السمنة المفرطة مرض يجب علاجه ليس فقط بهدف الوصول إلى الجمال والرشاقة فحسب بل والصحة أيضاً بعد ما ثبت وجود ارتباط وثيق بين السمنة وعدد كبير من الأمراض المزمنة التي تصيب الرجل والمرأة على سواء، كذلك التأثير السلبي للسمنة على صحة الأطفال والحوامل.
لكن ما هي الأسباب الحقيقية للسمنة، ودور العامل الوراثي والغذاء في زيادة الوزن، وما هي طبيعة العلاقة بين السمنة وكثير من الأمراض الشائعة وغيرها من التساؤلات التي نحاول الاجابة عليها من خلال هذا التحقيق الذي شارك فيه كوكبة من الأطباء الاستشاريين والأخصائيين بمستشفى الحمادي بالرياض.. وذلك على النحو التالي:
زيادة الأنسجة الشحمية
في البداية نعرض لتقرير أعده د. وودك استشاري الأمراض الباطنة بالمستشفى، وفي كبرى الجامعات الأوروبية، يعرف فيه السمنة بأنها من أكثر الاضطرابات شيوعاً في عالم الطب وأصعبها من ناحية العلاج، وهي عبارة عن زيادة في الأنسجة الشحمية نتيجة لاكتساب توازن ضروري ايجابي بسبب تفاعلات ضارة لعوامل وراثية، إضافة إلى قلة التمارين الفيزيائية وبيئة غنية بالأطعمة المكثفة للطاقة والحراريات العالية.
وتعد السمنة حسب تعريف د. وودك اضطراباً تنكسياً مزمناً يرتبط بزيادة معدلات العديد من الأمراض الأخرى، وبالتالي ارتفاع نسبة الوفيات، وهو ما يتضح بشدة من خلال ملاحظة العلاقة بين السمنة وارتفاع ضغط الدم، والسكري، والاضطرابات القلبية الوعائية والتهاب المفاصل والإصابة ببعض السرطانات مثل القولون والمستقيم والبروستات عند الرجال والرحم والقنوات المرارية والصدر عند النساء.
ويشير د. وودك: إلى أنه بخلاف الوزن الزائد عند من يعانون من السمنة، فإن خريطة توزيع الشحوم في الجسم تلعب دوراً كبيراً في حدوث تغيرات السمنة وما قد يصاحبها من أمراض، وسمنة الجزء العلوي من الجسم أكثر خطراً من سمنة الجزء السفلي، فالبدين الذي يبلغ محيط الجزء العلوي من جسمه أكثر من 102 سم عند الرجال، و 88 سم عند النساء هم في خطر وأكثر من يعانون من السكر والجلطة وأمراض الشرايين التاجية.
وحول أفضل أساليب العلاج يؤكد د. وودك: أن من أفضل برامج علاج السمنة برنامج الحمية قليلة السعرات الحرارية وتغييرات عادات الطعام وممارسة التمارين الرياضية، ويبقى الريجيم فقط للمحافظة على تخفيف الوزن، وينصح مرضى السمنة بشرب كميات كبيرة من المياه أو السوائل الخالية من السعرات الحرارية، كذلك المشي لفترات طويلة والمحافظة على برنامج رياضي ثابت لا يتوقف لمجرد انخفاض الوزن إلى الحد المطلوب.
المرض والنشاط القليل
ويتفق الدكتور حسام الدين البين أخصائي أمراض الباطنية بالمستشفى مع ما جاء في تقرير د. وودك حول علاقة السمنة بالكثير من الأمراض، مؤكداً أنه لم يعد هناك أدنى مجال للشك في أن البدانة أو السمنة تشكل عاملاً شديد الخطورة على صحة الإنسان، حيث ان الشخص البدين أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب الوعائية وداء السكري وارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون في الدم بالإضافة إلى أن نشاط الأشخاص الذين يعانون من السمنة ومجهودهم العضلي عادة ما يكون أقل من غيرهم من ذوي الأوزان الطبيعية.
ويضيف د. البين أن من أسباب حدوث السمنة عند غير أصحاب العوامل الوراثية، تناول الطعام بشكل زائد أما استجابة لشدة معينة أو ضغوط نفسية أو شعور بالقلق، أو تعويضاً لعدم الرضى عن بعض الأمور الحياتية ومعظم البدينين يخطئون في تقدير كميات الطعام التي يتناولها ويعتبرونها عادية، لكنها تكون أكثر بكثير مما يحتاجون، ويمكن أن تنجم البدانة عن نقص ملحوظ في استهلاك الطاقة الطعامية بسبب حدوث تغير في نمط الحياة أو طبيعة العمل، وهناك أسباب مرضية مثل نقص نشاط الغدة الدرقية أو أذيات منطقة تحت المهاد في الدماغ.
الأسباب والعلاج
وحول أفضل طرق العلاج يؤكد د. حسام البين، أن هذا يتوقف على درجة السمنة، مع الوضع في الاعتبار تحديد الأسباب الرئيسية للسمنة ومحاولة تفاديها، بداية من الطعام كميته ونوعه، ويمكن في هذا استشارة أخصائي التغذية، كذلك التمارين الرياضية لزيادة كمية الطاقة المستهلكة، وزيادة تحمل وجاهزية الجسم، مع تجنب مثبطات الشهية قدر المستطاع، حيث أن دورها في انقاص الوزن محدد للغاية، وتحدث اعتياداً دوائياً لا يمكن في كثير من الأحيان تلافي مضاعفاته الجانبية، كذلك الأمر بالنسبة لهرمون الثيروكسين، فهو وإن كان يفيد في انقاص الوزن في البداية، إلا أن ذلك لا يستمر كثيراً، حيث يتوقف انتاج الهرمون الطبيعي في الجسم.
ويعدد د. حسام البين الفوائد الطبية للتخلص من السمنة، مشيراً إلى أن التخلص من الوزن الزائد يؤدي إلى تقليل فرص ارتفاع ضغط الدم وخطر الإصابة بالأمراض الاكليلية ويحسن الوظائف الرئوية، ويقلل الإصابة بالجلطات الوريدية أو النقرس كما يحسن العلاقة الجنسية الطبيعية، بخلاف المظهر العام، والقبول الاجتماعي.
علاقة السمنة بالسكر!
وحول طبيعة العلاقة بين السمنة وداء السكري يؤكد الدكتور/ عز الدين محمود استشاري الباطنية والغدد الصماء والسكري بمستشفى الحمادي أن نسبة الإصابة بالسكري يسير بشكل متوازي مع السمنة، وثبت من خلال الاحصائيات أن السمنة تزيد بنسبة الإصابة بالسكري إلى 1 ،5 بين سكان مدن المملكة، وإلى 3 أضعاف بين سكان القرى، ولنا أن نتخيل حجم هذا الخطر إذا علمنا أن نسبة السمنة في الدول العربية تعد من أعلى النسب في العالم، خاصة بعدما تغير السلوك الغذائي لدى المواطن العربي كثيراً عما كان عليه من قبل، وارتفاع السعرات الحرارية في طعامه اليومي إلى أكثر من 3000 وحدة، كذلك ارتفاع نسبة الدهون من 10% إلى 30% بخلاف السكريات والتي تضاعف استهلاكها عشرات المرات.
التلفزيون قد يكون سبباً!
ويؤكد د. عز الدين إلى أن تغير أنماط الحياة ساهم كثيراً في ارتفاع معدلات السمنة، بسبب قلة الحركة والاعتماد على السيارات في كافة التنقلات بما في ذلك المسافات القصيرة، ومن المعروف أنه كلما قل النشاط ازدادت السمنة، وقد أثبتت أحدث الاحصائيات أن الجلوس أمام التلفزيون أكثر من 3 ساعات يومياً يضاعف نسبة السمنة، مشيراً أن أفضل أساليب العلاج من السمنة هو تنظيم الغذاء وزيادة النشاط الجسماني بالرياضة، وهو ما أرشدنا إليه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الشريف: (ماملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه).
الطفل البدين
ويتطرق الدكتور ساري دعاس استشاري أمراض الأطفال بمستشفى الحمادي إلى السمنة عند الأطفال ومخاطرها على صحة الطفل، فيقول يعتقد البعض أن السبب الرئيسي للبدانة هو اختلال الغدد، وهو في الحقيقة سبب نادر في حين أن هناك عوامل أخرى كثيرة تسبب زيادة الوزن منها الوراثة والمزاج والفهم، والنشاط الحركي، وعلى سبيل المثال فإن الطفل الخامل يختزن الوحدات الحرارية في جسمه على هيئة دهون، والطفل الذي يتمتع بقابليه كبيرة للأطعة الدسمة والحلويات يزيد وزنه عن الطفل الذي يفضل الخضروات والفاكهة.
ويضيف د. دعاس إلى أن احساس بعض الأطفال بالشقاء أو الاكتئاب يعد من أسباب شراهتهم للطعام وخاصة بعد سن السابعة، وهي السن الذي تتكون لدى الطفل بدايات الرغبة في الاستقلال بنفسه والشعور بذاته، ومالم يستطع عمل صداقات وطيدة مع نظرائه من الأطفال، فإنه يميل للوحدة ويعوض هذا الشعور جزئياً بالاكثار من الطعام، كما أن التغيرات التي تصاحب سن المراهقة نفسياً وجسدياً قد تكون سبباً في القلق وبالتالي الشراهة في الطعام.
ويحذر د. دعاس من الريجيم كأسلوب للتخلص من السمنة عند الأطفال مشيراً إلى أن حرمان الطفل من الطعام يمثل جوراً كبيراً عليه، حيث إن البالغين البدناء غالباً ما يفشلون في الالتزام بالريجيم، فما هو الحال بالنسبة للأطفال، والأفضل تفادي الأسباب التي تجعل الطفل شرهاً للطعام، مثل الاحساس بالوحدة ثم بعد ذلك تنظيم تغذيته في نطاق الأسرة عموماً، وتشجيع الطفل على ممارسة الرياضة، حيث إن الريجيم القاسي يمكن أن يضر بالنمو الطبيعي للطفل، ويحمل خطر الاستهلاك للعضلات والعظام وباقي أعضاء الجسم.
أضرار السمنة على الحامل
من ناحية أخرى تحذر د. ماجدة ملك أخصائية النساء والولادة من مخاطر السمنة على صحة المرأة الحامل، وهو ما تؤكده الاحصائيات والدراسات الموثقة، والتي تشير إلى أن نسبة الوفيات تزداد بزيادة الوزن، بما في ذلك الزيادة المتوسطة مقارنة بالأشخاص من ذوي الأوزان الطبيعية المثالية.
وتشير د. ماجدة ملك إلى أن الحمل حالة فيزيولوجية ويعد زيادة وزن المرأة الحامل من أهم أسباب الاختلاطات والمشاكل التي تحدث أثناء الحمل، وهناك العديد من العوامل التي تتسبب في زيادة الوزن أو السمنة خلال فترة الحمل منها نقص الحركة وزيادة كميات الطعام التي تتناولها الحامل إضافة إلى وزن الجنين والمشيمة وحجمها، واحتباس السوائل لدى السيدة الحامل، بخلاف العوامل الوراثية.
وتتعرض المرأة البدينة خلال حملها لبعض الاختلاطات أكثر من المرأة طبيعية الوزن، ومن هذه الاختلاطات ارتفاع التوتر الشرياني أو الإصابة بالسكر الحملي وما يسببه من مشاكل أثناء الولادة بسبب كبر حجم الجنين، والذي يزيد من نسبة الولادة القيصرية، بالإضافة إلى ما قد يتعرض له وليد الأم السكرية من نقص سكر بعد الولادة، وما ينتج عن ذلك من أذيات دماغية، كما أن تقنيات التحذير من عند المرأة الحامل البدينة تكون صعبة للغاية فيما لو احتاجت للتدخل الجراحي.
انقاص الوزن للحامل!
وتضيف د. ملك: ومن الأمراض التي قد تصيب المرأة الحامل البدينة أيضاً التهاب المسالك البولية والتهاب الوريد الخثري وهو ما يجعل عملية الولادة أكثر صعوبة، وبالتالي فإن انقاص الوزن يقلل من نسبة إصابة المرأة الحامل بهذه الاختلاطات ويجنبها ووليدها أية مخاطر، لكن شريطة ألا تقدم الحامل على أي ريجيم قاسي أثناء، ويجب مراعاة التغذية الصحية التي لا تحتوي على نسبة عالية من الحراريات بل على العناصر الغذائية المفيدة للأم والجنين.
السمنة تؤثر على التنفس
وعن السمنة وعلاقتها بالجهاز التنفسي يوضح الدكتور محمد عريقات أخصائي الأمراض الصدرية بمستشفى الحمادي أن السمنة المفرطة تؤثر بشكل سلبي على أداء وصحة وحيوية عملية التنفس، فتراكم الكتل الشحمية في جسم الإنسان خاصة منطقة البطن، يقلل من كفاءة العضلات التنفسية وعضلات الضلوع والحجاب الحاجز، وهذا التأثير يزداد خطورة في وضع الاستلقاء على الظهر والنوم، كما أن تراكم الشحوم في منطقة العنق والحنجرة يؤثر بالسلب على الطرق التنفسية العلوية مما يؤدي إلى تضييق انسدادي في الوظائف التنفسية.
ويضيف د. عريقات: وإذا كان النقصان المقبول في القدرة على التنفس عند الشخص البدين في حالة الاستلقاء على الظهر يتم تعويضه بزيادة في حركة الشهيق والزفير، أما في حالة النوم وزيادة ضعف القدرة على التنفس بشكل لا يمكن تعويضه يؤدي إلى نقص نسبة الأكسجين في الدم، مما يصيب النائم البدين بالشعور بالاختناق، وبالتالي نوم متقطع يؤدي إلى التوتر، وضعف الذاكرة والتركيز والإصابة بالصداع كما أن القصور المزمن في التنفس يضعف عضلة القلب.
السمنة وارتفاع ضغط الدم
أما آخر المشاكل التي تسببها السمنة فهي صعوبة التخدير إذا ما تطلب الأمر إجراء جراحة، وهو ما يتطرق إليه د. محمد عسكر استشاري التخدير والعناية المركزة، بفعل تأثير الوزن الزائد على الجهازين التنفسي والدوري والقلب، حيث إن السمنة تتسبب في ارتفاع ضغط الدم وتأثر أداء القلب سلبياً والإصابة بنوبات ضيق التنفس ونقص في كفاءة الرئتين.
ويشير د. عسكر إلى الصعوبات التي تواجه طبيب التخدير بالنسبة عند التعامل مع المرضى من ذوي الأوزان الزائدة، ومنها العثور على أوردة مناسبة لوضع القسطرة واستكشاف الحنجرة لوضع أنبوب التخدير داخل القصبة الهوائية، كذلك الصعوبات التي تلي العمل الجراحي، ومنها صعوبة حركة العضلات بسبب الوزن الزائد، وضغط دهون البطن على الحجاب الحاجز، وبالتالي الرئتين، وما ينتج عن ذلك من قلة أوكسجين في الدم.
| 
