ودعت عنيزة إلى الأبد أحد أبرز رجال الأعمال فيها، والمعروف عنه حبه للخير والمساهمة فيه ألا وهو حمد بن صالح الحركان رحمه الله بعد معركة مع المرض امتدت إلى ربع قرن من الزمن حتى شاء الله أن يقبضه إلى مثواه الأخير.. ولعل المشاهد التي ارتسمت عند مقبرة «الشهوانية» في عنيزة والمتمثلة في الأفواج الكبيرة التي شيعت جنازة الفقيد خير دليل على ما يكنه المجتمع من حب وتقدير ورد من البعض للجميل لصاحب الأيادي البيضاء.
ومن مآثر الفقيد الكثيرة جداً التي ما أستطيع إحصاءها مساهمات في مشاريع عنيزة ومناسباتها ودفع المبالغ الطائلة في المناسبات وفتح الشوارع وتطوير الأحياء بل انه حوّل شرق عنيزة إلى مدينة كاملة ولم يكن الربح طموحه.. فكان يخطط للمستقبل وكان من ضمن همومه مصير الشباب وذوو الدخل المحدود.. كذلك أوصل خدمات المياه والكهرباء والهاتف والسفلتة على حسابه الخاص وشيّد المساجد وفرشها ووظف الأئمة والمؤذنين وتكفل بنظافتها وتطييبها، وتبرع للجمعيات الخيرية ورياض الأطفال مثل إسكان جمعية البر الخيرية كما تبرع بمقرات المراكز الأولية للرعاية الصحية، حتى شركة الكهرباء تبرع لها بمقر لإحدى محطات التحويل وأيضاً البلدية.. وكان رحمه الله يتابع ويعقب بنفسه لدى الدوائر الحكومية من أجل إحياء شرق عنيزة، كما كان للفقيد أيادٍ بيضاء حانية لا يعلم بها إلا الله فهناك شباب فقراء ومحدودو الدخل ساعدهم بإسقاط قيمة الأرض عنهم وهناك أيتام وأرامل كان يساعدهم بالسداد عنهم من حسابه الخاص وكان يوسع للمعسرين ويصبر على العاجزين عن التسديد ثم يسقط عنهم، وكان طيلة أيام رمضان يحول أعمال المؤسسة إلى دفع الزكاة والمساعدات فكان من المحال أن يطلب منه أحد المساعدة ويرده خائباً.
أرجو أن يتقبل الله دعاء هؤلاء له ويكون ذلك في ميزان حسناته فهو اليوم لا يحتاج منا إلا الدعاء له بأن يكون كل ما قدمه في سبيل الله رصيداً له عند الحساب.. ولقد خلّف الفقيد أبناء صالحين بررة إن شاء الله ساروا على نهجه في حب الخير للناس وتقديم المساعدة والبحث عن المحتاجين فحمد الحركان بحر من الخير يعجز مثلي عن التحدث عنه أو إيفائه شيئاً من حقه سواء ما قدمه لعنيزة من مساهمات واضحة وباقية ما بقيت عنيزة أوما قدمه للفقراء والمحتاجين سواء في النور أو في عتمة الظلام.. وكان الفقيد في حياته لا يحب الظهور والإطراء من أحد حتى انني ذات مرة كتبت خبراً صغيراً في حجمه كبيراً في محتواه عندما تبرع ب 22 قطعة أرض لجمعية البر الخيرية فطلب مني عدم ذكر اسمه أو حتى كتابة مثل ذلك مستقبلاً راجياً أن يكون ذلك لوجه الله تعالى وأنه لا يرغب بنشر أي خبر عن أي تبرع.. فلو كان يريد الإعلام لكان كل شيء بيده وأعتقد أنني لم أر صورته بأي وسيلة إعلامية من قبل رغم كونه من أكبر المعلنين في السنوات الماضية عبر صفحات كاملة تقدر بالملايين للصحف المحلية.
وأثناء مرضه رحمه الله وتواجده بالمدينة المنورة كتب له رسالة استعطاف من أجل أيتام زغب الحواصل مات والدهم في حادث مروري وهو في عز شبابه وكان قد تبقى عليه مبلغ يقدر بحوالي خمسين ألف ريال وشرحت في تلك الرسالة وضعهم المادي وما يواجههم من مصير مظلم وديون مثقلة وغيرها.. فلم يكن مرضه ليشغله عن حب الناس والمساعدة حينما اتصل بي مدير مكتبه الأستاذ عبدالله العلي الرويجحي ليبلغني أن أبا صالح قد أسقط المبلغ عن هؤلاء الأيتام بل وأعطانا ورقة مخالصة بذلك.. وغيري الكثير ممن لديهم من القصص المعبرة عن مآثر الحركان حيث انه لم يمر على مجتمع عنيزة - لا قديماً ولا حديثاً - رجل بمثل كرمه وسخائه وحبه للخير «سراً» فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وغفر له ولوالديه وهذه حال الدنيا فهي لا تدوم ولا تخلد وإنما يبقى العمل الصالح أفضل تركة يتركها الإنسان.. ومثل الفقيد تشهد له المآذن التي يرفع منها ذكر الله كل يوم وليلة وعلى مر السنين كالنهر الجاري.. أرجو أن يجزيه الله خير الجزاء..
وقبل أن أختم رسالتي هذه أتوجه إلى محافظ عنيزة الأستاذ عبدالله اليحيى السليم محب الخير ومهندس عنيزة الجديدة والذي يقدر العاملين ويقف مع الجميع بأن يسعى جاهداً وعاجلاً بوضع اسم الفقيد على أهم المعالم في شرق عنيزة ولا أخاله يتأخر عن ذلك.
وفق الله الجميع لما فيه الخير،،
|