تقول أم خالد: لقد بدأت مأساتي منذ الأيام الأولى من الزواج وأنا أبلغ من العمر ثمانية عشر عاما وكنت حينها لا أعلم شيئا عن المخدرات وافتقد للتوعية التثقيفية كما أنني أنتمي إلى أسرة محافظة جدا وتقدم زوجي لخطبتي وكنت لا أعرف عنه وعن حياته الخاصة شيئا فكانت الخطبة تقليدية، وبعد السؤال عن أسرته وما إلى ذلك تمت الموافقة على الزوج وتم تحديد موعد الزواج، وحيث انه كان يسكن في مدينة أخرى بعيدة عن مدينتي وعن المجتمع الذي أعيش فيها، كانت هناك صعوبة في السؤال عنه فاقتصر السؤال عن أهله كأسر.. وبعد الزواج انتقلت الى المدينة التي يعيش بها وهي إحدى مناطق المملكة ومنها بدأت رحلة العذاب.
تصرفات غريبة
وفي الأيام الأولى من الزواج كان هناك العديد من علامات الاستفهام في تصرفات زوجي، ولكني كنت غير قادرة على ايجاد الاجابات عليها والتوصل لها، وكنت أعتقد أنني سأعرف ماذا يدور في حياته خلف تلك العلامات وبدأت التصرفات الغريبة تزداد يوما بعد يوم وأصبحت أرى الشيء الكثير والمذهل من تلك التصرفات دون وجود تفسير مقنع لها، مثل السهر المتواصل لفترات طويلة، سلوكيات غير طبيعية والنوم لفترات طويلة، الخمول والكسل والمرض المفاجئ، صرف النقود بشكل غير طبيعي، الوحدة، احمرار العينين، الهرش في الجسم، الكذب، المكوث في دورة المياه لفترات طويلة، السرحان وعند سؤاله عن الاسباب حول بعض تلك التصرفات كان يقدم لي الاعذار الواهية وغير المنطقية، ولم أكن أعرف حينها ما هي الاسباب والدوافع التي تدفعه لذلك، فكنت في حيرة من أمري ولا أعلم ماذا أفعل ولهذا كنت أعتقد أن هذه الأمور خاصة به وقد اعتاد عليها منذ أيام العزوبية وسوف تتغير مع مرور الوقت.
كانت هناك بعض التصرفات والأسئلة الغريبة من والدة زوجي.. حيث كانت توجهها لي بشكل متكرر مثل سؤالها المتكرر عن موعد ووقت حضوره الى البيت وعن بعض التصرفات معي ومع نفسه.. فزادت حيرتي من تلك الاسئلة.
مرض غريب
وفي يوم من الأيام وجدته بحالة مرضية غريبة ولا يستطيع التحرك من الفراش حاولت مساعدته ومعرفة أسباب المرض الذي الزمه الفراش فجأة فرفض مساعدتي له، ولكنه بعد فترة حاول أن يطلعني على سر هذا المرض الذي لازمه ولم يستطع مواجهتي، فقال لي ذات يوم: أريد أن أبوح لك بسر دفين في حياتي وأردف قائلا: إنني أعاني من مرض مزمن وشديد في البطن ولم أجد من يساعدني في علاجه، فسألته هل أهله على علم بهذا المرض؟؟ فنفى ذلك: مفيداً بأنه لا أحد يعلم بهذا ولا يريد اطلاع أحد آخر عليه وطلب مني عدم البوح بذلك لأي شخص آخر، وفي البداية انتابني الخوف ولكنني شجعت نفسي على التضحية لزوجي فحاولت الوقوف معه ومساعدته، فسألته عن الطريقة التي يمكنني من خلالها مساعدته.. فقال: أنا بحاجة الى مبلغ من المال وان الطريقة الوحيدة التي يمكنني مساعدته بها هي توفير هذا المبلغ فاستغربت كثيرا من ذلك، إذ لا يوجد مبرر مقنع بين ذلك وبين المرض الذي يعاني منه، وعند سؤالي له عن ذلك وعن علاقة المبلغ بالمرض قال: انه سيقوم بمراجعة طبيب معين متخصص في علاج هذا المرض!! وكان لدي مبلغ من المال فسلمته له فخرج من المنزل، وبعد ساعة واحدة عاد لي زوجي وهو في صحة جيدة، ولكنه أيضا بدا في حالة غير طبيعية فكنت أعتقد ان ذلك من اثر الأدوية التي صرفها له الطبيب عند الكشف عليه.
غياب وتذمر
بعد ذلك بدأت ألاحظ غيابه المتكرر عن العمل كما بدأت ألاحظ العديد من المشاكل المتكررة مع أهله بسبب أو بدون سبب وكنت لا أفهم ماذا يدور حولي وعند حدوث أي نقاش بينه وبين أهله ألاحظ تغير النقاش عند مجيئي لهم، وكان زوجي كثير التذمر من أهله كما كان يعرض علي الخروج من المنزل والاستقلالية كما زاد طلبه للمال بحجة العلاج ففي احدى المرات استهلك عشرة آلاف ريال خلال أسبوع واحد فقط فزادت لدي علامات الاستفهام وزادت معها الاعذار والتبرير الواهي.
وفي يوم من الايام طلب مني مبلغاً من المال للسفر خارج المملكة للعلاج، فاعتذرت له بعد نفاد كل ما أملكه من السيولة النقدية، وطلب مني بيع بعض من مجوهراتي لتأمين مبلغ كاف يغطي احتياجات سفره وعلاجه فاستجبت له وأعطيته كل ما أملكه من المجوهرات، فباعها ثم سافر لمدة أسبوعين خارج المملكة وفي هذه الاثناء عاد أهله يسألوني عنه وعن أسباب سفره وحسب الاتفاق معه كنت أفيدهم بأنه سافر لاحدى مناطق المملكة للبحث عن عمل مناسب وبعد أسبوعين عاد زوجي من السفر، وكانت صحته جيدة مقارنة بالسابق.
انكشاف الحقيقة
وبعد مضي أسبوعين على عودته من السفر عادت له الاعراض السابقة التي كانت تثير الشكوك وعلامات الاستفهام، وكنت خلال تلك الفترة استعد للسفر لزيارة أهلي، فحاولت معرفة ما يدور من حولي قبل السفر، وفي يوم من الايام وأنا أقوم بترتيب وتنظيف غرفة النوم، وجدت بعض الادوات الغريبة، إذ وجدت ابرة طبية وملعقة وقطعة ليمون وبعض الورق الرقيق وأشياء أخرى غريبة أخرجتها من الغرفة ووضعتها في مكان آخر، وعند حضوره الى المنزل ذهب الى الغرفة يبحث عنها ثم سألني عنها، فاجبته بأنني لا أعلم عنها شيئاً.
وبعد اجابتي بأنني لا أعلم شيئا ثار علي وغضب وكانت حالته يرثى لها فسألته عن تلك الادوات فاجابني قائلا: انها المخدرات أنا مدمن على المخدرات، في ذلك الحين لم أكن أعرف سوى الكحول فشرح لي زوجي عن المخدرات وعن معاناته معها منذ زمن طويل، واعترف لي بأن سفره الى خارج المملكة كان بهدف العلاج من الادمان، فسألته عن أهله وهل هم على علم بادمانه، فأفادني بمعرفتهم بذلك ولكنهم لم يستطيعوا القيام بشيء نحو ذلك، فحاولت اقناعه بالابتعاد عنها والتوبة الى الله.بعد ذلك طلب مني احضار المواد التي اخذتها ليتعاطى للمرة الأخيرة، فوعدني فصدقت وعده لي واحضرتها له واخذ يتعاطى أمامي وأنا أشاهده لا حول ولا قوة سوى الدعاء الى الله بأن يساعدني في حل تلك المشكلة وهذا المأزق.. وبعدها أصبح زوجي يتعاطى بشراهة بعد علمي حيث بدأ يتعاطى داخل المنزل، فكان اطلاعي على أمره أشبه بالدافع للاستمرار بالتعاطي، ولم يكن مضطراً للخروج والبحث عن مكان مناسب للتعاطي، وكلما حاولت اقناعه بالتوقف والتوبة كما وعدني سابقا كان يفيدني بأنه سيتوقف غدا وان تلك الجرعة هي آخر جرعة مخدر يتعاطاها، فكنت أصدق ذلك بعدها اضطررت لطلب المساعدة من والدته فوجدتها تعاني ما أعانيه فبدأت تزداد المشاكل يوما بعد يوم.
سرقة وإدمان
وفي هذه الاثناء تم افتتاح مستشفى الأمل بالدمام، فطلبت منه دخول المستشفى والعلاج فوعدني بذلك وكنت حينها لا أدري هل أصدق ما يقول أو لا.وبدأت بعض السلوكيات الادمانية تزداد يوما بعد يوم مثل السرقة، فأصبح يسرق من أهله وأحيانا لأكثر من أسبوع ولا أعلم عنه وعن مكانه شيئا ولا أملك سوى الجلوس بانتظاره وانتظار عودته سالما دون مشاكل، وبدأت ادخل في مشاكل مع أسرته، فأصبحوا يعتبروني السبب في ادمانه بسبب سكوتي وتستري عليه فكنت بين نارين، نار زوجي ونار أسرته وأنا الضحية بينهما.قد غاب زوجي عن المنزل لفترة طويلة ولم أعلم عن شيئا.، وكان أهله يبحثون عنه في كل مكان ويتصلون الى أصدقائه، وكنت لا أملك له سوى الدعاء، أدعو الله سبحانه وتعالى في كل وقت ان يحميه وأن يعينه على الابتعاد عن المعاصي، وبعد غياب طويل علمت انه دخل مستشفى الأمل للعلاج، وكانت تلك المرة برغبة منه هو.. فمكث بالمستشفى أكثر من ستة أشهر وكان متعاونا مع الفريق العلاجي، وبعد خروجه انخرط في برنامج الدعم الذاتي باللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، التي ساعدته بعد الله على التوقف، وحمايته بعد الله على عدم العودة للتعاطي، ومن هنا بدأت رحلة التوقف الى يومنا هذا.وقد أمضى زوجي لسنوات في التوقف ولله الحمد والمنة، وذلك بفضل من الله ثم بفضل اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، حيث يعمل مرشدا في مساعدة المتوقفين الذين لا زالوا يعانون من ادمانهم وقد عوضني الله سبحانه بكل خير.
وفي الختام انني أناشد كل زوجة ابتلاها الله بزوج مدمن ان تطلب العون والمساعدة إذ انها لا يمكن ان تقوم بمساعدته لوحدها دون استعانة بالمختصين وبالجهات المختصة، كما أطالبها بالوقوف مع زوجها في معاناته والصبر حتى يتم علاجه بإذن الله، وان تدرك ان زوجها مريض وليس مجرما، إذ يمكن علاجه واعادته زوجا صالحا وعضواً نافعا بإذن الله فسكوتها دون طلب المساعدة سوف يزيد المشكلة تعقيداً، ويجب عليها عدم الاستماع لوعوده المستقبلية بالعلاج مع دعواتي لاخواتي بشفاء أزواجهن وتعافيهم.
|