الشجاعة والكرم وفصاحة اللسان كانت معايير النجاح والتميُّز بين أفراد المجتمع القبلي (مجتمع ما قبل التوحد والبناء).. ومع ذلك كانت نزعات الاستعلاء والانعزالية والانغلاق سمات ذات المجتمع.. والتي استمرت للأسف تعيش في وجداننا حتى تاريخنا، وإليكم القصة التالية:
حدثني صديقي وقال: نشأت وتربيت في بيت، وفي وسط قبيلة.. رسَّخا في ذهني أني وقبيلتي من عنصر متفوق على الآخرين من القبائل الأخرى.. بدون ذكر أي سبب وجيه أو تبرير مقبول.
يواصل صديقي: كبرت وأنا أشعر تجاه زملائي ومعارفي من غير قبيلتي بمشاعر رمادية.. هي بين الشفقة في حالات، والتهوين في حالات أخرى.. وأنهيت الشهادة الثانوية وابتعثت للدراسة خارج المملكة وأنا لازلت احتفظ بتلك المشاعر الغامضة تجاه الأخرين بين إشفاق واحتقار.
وبعد مرور أعوام بدأت اكتشف أني كنت أعيش كذبة كبيرة.. وأنني وقبيلتي بل وكامل العرق الذي انتمي إليه نستحق الشفقة في نظر الآخرين أحياناً، كما نستحق التقويم في أحيان أخرى!!
وحدثني صديق آخر وقال: تربيت في بيت، ووسط مجتمع يرى الآخرين أقل كرامة وعفة وديناً.. ألم تسمع بقصة القروي الذي سئل عن عدد المسلمين فقال: عددهم ألف مليون.. ثم تراجع بعد قليل وقال: في الحقيقة وان كانوا ألف مليون عدداً.. إلا أن منهم من هو ليس على مذهبي.. وهؤلاء ليسوا مسلمين!؟ وأضاف: أنَّه من الصعب أيضاً أن تقول عن شعوب لا تجيد العربية شعوباً مسلمة.. كذلك لا يمكن أن تقول عن كثير من المسلمين العرب أنهم مسلمون وأنت ترى التحرر والانفتاح الذي يعيشونه.. وهو مُخْرِج من المِلَّة!؟
المهم.. وحتى لا أطيل عليكم..وصل ذلك القروي إلى المسلمين هم فقط أهل قريته، بل ان بعض أهل قريته متهاونون في صلاة الفجر، ومنهم من لا تظهر عليه صفات المسلم الملتزم، وانتهى إلى أنه ليس هناك مسلمون حقيقيون بل هناك مسلم حقيقي واحد وهو.. (هو)!
وفي سؤال لصديق حميم: هل نحن شعب كاره لبعضه؟.. رد قائلاً: إن هذا سؤال يجب أن يطرح بشجاعة ويجاب عنه بدون وجل ولا خوف.. نعم نحن شعب كاره لبعضه، ثم قال: خذها من قصيرها كما تقول العامة.. وإليك ملاحظاتي.
أليس البدويّ يكره الحضري ويعيّره بأوصاف تجدها في الشِّعر العاميّ منذ أيام بداح العنقري؟ أليس النجدي يشتم الحساوي؟ ارجع إلى شعر سلمان ابن سحمان.. أليس الجنوبي والشمالي يتبادلان التوجس والاستيحاش (والعداوة الصامتة) لبعضهما؟
أليس الجبلي الحجازي ينظر إلى سكان السواحل ومدن الداخل وحاضرتها نظرة ذات مغزى أنت تعرفها؟ أليس فينا من يُعدُّ نفسه من طلبة العلم الشرعي ويستهزئ بأكثر علماء المسلمين الآخرين، ويرى أنهم كذا وكذا؟ أليس مرض القلوب أخطر من مرض الجوارح؟
ألسنا نعادي المخالفين لنا من المسلمين ونشنِّع عليهم؟ فأين أدب الخلاف وفِقْه الاختلاف كما كتب عن ذلك الشيخ الدكتور صالح بن حميد ونبه إليه وحذر منه ومن مغبة نتائجه وخطورة الاستمرار فيه؟
نحن نمثل المنتج الصانع الذي لم يستطع أن يرضي المشتري ولا البائع.
مؤسسة التعليم أخفقت في تقديم الحل، ومؤسسة الإعلام تراجعت عن تدارك الفشل، ومؤسسة الارشاد والتوجيه اضطربت لأن خطابها تسلطت عليه فئة تريد أن تنشر بين الناس ثقافة فكرية ضيقة .. ارجع إلى فتاويهم في قتل المخالف.. ونفى المناكف بمواقع وساحات الانترنت.. حتى صرنا شيعاً وفئات مشحونة بالكراهية، معجونة بالحقد على بعضها، وبالعداوات لغيرها. (انتهى).
في عصرنا هذا، التأثير في مجريات الحياة محلياً ودولياً هو معيار النجاح والتميز.. وأقصد هنا التأثير الايجابي لا التأثير التدميري الارهابي.. فالعالم كما يعلم الصغير والكبير صار فعلاً قرية كونية.. فلا مجال للانغلاق أوالتقوقع.. وقيادة التأثير لا يمكن أن تكون من فرد من العامة بل من المؤثرين الذين هم أصحاب القرار أوالمال أوالعلم أو الرأي أوالوجاهة..
آمل من كل مَنْ له رأي الدخول في ساحة حوار مفيد حول ما ذكرت، فالمشوار طويل والهدف هو أن نصل.
|