* واشنطن - هيوارد لافرنشي:
مع تعهدها بإقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005 وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في موقف غير عادي يتطلب منها بناء ثلاث دول في وقت واحد هي إعادة بناء أفغانستان بعد رحيل حركة طالبان عن الحكم واقامة حكومة ديموقراطية في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، ثم إقامة دولة فلسطينية، وكل مهمة من المهام الثلاث معقدة في ذاتها.
ومما يزيد من صعوبة هذه المهام الإطار الزمني الذي حدده الرئيس الأمريكي جورج بوش لإنجاز كل مهمة من هذه المهام، ويستشهد الرئيس الأمريكي وغيره من المسئولين في الإدارة الأمريكية، بنجاح أمريكا في إعادة بناء ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، على قدرة أمريكا التي أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم حاليا وأغنى دولة فيه على تكرار النجاح اليوم. ولكن الخبراء يشيرون إلى أن هناك مجموعة من العوامل تجعل من المهمة الأمريكية اليوم أكثر تعقيدا على أفضل الفروض.
عوامل ثلاثة
وأولى هذه العوامل من وجهة نظر هؤلاء الخبراء هي إدراك الكثيرين أن أمريكا بصفة عامة وإدارة الرئيس بوش بصفة خاصة لا تتحلى بالصبر والقدرة على التحمل والمثابرة لكي تواصل العمل في أي مشروع يحتاج إلى وقت طويل مثلما هو الحال في مشروعات إعادة بناء الدول.
والعامل الثاني هو التشويش الناجم عن مجموعة من العوامل المحلية للرؤية الأمريكية لأي مشروع لبناء دولة.
أما العامل الثالث فهو المشهد السياسي الداخلي في أمريكا والذي تظهر فيه بوضوح المعركة الانتخابية الرئاسية التي ستنطلق العام القادم والتي ستؤدي إلى تقليل الالتزام الكامل بالعمل على إنجاز هذه المهام.
يقول جوزيف مونتيفل خبير الدبلوماسية الوقائية في مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية في واشنطن أن هذا التعهد يبدو التزاما عظيما من جانب أمريكا وخاصة في ضوء هذه المعارضة القوية التي كان يبديها بوش لأي مشاركة أمريكية في مشروعات بناء الدول عند وصوله إلى البيت الأبيض أول عام 2001، ولكن الحقيقة أيضا أن أمريكا لها تقاليدها الخاصة في التدخل.
أفغانستان والعراق
وبنظرة إلى ما يحدث في أفغانستان حاليا بعد الحرب الأمريكية في هذا البلد الذي يقع في وسط آسيا والإطاحة بحكومة حركة طالبان وسيطرة زعماء الحرب على الأمور هناك، يؤكد الخبراء أن إعادة بناء أفغانستان بات يحتل مرتبة ثانوية في سلم اهتمامات الإدارة الأمريكية.
وفي نفس الوقت يبدو أن تركيز الإدارة الأمريكية في جهود إعادة البناء تحول إلى العراق، ومن وجهة نظر عدد كبير من الخبراء ومستشاري الرئيس الأمريكي فإن إعادة بناء العراق يمكن أن يكون المعادل الذي يقدمه الرئيس بوش للشعب الأمريكي باعتباره مساويا للنجاح الأمريكي في إعادة بناء اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن غير المحتمل أن يتراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بالعراق لعدة أسباب.
أولها أنه بعد أن خاضت إدارة بوش وانتصرت في حرب تسمى «حرب اختيارية» ضد العراق تتمتع بقدر عظيم جدا من الهيبة على مستوى العالم يمكن أن يساعدها في النجاح خلال فترة ما بعد الحرب.
كما أن عددا كبيرا من كبار المسئولين في إدارة الرئيس بوش كانوا يضغطون من أجل تغيير نظام الحكم في العراق باعتباره مقدمة لتحولات شاملة في منطقة الشرق الأوسط ككل لتصبح هذه المنطقة من العالم منطقة خالية من التهديدات للولايات المتحدة، لذلك فإن إعادة بناء العراق هو جزء أساسي من الأهداف الاستراتيجية للحملة العسكرية على عكس الحال في أفغانستان.
يقول ستيفن ميللر مدير برنامج الأمن الدولي في كلية كيندي للإدارة العامة بجامعة هارفارد الأمريكية أن كل المؤشرات القادمة من العراق تشير إلى أن إدارة بوش لم تكتشف أبعاد الموقف هناك حتى الآن ولكن هذه الإدارة تراهن بقوةعلى نجاحها في إعادة بناء هذا البلد.
الأمر الثاني أنه في ضوء الانقسام الذي شهده بسبب الحرب ضد العراق فإن إعادة بناء ما دمرته الحرب الأمريكية في هذا البلد يمكن أن يصبح بمثابة المائدة التي يجتمع حولها المجتمع الدولي مرة أخرى.
وبالفعل فإن الدول الأوروبية التي كانت تعارض الحرب قدمت دعمها الكلامي حتى الآن لعمليات إعادة بناء ما دمرته الحرب، كما أن الولايات المتحدة مستعدة لسبر أغوار الرغبة الدولية في دعم جهود إعادة البناء من خلال مؤتمر للدول المانحة لإعادة بناء العراق يعقد في سبتمبر القادم.
كما أن مراجعة رؤى الإدارة الأمريكية للجدول الزمني لفترة ما بعد الحرب تشير إلى استعداد الإدارة الأمريكي لاحتلال والسيطرة على العراق لفترة أطول من التوقعات السابقة، فقد تم استبعاد الخطة الأصلية لتسليم حكومة عراقية انتقالية تتولى تسيير الأمور اليومية في العراق في أسرع وقت ممكن وقررت سلطات الاحتلال الأمريكي إدارة الشئون العراقية مباشرة حتى يتم الانتهاء من وضع دستور عراقي جديد وإجراء انتخابات الأمر الذي قد يستغرق على الأقل عامين.
ويرى الناس أن فترة العامين تعكس خطأ في حسابات الإدارة الأمريكية إذا كانت تتحدث عن تجربة إعادة بناء على نمط ما حدث في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
يقول سلفاتور جينجس خبير حفظ السلام وإعادة بناء الدول في ورقة بحثية عن العراق أن أمريكا احتاجت إلى إدارة الشئون الألمانية واليابانية لمدة سبع سنوات متصلة قبل أن تنقل السلطة إلى أي حكومة محلية فكيف يمكن تصور أن يحدث ذلك في العراق في غضون عامين على الأكثر؟
تعهدات أمريكية
ويحذر جينجس من خطورة تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن تعهداتها بإعادة بناء أفغانستان ورفض الإدارة الأمريكية تخصيص الموارد اللازمة لإنجاز هذه الهمة وقال: ان هذا سوف يثير شكوك كثيرة حول مدى التزام أمريكا بتعهداته لإعادة بناء أي دولة بعد ذلك بما في ذلك العراق.
ويقول بعض الخبراء إن استمرار التزام أمريكا بجهود إعادة بناء أي دولة سوف يتوقف على مدى ارتباط بناء هذه الدولة بالأمن الأمريكي.
فقد كان بناء كل من ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية عنصرا مهما بالنسبة للولايات المتحدة في إطار الحرب الباردة التي كانت تخوضها ضد المعسكر الشيوعي المعادي، ولكن ستيف ميللر يقول: إن الإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان أنهى التهديد الأمني الذي كانت تمثله هذه الدولة بالنسبة للولايات المتحدة.
والحقيقة أن هناك عوامل أخرى تتعلق بجهود إعادة بناء ما دمرته الحرب الأمريكية في أفغانستان تتجاوز العوامل الأمنية.
خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص ب«الجزيرة»
|