اتخذ الرئيس جورج بوش الابن منذ ان تولى الحكم في الولايات المتحدة موقفاً مجافياً للرئيس ياسر عرفات حيث انه لم يقابله ولم يدعه للبيت الابيض كما فعل مع شارون بها.. إن كل المسئولين الرسميين في الولايات المتحدة خلال حكم الرئيس بوش لم يقابلوا الرئيس ياسر عرفات ولعل آخر الزائرين للاراضي الفلسطينية هو وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول حيث اجتمع كولن باول مع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في اريحا ليؤكد ان رئيس السلطة الفلسطينية السيد عرفات لم يعد له مكانة سياسية وربما أي صفة لدى البيت الابيض.
إن محاصرة الرئيس الفلسطيني من قبل الجيش الصهيوني يعد انتهاكاً وخرقاً للاعراف الدبلوماسية بل للقوانين الدولية فالرئيس ياسر عرفات هو الرئيس المنتخب من قبل الشعب الفلسطيني وبطريقة ديمقراطية معترف بها عالمياً.
لقد كانت المقاطعة الامريكية للرئيس ياسر عرفات مطلباً شارونياً منذ توليه سدة الحكم. ولا شك أن تلك المقاطعة كانت لاسباب شخصية. شاون يكن عداءً شديداً لياسر عرفات منذ غزو لبنان وحصاره لبيروت وظهور عرفات سالماً من ذلك الحصار عام 1982م. ويبدو أن شارون ابدى اسفه على انه فوت الفرصة وسمح لعرفات بالخروج من بيروت.
يعتقد شارون أن هناك إمكانية بعد تعيين رئيس وزراء فلسطين لتنازل الجانب الفلسطيني عن الثوابت والمبادئ الفلسطينية الاساسية المتمثلة في القدس وعودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات والانسحاب الاسرائيلي حتى حدود عام 1967م. ان كل هذه الحقوق الفلسطينية تتعارض مع رؤية شارون للحل النهائي للقضية الفلسطينية وقد اعلن مراراً وتكراراً ان القدس بكاملها هي عاصمة الدولة الصهيونية وفي اجتماع حزب الليكود في يوم الاحد 8/6/2003م اكد انه لن يسمح على الإطلاق بعودة اي لاجئ فلسطيني وقد جاء هذا التصريح بعد مؤتمر العقبة مباشرة الرئيس بوش حاول - وإن لم ينجح - أن يأخذ من الزعماء العرب الذين اجتمع معهم في قمة شرم الشيخ على دعم ومساندة لما يراه من أن الفصائل الفلسطينية هي مجموعات إرهابية وطالب بقطع المساعدات عن هذه الفصائل.
كما ضغط الرئيس بوش على رئيس الوزراء الفلسطيني بحيث ظهر ابو مازن بذلك البيان الذي اثار حفيظة الفصائل الفلسطينية بعد أن تناسى في خطابه خمسة وخمسين عاما من النضال والكفاح لم يحقق أمناً ولا استقرارا للكيان الصهيوني، صحيح انه لم يحقق دولة فلسطينية من الجانب الآخر ولكن الكفاح حق مشروع للشعب الفلسطيني وقد يمتد عقوداً وقد يمتد قروناً ولكن لن يضيع حق وراءه مطالب.
لا شك أن الكيان الصهيوني عانى من الانتفاضة الفلسطينية معاناة كبيرة في الجانب الاقتصادي والجانب الامني وقد فشل شارون في تحقيق الأمن للشعب الصهيوني على الرغم من وعوده التي قطعها عند توليه قمة السلطة، وهاهي الانتفاضة توشك أن تكمل عامها الثالث دون أن ينجح في إنهائها على الرغم من استخدامه لكل الوسائل القمعية والاسلحة الامريكية وعلى الرغم من استغلاله لحملة الرئيس بوش ضد الإرهاب وتطبيق ذلك المفهوم على الفصائل الفلسطينية الا أن ذلك لم يثن من عزم الفلسطينيين على مواصلة انتفاضتهم وحقهم المشروع في إزالة الاحتلال.
دمر الجيش الصهيوني كل البنى التحتية للأمن الفلسطيني ويعلم شارون وبوش أن الامن الفلسطيني ليس في مقدروه القيام بما يطلب منه من وقف للهجمات الاستشهادية ضد المحتل بينما شارون يطالب رئيس الوزراء الفلسطيني بأن يبذل جهوده في هذا الشأن في حين أن شارون يعطي اوامره باقتحام المدن والقرى الفلسطينية في الوقت الذي يطلب من الفلسطينيين ان يبقوا مكتوفي الايدي ولا يدافعوا عن انفسهم، ولا شك أن شارون يستفز الفلسطينيين من خلال تركيزه على وزير الامن الفلسطيني دحلان والإشارة إلى انه من الممكن أن يؤدي دوراً في قمع الانتفاضة وكأن الحكومة الصهيونية تحرض وتدفع دحلان إلى التسرع وارتكاب خطأ يدفع إلى الاقتتال بين الفلسطينيين.
أن خريطة الطريق وآلية تنفيذها من الجانب الفلسطيني في غاية الخطورة ويجب على الفلسطينيين أن يتعاملوا معها بحذر وحكمة، صحيح أن الحكومة الفلسطينية التزمت بتنفيذ متطلباتها في المرحلة الاولى التي تتضمن ايقاف عسكرة الانتفاضة ومنع الهجمات الفلسطينية، وهذا الجانب يمكن التفاهم عليه من خلال التوصل إلى اتفاق هدنة، الخطر يكمن في نزع اسلحة الفصائل الفلسطينية واعتبارها منظمات ارهابية وعلى رئيس الوزراء الفلسطيني أن يتعامل مع هذا الجانب بروية وحوار ودبلوماسية حتى لا يتحقق حلم شارون بالإيقاع بين الفلسطينيين ونشوب حرب أهلية لأن ذلك معناه اراقة دماء الفلسطينيين وسيكون القتلى بالعشرات في اليوم الواحد وقد نجح الفلسطينيون وبكل اقتدار في تفادي نشوب مثل هذه الحرب على الرغم من مرورهم بمواقف مشابهة افرزتها اتفاقات سابقة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.
وشارون لايزال بين الفينة والاخرى يتهم عرفات بعرقلة الاتفاق ويحاول الايقاع بين الرئيس عرفات ورئيس حكومته، ابو مازن، بل انه يسعى للايقاع ايضاً بين رئيس الوزراء وبين الفصائل والمنظمات الفلسطينية كما يركز شارون على مسمى جديد للكيان الصهيوني وهو الدولة اليهودية وقد ايده بوش في ذلك عندما اشار في كلمته في مؤتمر العقبة الى الدولة اليهودوية الفتية ولكن التسميات لن تغير من واقع الارض شيئاً.
ان على ابي مازن أن يذكر للفصائل والمنظمات الفلسطينية بأنه لم يتنازل عن الثوابت وان خطابه في قمة العقبة لا يعني كل شيء وعليه ان يرد على تصريحات شارون الذي يقول فيه بأنه لن يعود اي لاجئ فلسطيني إلى اسرائيل بالقول بأن كل لاجئ فلسطيني سيعود الى فلسطين.
وعلى الحكومة الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية التحلي بالصبر والنفس الطويل وان تقبل بمبدأ الحوار والنقاش مع الحكومة الفلسطينية وعلى المنظمات الفلسطينية أن تدرك وتستوعب خطورة الوضع في هذه المرحلة، كما أن على الحكومة الفلسطينية أن تحاول الوصول الى قواسم مشتركة ومعقولة مع المنظمات الفلسطينية وان تركز على جانب الهدنة اكثر من التركيز على نزع السلاح.
لقد عرف ابو مازن الكفاح من اجل هذه القضية سواء الكفاح المسلح او الكفاح الدبلوماسي ولا اعتقد ان ابا مازن سيقوم بدور قمع الانتفاضة نيابة عن الكيان الصهيوني الذي عجز عن ذلك، ومن حقه أن يطلب التخفيف من عسكرة الانتفاضة ولكن عندما يقوم الكيان الصهيوني بانسحابات من اراضي السلطة الفلسطينية والكف عن الاجتياحات والاغتيالات للفلسطينيين ومالم يحدث ذلك من جانب الكيان الصهيوني فإنه من الصعب على رئيس الحكومة الفلسطينية ان يقنع المنظمات والفصائل الفلسطينية بالكف عن الانتفاضة والدفاع عن انفسهم.
وعلى الفصائل والمنظمات الفلسطينية ان تعطي فرصة للسلام لان الطريق شائك وطويل وبمقدور هذه الفصائل والمنظمات العودة للكفاح المسلح والانتفاضة في حال تعنت الجانب الصهيوني، انني اعتقد ان الفلسطينيين سيكسبون الرأي العام لو بدؤوا في مظاهرات سلمية لأن الجانب الصهيوني لن يفي بوعوده ولن يوقف الهجمات وسيقع عليه اللوم في عرقلة خارطة الطريق، وان تبادل الاتهامات والتصريحات المضادة بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الفلسطينية لا تخدم القضية الفلسطينية وانما ستخدم الكيان الصهيوني ولذا لابد من ابداء قدر كبير من التعقل وضبط النفس من الجانبين وليعلم الجميع أن السفينة اذا قادها اكثر من ربان في الوقت نفسه فإن نهايتها الغرق.
|