Wednesday 25th june,2003 11227العدد الاربعاء 25 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العلامة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ الفقيه الفرضي.. والمفسر المحدث.. والنحوي الأصولي العلامة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ الفقيه الفرضي.. والمفسر المحدث.. والنحوي الأصولي
بقلم الدكتور: عبدالله بن سعد الرويشد

طلب مني عدد من الإخوان الفضلاء والطلاب النجباء أن أكتب عن العلامة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ترجمة كاملة مستفيضة كما كتبت عن صاحب السماحة الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وقالوا لقد كان لمقالك السابق فوائد كثيرة فقداستفاد منه طلاب العلم الذين لم يعرفوا ولم يروا الشيخ محمد ولم يعاصروه وذكرت من كان يعرف سماحته وقد قلت إنه رائد العلم والتعليم وأستاذ الاجيال وشيخ العلماء ومفتي المملكة ورئيس قضاتها وممثل جده الإمام المجدد الاول للعقيدة السلفية في العصر الحديث شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً فهو خليفته في حياته ومرجع العلم والعلماء ورجال الدين وشيخ الإسلام.
لذا نرجو ان تكتب عن العلامة الشيخ عبداللطيف كما كتبت عن سماحة أخيه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في مقالك السابق على صفحات جريدتنا (الجزيرة) النابهة السباقة الرائدة لكل خير ومعرفة.. فاستجابة لهذه المطالب والرجاءات الكريمة، أقول:
العلامة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ:
علم من أعلام الإسلام وشيخ من شيوخه المحققين في الدين والراسخين في العلم كما كان رحمه الله من العلماء المصلحين ومن كبار المجتهدين في علم الفقه والحديث والتفسير والتوحيد والفرائض وأصول الفقه ومصطلح الحديث والتاريخ.
وُلد رحمه الله بمدينة الرياض عام 1315هـ وتعلم علوم القرآن على أيدي شيوخه الأجلاء أصحاب السماحة والفضيلة العلماء عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سعد بن حمد بن عتيق والشيخ النحوي حمد بن فارس، والشيخ الفرضي عبدالله بن عبدالعزيز العنقري. واخذ الكثير من العلوم والمعارف على أخيه سماحة المفتي الاكبر الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
ومترجمنا: هو العلامة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبداللطيف بن الشيخ العلامة المجدد الثاني للعقيدة السلفية في العصر الحديث الإمام الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن بن الإمام المجدد الأول الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً وغفر لهم.
وبعد أن نهل من العلم ما قدر له ان ينهل، زاده الله بسطة فيه بلغ بها منزلة بين قومه وأمته لا تدانيها منزلة وإذا كان الله تبارك وتعالى قد زاده بسطة في العلم مكنته من ان يقضي حياته كلها في التدريس وتوجيه طلاب العلم فهو تارة في حلقات العلم للتدريس والارشاد والتوجيه وتارة يحقق الكتب وينشرها وتارة أخرى يحل للناس ما استعصى على العلماء والقضاة وغيرهم من مشاكل في (علم الفرائض) بقضايا المواريث فقد كان رحمه الله إماما ألمعيا مبرزا حافظا لأصول المواريث معلما إياها لتلاميذه وفضيلته وإن يكن قد بلغ من العلم مبلغا لا يجارى فقد كان مرهف الحس رقيق الشعور غزير المادة في العلوم والمعارف سريع البديهة طويل الباع في جميع الفنون والعلوم الدينية والعربية. فقد كان يجلس لطلاب العلم بعد صلاة المغرب في علم الفرائض ويجلس لهم بعد صلاة الفجر في النحو وتولى ادارة المعهد العلمي عند افتتاحه عام 1371هـ ثم صار مديرا عاما للمعاهد والكليات ثم نائباً لأخيه سماحة الشيخ محمد رئيس الكليات والمعاهد العلمية في جميع أنحاء المملكة. ولقد آتت هذه المعاهد العلمية والكليات أشهى أكلها واطيب ثمارها وأينع نتاجها فقد خرجت آلاف العلماء والقضاة والكتّاب والأدباء بتوجيهات سماحة المفتي ومترجمنا الكبير رحمهما الله.
وكان يدرس طلابه وتلاميذه في مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف وهو (الجامع بحي دخنة) وظل كذلك ما ينيف على اربعين عاما وتفرغ سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم لتدريس التوحيد والفقه كما كان رحمه الله مواطنا صالحا محبا للخير متفانيا في خدمة الغير كان (أمة وحده) ولا مبالغا فكم أصلح بين المتنازعين على أعلى المستويات وأدناها وكم تجشم من مشاق وركب من أهوال في تنقله في الماضي غير البعيد بين القبائل والمدن والقرى والهجر ومضارب البدو للدعوة الى الله والوعظ والارشاد والتوجيه والاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق وسهولة ولين وقدأصدر مجلة (راية الإسلام) بمدينة الرياض وقد احتجبت منذ مدة. وان أنس لا أنسى انه كان مستشاراً للشعب بعد أخيه سماحة المفتي مستشارا لكل من يطلب مشورته وكان ذا مروءة لا توصف ولا تحد معينا لكل من يطلب عونه مساعداً كل من يرجو منه مساعدته وكان مثالا نادرا للوفاء والكرم والحلم والاناة والسماحة وحسن الخلق والشهامة والنجدة وإن أنس كذلك لا أنسى كم كتب من وصايا وكم قسم من مواريث وكم تم على يدي الفقيد العظيم من عقود البيع والشراء لممتلكات المواطنين وعقاراتهم لبعضهم البعض وذلك قبل فتح مكاتب لكتابة العدل بالرياض التابعة لوزارة العدل وقد حضرت عددا كثيرا من كتابة هذه المبايعات العقارية (بداره بدخنة) وقد أشهدني فضيلته على ما كنت أحضره من هذه المبايعات العقارية وكان معد القهوة والشاي يقدمها لجميع الحاضرين ثم بعد ذلك يقوم صانع القهوة بتقديم البخور الهندي الممتاز ذي النوعية الجيدة والغالية الثمينة فيكِّون هذا البخور سحباً زكية ذات رائحة عطرة. ويخرج هؤلاء وأولئك وكلهم يدعون لفضيلته بطول العمر ولوالده ووالدته بالرحمة والمغفرة رأيت ذلك بعيني وسمعته بأذني مئآت المرات.
وهو شاعر حسن الديباجة جميل الأسلوب جزل المعاني كثيراً ما جادت قريحته الفياضة والحاضرة المسعفة بالقصائد الرنانة والمعاني الطنانة كما أن له قصائد مطولة بعضها يزيد على الخمسمائة بيت منافحاً فيها عن العقيدة الإسلامية السلفية مناصراً دعاتها مؤازراً ومؤيدا دعوة جده الاكبر الى الدين القويم الإمام محمد بن عبدالوهاب وما أكثر ما قاله من قصائد رائعة في المناسبات الاسلامية والوطنية الخالدة. ومن هذه القصائد هذه الملحمة الشعرية الطويلة والتي رد بها على قصيدة أحد المناوئين للدعوة والتي يعارض فيها العقيدة الاسلامية السلفية وهي تزيد على خمسمائة بيت من الشعر ومطلعها:


صح القلب عن ذكر الحسان الكواعب
وعن مدح بيض فاحمات الذوائب
ووصف لآرام نعمن بوجرة
وندب لاطلال عفت بالسياسب
بتذكار آساد أباة ضياغم
إذا ركبوا يوما ظهور السلاهب
فمن كل مقدام إلى حومة الوغى
يحكم في الاعناق ضرب القواضب
ومن كل من يعطي الرديني حقه
ويسقي العدا كأسا أمر المشارب
اذا معتلى يوماً على سرج سابح
تولت جموع من ضديد محارب
ملوك الحمى أهل الوفاء أحبتي
فحي هلاً بالامجدين الاطايب
دعتهم معاليهم إلى منتهى العلى
فلبوا لداع قد دعاهم ونادب
لقد نصروا الاسلام بالسمر والقنا
وليس لهم الا العلى من مآرب
فناد بمدح القوم في كل محفل
ودع قول أفاك جهول مشاغب
وذاك ومن أبدى السباب بنظمه
ويدعى لئيم زعيم المكاذب
فأفعم بالبهتان والزور نظمه
مقال جهول تائه العقل ذاهب
يذب عن الفساق من سوء جهله
ويهجو لأهل الدين أهل المناقب

إلى أن قال:


سألت إله العرش عونا على الذي
هذى ورمى أهل الهدى بالمصائب
وهذا أنا أسعى بما رمت سائلاً
إلهي بتوفيق وحسن حسن العواقب
فأسأله سبحانه جل ذكره
وفاة على التوحيد خير المذاهب

ثم بدأ في إيراد أبيات المعارضة. وأخذ في نقضها بيتا بيتا ويرد عليها هذا وقد ظل الفقيد الجليل هكذا يعلم ويعين ويوجه ويعظ ويرشد ويدير ويفصل في المنازعات على كل المستويات ويدعو الى الله حتى ألم به مرضه الذي وافته المنية فيه فتوفي غفر الله له في الرياض ليلة السبت الثالث من شهر شوال سنة 1386هـ عن عمر يناهز الحادية والسبعين وانني لم أر مثل هذه الضجة وهذا الحزن العام المشترك الذي عقد الألسنة وقبض القلوب وأسكب العيون بدموع الحزن والألم في جنازته في الرياض.
أجل فإنني لم أر هذا العدد الكبير الذي أخذ يزحف الى المسجد (الجامع الكبير) وبعد الصلاة عليه رحمه الله تحول هذا الزحف الجنائزي متجها الى (مقبرة العود) وان هذا الموكب المهيب المحزون ما رأيته قط في حياتي إلا في جنازة جلالة الملك عبدالعزيز وابنائه الملوك الأماجد سعود وفيصل وخالد وكذلك جنازة سماحة الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ غفر الله لهم جميعا ولقد ذكرني هذا الزحف المهيب بالقول الحكيم المأثور (أنتم شهداء الله في أرضه موعدكم يوم الجنائز).
وكما جاء في القول المأثور (الخلق اقلام الحق) وأيم الله لقد كان لوفاة الفقيد العظيم رنة حزن عميق وأسى بالغا في نفوس المواطنين جميعا ولقد ودعه محبوه المفجوعون فيه خير وداع حين شارك الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله بالصلاة عليه وحين سارت جنازته في موكب يحف به الجلال ويتدافع فيها المعزون بالمناكب ليحملوا جثمان الفقيد الى حيث ووري الثرى عليه رحمة الله فاللهم أجزه عنا وعن محبيه وعارفي فضله ومقدري علمه وتلاميذه خير الجزاء وتغمده اللهم بواسع مغفرتك وأسكنه فسيح جناتك.
وبعد انتهائي من كتابة هذه الترجمة وحيث أن كل من ورد اسمه في هذه السطور قد توفي الى رحمته ومغفرته إن شاء الله تذكرت قول شاعر الزهد في العصر العباسي ابو العتاهية اذ يقول:


إن الطبيب بطبه ودوائه
لا يستطيع دفاع مكروه أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي
قد كان يبرىء منه فيما قد مضى
مات المداوي والمداوى والذي
صنع الدواء وباعه ومن اشترى

والله من وراء القصد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved