عندما شرعت في مقال يوم أمس الأول كانت النية أن أحدثكم عن أيام المصريين الرائعة في تاريخ التعليم في المملكة والتي يحاول أن يتجاهلها بعض الجاحدين. في الثمانينات الهجرية أدخل المصريون التعليم الحديث على المملكة. واتى بعدهم من دمره. فانحرف الموضوع من استاذ عبدالغني المصري النبيل إلى أستاذ وليد الاردني الذي لمع فجأة وأضاء ذاكرتي على مناطق الخوف والجراح البعيدة.
من غير العدل أن أذكر لكم الأستاذ وليد وأصمت عن مواطنه الأستاذ عبدالفتاح حيث كانا كفرسي رهان. فإذا لم يخض وليد في مصارينك فهذا يعني أن الله جعلك من نصيب عبدالفتاح. وعبدالفتاح هذا لا يستخدم يده على الإطلاق ولا يرفع صوته أبدا. ميال للعمل الصامت. كان يدرس الرياضيات ويقوم بوظيفة مراقب في الوقت نفسه.
يحمل على الدوام مسطرة كبيرة يسطر بها على السبورة ولكنها أنفع في أغراض أخرى. كما تعلمون فإن للمسطرة حدين: حد دقيق وحد عريض. من طبعه لا يحب الصرقعة والضجيج. إذا دخل الفصل يتحول الفصل إلى مقبرة. يتقدم منك وبهدوء يقول لك افتح يدك. وإذا قال افتح يدك يعني افتحها. إذا فتحتها سيعطيك الجراية اليومية. عشر ضربات في اليمين وعشر ضربات في اليسار ببطن المسطرة وليس بأي من حديها ثم ينتقل إلى الطالب الذي يليك. وإذا لم تفتحها سيخفض المسطرة ويطرق بها فخذه وهو ينظر إليك ويتفحصك وبعد ثوان سيتنهد لتعرف أنه امتصك وعزز بعذابك القادم مناطق الإمعان في أعماقه. ستنبعث من فمه ابتسامة وقبل انطفائها بثوان يقول (شو ما بدك تفتح أيدك). (بس يا استاذ عبدالفتاح أنا ما سويت شي، ناصر هو اللي كسر رجل الماص). هذه الوشاية لن تنجيك من مسطرته المشرعة ولكنها ستدخل ناصر في الجريمة معك. سيتركك ويلتفت إلى ناصر (أوم يا ناصر) وعندما يسمع ناصر اسمه يرتبك ويلقي بالتهمة على محمد. ومحمد سيلقي التهمة على فهد. هكذا حتى يأتي طالب نزيه ويوقف سلسلة الاتهامات بأن يدافع عن نفسه دون أن يرمي التهم على اسم جديد. فيجمع عبدالفتاح المتهمين كافة بما فيهم الطالب النزيه في مقدمة الفصل ويطلب منهم فتح أياديهم خلا أنت. لأنه سبق أن طلب منك ورفضت.
تذكر أن كل هذه الضربات التي سوف تنزل بناصر ومحمد وفهد بسببك. فإذا أنت مجرم مزدوج لم تكتف بأكل العشرين ضربة المقررة وإنما زججت بالأبرياء وجعلتهم يعاقبون بدون سبب. لأن من طبع عبدالفتاح أنه يعاقب كل من يرد اسمه في لائحة الاتهام.
سوف تنقسم المجموعة إلى قسمين قسم سيأكل الضربات العشر بهدوء ويعود إلى ماصته يتلوى بآلام حارقة في باطن اليد كمن يحمل جمرة في يده. أما القسم الآخر الذي تقوده أنت. شلة الرافضين والمتوسلين والمتضرعين، فسينهال عليهم عبدالفتاح بالحافة الرقيقة من المسطرة على أي عظم في أيديهم. يطارد عظام يديك الهاربتين من جحيم الألم بانتقاء وبصيرة كأنه يصطاد ذبان. يخاتلك ثم يقمعك.
يخاتلك ثم يقمعك. يتحين حتى تخرج يديك ثم يقمعهما بسرعة خاطفة، وإذا كنتم ثلاثة أو أربعة فهذا أجدى وأنفع لأنه في الوقت الذي تخفي فيه يديك عن المسطرة يكون قد وجهها إلى يدي زميلك ثم يعود إليك فجأة. في النهاية تسقط أياديك من كتوفك وتصبح خارج حدود آلامك فيكسب أجرك بأن يعتقك لوجه الله.
من مميزات عبدالفتاح التربوية أنه دربنا على عدم الوشاية ولكنه أصل فينا روح الانتقام. إذا ارتكبت أي جريمة لا تنس أن تذكر كل خصومك في المدرسة.
سوف يبطهم معك دون تبصر أو تحقيق. والله المستعان.
فاكس: 4702164
|