Wednesday 25th june,2003 11227العدد الاربعاء 25 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كهرمانة أمريكا أكثر لصوصيةً من علي بابا العراق كهرمانة أمريكا أكثر لصوصيةً من علي بابا العراق
د. حميد عبد الله

أصبح المشهد مألوفاً أن ترى عراقياً أو أكثر مكتوف اليدين بشريط بلاستيكي أسود متقرفصاً على الأرض وسط الشارع أو على الرصيف فيما يقف إلى رأسه جندي أو جندية أمريكية وقد سلطت فوهة البندقية على رأسهِ بين مدرعتين أو ثلاث محاطة بجمهرة من الناس الضاجين بالحديث مع المترجم وهم يسمعون الجنود يتصايحون من فوق مدرعاتهم «علي بابا ...» ويشتد ازدحام السيارات والمارة ومن بين لغطهم وتذمرهم من شدة الحر وتوقف السير لا تميز سوى لفظة «علي بابا...» يرددها بعضهم تندراً أو تشفياً.
- لقد انتشرت هذه التسمية كمصطلح يطلق على كل من يقبض عليه الجنود الأمريكان سواء كان لصاً أو مخالفاً للقوانين أو مقاوماً أو مشكوكاً فيه لسبب أمريكي أو عراقي بمختلف النيات بعد أن رقدت شخصية «علي بابا» بين دفتي رواية «ألف ليلة وليلة» مئات السنين وألهمت الكتاب والشعراء والسينمائيين أفكاراً ومشاريع وأفلاماً للصغار والكبار.
- فكل عراقي الآن هو «علي بابا» بمعنى من المعاني ما لم يثبت أنه «كهرمانة» الشابة البريئة التي صبت الزيت الحار على جرار تلبد بداخلها أربعون «حرامياً» كما روتها شهرزاد في إحدى لياليها للملك شهريار ثم «سكتت عن الكلام المباح حين أدركها الصباح» ومن بين أهم وثائق إثبات شخصية «كهرمانة» هي أنها لم تكن منتمية وبأي درجةٍ كانت الى حزب البعث.
- وإزاء ذلك وفي صلبه تتطاير علامات الاستفهام التي لا حصر لها : متى أو هل تتشكل الحكومة العراقية حقاً؟. ومن سيرأسها ؟ وهل سيبقى الأمريكان بعدها أم يرحلون؟ وأين يذهب ذلك العدد الهائل من البشر الذين سرحوا الى الشارع من وزارة الدفاع والداخلية والإعلام بكل ما يتبعها من دوائر ومربعات ومثلثات؟ ولماذا تأخر صرف الرواتب وهل ستكون بالدينار العراقي القديم الذي تتصدره صورة «صدام» بكل فئاته أم بالدولار أم بدينار جديد تطل علينا منه صورة حمورابي ومسلته المشحونة بالقوانين منذ أربعة آلاف سنة فيما يخلو العراق من أي قانون سوى قوانين غريزة التعايش السلمي على سفينة وسط البحر المهدد بعواصف مجهولة وقد تثقب السفينة علامة استفهام ثقيلة أو رشقة رصاص في عملية مقاومة تحدث ضد الجنود الأمريكان في أي لحظة.
- وأذ تتناهب العراقي تساؤلات كثيرة مأخوذة بطبيعته التواقة إلى استعجال حصول النتائج بعد أن أكل الصبر كثيراً من شواطئهِ فإن سيل الصحف يغزو الأرصفة بمسميات مختلفة يتصدر صفحتها الأولى مستطيل كتب عليه «جريدة أسبوعية أو يومية مستقلة» بتمويل ذاتي ولا يدري أحد كيف استطاع «فلان» المعروف بتواضع أحواله أن يموّل صحيفة ويديم إصدارها. وتكتنز تلك الصحف بأخبار عن ممارسة السلطة البائدة لصلاحياتها وما ينتظر العراق والعراقيين من رخاء وحرية وديمقراطية وتعددية وفيدرالية وأختها الكونفدرالية بلا أي تمييز ومن أي نوع وان الحزب «الفلاني» ستكون له الحظوة الكبرى في الحكم وان مؤسس الحزب «الفلاني» كان من رموز السلطة وانه «حرامي عريق» هرب بعدد لا بأس به من ملايين الدولارات بانتهاز فرصة العمل مع أحد رموز السلطة العليا فصار مناضلاً في الغربة وخصص ميزانية من أموالهِ في تعبئة عدد من الأشخاص ليشكل بهم حزباً وانه قاوم الدكتاتورية في الجرائد الغربية والعربية وعلى موقعه في الإنترنت وبما كان يسربه لوكالات الأنباء من فضائح النظام بصيغ إعلانات مدفوعة الأثمان. ومنذ إعلان الرئيس «بوش» عن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق حتى تصريحه بأن حرية أمريكا وحرية العراق وجهان لعملة واحدة فإن العراق كان يتصور وربما يعتقد بأن قدرة أمريكا على سرعة التدمير في الحرب توازي قدرتها على سرعة البناء والوفاء بالوعود إلا إن الواقع زعزع هذا التصور ونسف ذلك الاعتقاد ومنح المتضررين مادياً ومعنوياً من إزاحة النظام ثقوباً ودهاليز يروجون من خلالها الشكوك بنيات كل أولئك المخلصين لمبادئهم وغير المخلصين وكذلك سيل الوعود التي أغدق بها الأمريكان والبريطانيون على العراقيين قبل وبعد الإطاحة بالسلطة الأسطورية.
- إن ذهن الإنسان العراقي قد تحول اليوم الى مرتع غير متجانس للمعلومات الموجهة إليه من مختلف القنوات الإعلامية المدروسة وغير المدروسة ولاسيما تلك القنوات التي كانت محرمة تحريماً جازماً حتى تهلهلت شخصيته وانقسم المجتمع الى ثلاث مجموعات : الأولى تتكلم باستمرار والثانية تصغي باستمرار أما الثالثة فتقف على التل كما وقف السلاجقة بانتظار نتائج المعركة الناشبة بين قبيلتي الخروف الأسود والخروف الأبيض لينضموا في النهاية الى القبيلة الموشكة على الانتصار.
- إن «علي بابا» شخصية عالمية قد تنبثق في أية دولة مجاورة فما زالت شهرزاد تتحدث ولم تسكت عن الكلام المباح وغير المباح في الألفية الثالثة وان الديك اختفى دوره في الإعلان عن مجيء الصباح وإنما ثمة حيوانات أخرى آلية حلت محله وربما أشياء جاهزة مثل أسلحة الدمار الشامل.. ومرحى علي بابا.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved