Wednesday 25th june,2003 11227العدد الاربعاء 25 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
شيخ الجاوة
حسين علي حسين

هناك أمثال عدة تعكس أهمية الجاوة «لفظ كان يطلق على الحجاج القادمين من جنوب شرق آسيا وبالذات إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة» في حياتنا من أبرزها:
- قالولو الجاوة يأكل حلاوة.. قال بفلوسه!
- شيخ الجاوة أكل منه! «وهي عبارة ترويجية سيأتي تفسيرها بعد قليل»
ومثلما بدأت بمثلين فإنني سوف آتي بواقعتين:
1- عندما كنت صغيراً أخذت لسبب ما أراقب أسراب حجاج الجاوة، وهم يتدفقون إلى المدينة، اعتبارا من شهر شوال من كل عام استعدادا لأداء فريضة الحج، وكان أفضل مكان لرصد مؤشر قدومهم، موقعي في دكان والدي، بشارع سوق العياشة، فمن هذا الموقع كنت أرى كل يوم طابوراً طويلاً، يمر من أمامي كل صباح، وكان كل واحد من هؤلاء يحمل في يده سمكة واحدة مربوطة بخيط أو سلك رقيق، لماذا سمكة واحدة؟ ولماذا سمكة واحدة لكل واحد، وليس معلاق لعدة أشخاص ذلك سؤال لم أجد له جوابا..!!
2- الواقعة الثانية لأحد الباعة في المدينة المنورة، وكان هذا البائع متخصصا في «الماسية» وهي مادة بيضاء من الجلاتين، يتم وضع لون أحمر عليها، بعد صبها في صحن كبير، وتباع قطعا صغيرة، كل قطعة في صحن، وكان الجاوة يقبلون على هذه الحلوى أو المهلبية، والتي يطلقون عليها في المدينة اسم «انقر منيس» ولا بد أن هذا الاسم إندونيسي أو ماليزي.. المهم أن بضاعة صاحبنا كانت بائرة، وكان سيل الجاوة كله، منكبا على جاره، فاغتاظ هذا البائع ودبر خطة جهنمية نفذها في اليوم التالي، حيث أخذ يوزع هذا «الانقر منيس» على عينة من الناس وما هي إلا لحظات حتى امتد طابور طويل من الجاوة، خلف ذلك الطابور المجاني، وكان الرجل في تلك اللحظة يتقافز بشاله الغباني مرددا، وهو منهك في تقطيع الانقر منيس: شيخ الجاوة أكل منه.. شيخ الجاوة أكل منه!!
لماذا الجاوة هكذا؟ هناك تفسير واحد، وهو أن حاجز اللغة يجعلهم لا يطمئنون بسرعة للبائع أو السلعة التي يعرضها، إضافة إلى خوفهم من الإقبال على سلعة لا يعرفونها أو لا يعرفون مدى نظافة أو إخلاص من جهزها، لذلك ما أن يشرع أحد المترددين كثيرا على زيارة المناطق المقدسة من مواطنيهم في شراء سلعة أو أكل معين تجدهم يتدفقون خلفه لشراء ما اشترى، وهذا الشخص يعتبر شيخهم أو دليلهم، وإن كانوا لم يفوضوه رسمياً بذلك.. وقد لعب بعض الحجازيين على هذه النقطة كثيراً، بالخير والشر معاً!!
والجاوة عموما من ألطف الحجاج، وأنظفهم وأكثرهم أناقة، ولم أذكر انني شاهدت حاجا، يحمل في جيب قميصه قلما باركر، أو يزرر قميصه، بأزرة من الذهب الخاص، وهم غالباً يرتدون فوطا أو مأزراً راقياً يسمونه في الحجاز «سمارينده!» كان كبار أهل الحجاز فقط، يرتدون هذا النوع من الفوط في منازلهم، بدلا من الثوب المنزلي أو البيجاما.. وأبقى مع الجاوة، فقد كانوا أول من نقلوا للحجاز لعبة كرة القدم التي كانوا يمارسونها، عند توقف سفنهم، وبعد ذلك نقلها بعضهم إلى مكة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في بلادنا.
إن شعب الجاوة من الشعوب القليلة التي عرف عنها التهذيب والذوق والابتسامة الدائمة، وليس من السهل استثارتهم، وإن كانوا عندما يصلون إلى هذه الدرجة، يتحولون إلى النقيض تماما: قوة خارقة وشراسة متناهية!
ولم يبق معي من ذكر الجاوة الآن سوى عاملات المنازل.. وهن في الغالب قمة في الترتيب والنظافة، وهنا مكمن الإعجاب، يحسن القراءة والكتابة ويعرفن حقوقهن تماما، عكس أغلب العاملات من الدول الأخرى، لكن هؤلاء العاملات، لديهن الشراسة أيضاً، إذا لم يجدن من يحسن التعامل معهن..

فاكس: 4533173

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved