- تأليف: جارالله الحميد - حائل -
«فخذ ضب»
- ألم أقل لك؟ ألم تر كيف تغيرت يا صاحبي؟!
قالها وفمه مفتوح بطريقة سقيمة ولكن ما العمل فهي عصرية.. وعيناه نصف مغمضتين.. ويده تمسك بتلابيب نفسه.. بطريقة مصطنعة مضحكة..
لا أدري كم مر من الزمن علي.. وأنا أنظر إليه نظرات.. قد يسميها هو نظرات وقحة.. وقد تسميها أنت نظرات فضولية.. وأنا - كما أنا- أسميها نظرات سخرية وتهكم.. ولازلت لا أدري - وأنت الذي تدري- من هو أولى بأن يتهكم منه.. أنا.. أم هو.. وهو أحدنا على أي حال.. وتابعته نظراتي تلك يده وهي تتحسس سوالفه التي زحفت - عدوانا- حتى حاذت أسفل وجنته البارزة.. ثم يده الأخرى.. وهي تدخل جيبه لتخرج علبة صغيرة.. علبة علوك، ويفتحها بسرعة لتستقر الحبيبات الصغار بين ضرسيه فيعلك.. وتهتز وجنتاه البارزتان.. ولا يفوتني أن أقول لك انه كان يعلك بطريقة عصرية.. كتلك التي يفتح بها فمه.. ولم يوقظني من نظراتي تلك إلا كلمته التي قالها بفم مفتوح بطريقة عصرية..
هو زميل لي أيام الدراسة الثانوية.. تخرجنا معا من مدرسة واحدة.. وابتعث إلى دولة أجنبية.. بينما بقيت في حائل.. قانعاً من الغنيمة بوظيفتي.. بعد أن طوفت ما طوفت.. قبل أن يستقر بي المقام..
لقد دهشت لكلمته تلك حقا ولكنها دهشة «متكررة» تحدث عندما أقابل فردا من هؤلاء الذين حذوا حذوه.. أو حذا حذوهم.. أو حذوا معا حذو شخص آخر لا أعرفه.. المهم قلت له - ما الذي غيرك؟! وأنا عارف الجواب مقدماً.
- المدينة طبعاً.. الحياة هناك.. ولم أدعه يكمل.. بل نظرت إليه نظرة.. لا أدري كانت رثاء.. أم تهكما..
قلت له ويدي تجوس خلال أذني البارزة.. نوعا..
- أنسيت؟!
- اسكت..
لقد قاطعني وكنت أود أن أذكره باختلاسنا «للوشيق» من دور بعضهم.. في قريتنا.. وبدفنه.. للقرش والقرشين في حفرة عميقة.. حتى لا تصل إليها يد.. ولكنه قاطعني.. قاطعني.. لأنه يترفع عن تلك الذكريات.. وابقاء لسالفيه الجعداوين الكريهين.. قلت بعناد..
- أتأكل معي..؟!
- ماذا..
- قطعة.. «وشيق» وفخذ ضب.. وبصق متصنعاً وهو الذي كان يأكل الضب على (حله) «ويخشق» رأس الجربوع..
- لا.. يا سيدي.. لا آكل هذه..
- طه..؟!
ولم يجب.. سكت.. وهو يعتقد أني آلمته.. ولم أشأ أن أزيد.. فودعته وانصرفت.. إلى سبيلي.. ململماً أطراف غترتي الصفراء..
|