يظهر جلياً أننا أخذنا الاحتراف من حيث انتهى إليه الآخرون.. وليس بما يتناسب وواقعنا الاجتماعي والمالي والبيئي.. وهذا هو الواقع الملموس فالمستوى الكروي وواقع الأندية ليس على ما يرام.. فهل هذا نتاج الاحتراف؟!!
** ومن خلال مشاركتنا في كأس العالم ثلاث مرات متتالية نجد أن مشاركة 94 في الولايات المتحدة كان حال منتخبنا فيها أكثر من جيد بل قدم عطاء مشرفاً حيث كانت تلك المشاركة تمثل الكرة السعودية في فترة الهواية وقبل الاحتراف بينما مشاركتنا الثانية في مونديال 98 انخفض مستوى المنتخب وخيب الآمال وعندما ظننا أنها الكارثة وهي أول تجربة حقيقية بعد الاحتراف.. أتى مونديال 2002 بكوريا واليابان ليؤكد أننا وصلنا إلى مستوى هابط وأن الكارثة قد وقعت بل وتجذرت داخل الكرة السعودية وهذه الفترة تمثل تمكن الاحتراف من كرتنا السعودية.
** إذن كلما مضينا في الاحتراف انحرف مؤشر مستوانا الكروي إلى الهبوط.. ولا دليل أصدق من مقياس المونديال.. وعلينا الرجوع إلى الحق والرجوع إلى الحق فضيلة.. وإعادة النظر في الاحتراف بنظرة عميقة.. ولتشارك الأندية الرأي في المضي في الاحتراف أم العودة إلى عصر الهواية الزاهر أم نتخذ بينهما سبيلاً.
** فمن رجاحة العقل أن نأخذ من التقنية والطب والهندسة والعلوم العلمية من حيث انتهى إليه الآخرون.. أما الرياضة وكرة القدم بالذات فلا نستطيع أن نوظف كل عناصرها لصالحنا وعلى سبيل المثال البنية الجسمية للاعبين والتي تدخل فيها عناصر الوراثة والبيئة والتغذية لا نجد لها حلولاً وقتية سريعة حيث إن حلولها بعيدة المدى قد تمتد إلى أجيال قادمة.
** وكلنا نذكر أن الاحتراف السعودي عند اقراره بدا لنا حلماً وأملاً بارتقاء الكرة السعودية.. فرصدت مبالغ المعونات لرواتب اللاعبين المحترفين بمعدل ثلاثة ملايين ريال لكل ناد.. وأخذ اللاعبون الموظفون يودعون وظائفهم طمعاً في الرواتب التي قد تصل إلى عشرين ألف ريال مع المميزات الكثيرة والكبيرة من مكافآت ومغريات مادية اضافية مما أصاب بعض لاعبينا بالنرجسية اللعينة.
وبدا للجميع أننا بلغنا مبلغ الأندية الأوروبية.. فاللاعب المحلي أصبح «عملة صعبة».. أما اللاعبون الأجانب ففتحت من أجلهم مكاتب «السمسرة» لبيع عقود اللاعبين وشرائها.. والكل أخذ لعابه يسيل للريالات والدولارات!!
** الكل أخذ يمني النفس بالثراء السريع.. فاللاعبون ليس عليهم إلا استلام الرواتب والتمارين التي لم تتغير كثيراً اضافة إلى البطالة المقنعة التي وجدوا أنفسهم فيها.. ومرت المواسم فاتضح أن المستوى لم يتطور فتفتقت أذهان مسؤولي الأندية عن فكرة التمارين الصباحية التي رحب بها اللاعبون فحضورها لا يكلفهم سوى «المواصلة» وهي تعني لديهم تمديد وقت السهر «مواصل» إلى حين حضور التمارين الصباحية والعودة إلى المنزل والتمتع بنوم هانئ يمتد إلى ما بعد الغروب.
وبعد فترة كافية من الاحتراف.. تكشفت سلبياته ولم تعالج بل ازدادت سوءاً بخفض إعانة الاحتراف وافلاس بعض الأندية وتراكم رواتب اللاعبين والعاملين في الأندية وتراكم الديون الحقيقية والوهمية، فمن السلبيات التي طفت على السطح ما يلي:
1- إهمال القاعدة:
فقد أهملت الأندية «خاصة الكبيرة»..أكرر أهملت الأندية القاعدة بعد أن لجأت إلى شراء اللاعب الجاهز من الأندية الأخرى طمعاً في تحقيق النتائج الآنية واغلاق نافذة استشراف المستقبل وهو مستقبل لا يبشر بالخير العميم.. فناد مثل الهلال عرف عنه جودة مخرجات درجاته السنية إلا أن تلك المخرجات المتشبعة بالمواهب في نادي الهلال قد جفت بعد اغلاق مدرسة البراعم والناشئين.. بينما ناد كالأهلي استمر اهتمامه بالفرق السنية فكسب عدداً من المواهب الناشئة أمثال المحمدي ووليد عبدربه وفهد الفلاتة وغيرهم كثيرون.
فالأثر السلبي لإهمال القاعدة بالأندية انعكس بصورة أكبر على المنتخبات السنية ومن ثم على المنتخب الأول والذي يعاني شحاً حقيقياً في المواهب.
2- المشكلة المالية:
لقد وجدت الأندية نفسها في وضع لا تحسد عليه خاصة بعد تخفيض دعم اتحاد الكرة لمخصصات رواتب المحترفين إلى النصف ومع ذلك لا تصل في مواعيدها.. مما انعكس علي الأندية ولاعبيها وموظفيها.. فقد التهمت رواتب المحترفين المرتفعة الأخضر واليابس في أنديتنا الفقيرة مما تسبب في مواقف محرجة ومخجلة لإدارات الأندية ومنسوبيها.. كما أن اللاعبين أصيبوا بحيرة بعد اعتمادهم الكلي على رواتب الاحتراف مما شكّل وضعاً صعباً لهم ولأسرهم.
لذا نلاحظ أن الاحتراف أصبح كابوساً على الأندية السعودية لقلة الدعم ولضعف الاستثمار وضعف الحيلة ولفقر الأندية مما أبقاها أسيرة لتبرعات أعضاء الشرف الذين بدورهم يستحقون منا كل التقدير والعرفان.. كما أن بعض الأندية شاركت في تعميق المشكلة المالية حيث تبالغ في شراء عقود للاعبين محليين بتسعة وستة وخمسة ملايين ريال مما أخرج الاحتراف المحلي من منطق المعقول إلى ممارسات مالية غير سوية وغير معقولة.. حتى أصبحت هذه الممارسات ممقوتة وغير أخلاقية مما أضر ببعض نجوم الكرة السعودية كما حدث من بعض منفوخي الجيوب وقاصري النظر.
3- ضعف الانتماء:
كان اللاعب في السابق وقبل الاحتراف ينضح بالولاء لناديه، وكانت الأندية تقابل مثل هذا اللاعب بما يتوجب عليها نحوه من مكافآت وهبات بل إن بعض اللاعبين كان يخفي ظروفه المادية على زملائه وإدارة ناديه تعففاً وارتقاء على الماديات.. فولاء اللاعب لناديه فوق الشبهات وفوق المساومات.
ولكن أتى الاحتراف ليحرف كل ذلك الانتماء وكل تلك القيم.. حتى وصل الحال ببعض اللاعبين إلى مساومة ناديه «الغلبان» في كل حين وبمناسبة ومن غير مناسبة.. كما أخذت مقدمات العقود تتضخم كثيراً وأكثر مما يستحق معظم اللاعبين وفوق طاقة الأندية الفقيرة.. ولا نود أن نسمع من يقول إن النظام قد تكفل بعدم إعطائهم مقدم عقود لأنه لا يضمن بقاء اللاعب في ناديه حال عدم اعطائه مقدم عقد التجديد وهناك أندية فقدت بعض لاعبيها عندما تمسكت بالنظام ولم تقدم لهم مقدمات تجديد العقود.. وأيضاً لا ننسى أن هناك من اتقن اللعبة فتفنن في اغراء لاعبي الأندية الأخرى على الرغم من عدم الحاجة إليهم وإنما هي إغواءات «وتخريب» لنجوم الأندية الأخرى وهذه ناحية أخلاقية هامة.
** هذا ويظهر لنا أن اللاعب السعودي قد أخذ من الاحتراف أكثر مما أعطى.. فقلة المعرفة والعلم والتعلم يغشى السواد الأعظم من لاعبينا.. وضعف العقليلة الاحترافية لدى تلك الفئة جعلها تعيش في وهم كبير بل وفي نرجسية غريبة وعلى طريقة «يا أرض ما عليك إلا أنا».. وهذه الفئة أخذت تعبث في الملاعب بسلوكيات فيها من الفوقية ما فيها.. وعاشت النرجسية وعاش الوهم!!
** وبالعودة إلى نظام الهواة ونظام الاحتراف نجد أن الفرق بينهما يتمثل في الفرق بين مستوى ونتائج منتخبنا في مونديال 1994 وبين مستوانا ونتائجنا في مونديال 2002م.
وعوداً على بدء.. يظهر أن مسؤولي الاحتراف قد ظنوا بأنديتنا الظنون.. فوضعوا احترافاً مترفاً لأندية فقيرة.. فرواتب اللاعبين بلغت العشرين ألف - قبل تصحيحها الأخير إلى خمسة عشر ألفاً ريال بينما مقدمات العقود وصلت إلى أرقام خيالية.
** حتى أضحى المليون في نظر لاعب كالتمياط لا يعني شيئاً.. كما أن ناديه الهلال لم يعد يعني له شيئاً ما دام عرض البلوي له يزيد على الثلاثة ملايين ريال.. وفيما لو تدلل نواف على البلوي قليلاً لتغير الريال بالدولار المهم أن يلعب نواف للاتحاد «غصب».. ولا تستغربوا.. فهذا زمن الجحود والعقوق.. وزمن الدينار والدرهم.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال «تعس عبدالدرهم وتعس عبدالدينار».. الحديث.
هذا.. وما دخل المال بين خلة إلا وأفسدها.. فمن يصلح الأمر بعد أن تكشف الحال و«خربت العيال»؟!
نحن ننتظر الحلول لعل هذا العسر يزول.. ولكن حقيقة لا أمل يبدو في نهاية النفق.. فماذا نحن فاعلون؟!
|