حاولت المرزوق في إطلالته الكاريكاتورية المعتادة «الجزيرة عدد 11212» ان يعزف على وتر التوتر بين الزوج وشريكة حياته الموظفة عبر مشهد تراجيدي يتجلى فيه الزوج المغلوب على امره وهو يقطع البصل لإعداد الغداء لزوجته التي لم يعجبها تكاسل الزوج.
هذا المشهد المأزوم لا يعكس ابداً واقع الحياة الزوجية لدينا التي يبدو فيها الرجل اكثر هيمنة واشد سيطرة على مفاتيح الحوار فضلاً عن الاستحواذ على فضاء الموقف الاسري.. فالزوج حتى ولو كان عاطلاً يرى أن مجرد السماح للزوجة بالعمل معروف نادر وصنيع ينبغي أن تقابله الزوجة بالتبجيل والاعتراف..
وما فتئ يذكرها بهذه التضحية الفريدة ويمن عليها حتى وهي تنفق عليه وتصرف على المنزل المنكوب بصاحبه.. المترهل بآثار السخرية والمنة.
وهي على أية حال لابد أن توفر البديل للقيام بأعمال المنزل ومسؤولياته ومن ثم تضطر الى «الخادمة» وتلجأ كثيراً الى المطاعم لتوفير غذاء الزوج الذي يفتش عن دوائر العتاب والتأنيب.
من هنا جاء كاريكاتير المرزوق وفق معادلة زوجية مقلوبة.. هضم حق امرأة مغلوبة وقدم العلاقة بين الشريكين من زاوية حادة لم ترأف بحال شريحة واسعة من النساء العاملات اللاتي يقمن بالمطالب في زمن المخالب.. وينفقن على رجال اثقلهم الاسترخاء واتكؤوا على رواتب زوجاتهم.. فكانت انصبتهم وافرة و من ثم كان على الزوجة العاملة أن تمارس عملية توزيع معتاد ارضاءً لزوجها ومساعدة لاهلها فضلاً عن راتب الخادمة ومصاريف المنزل التي لا تنتهي..
ولا ادري عن سبب هذا التسلط الرجالي تجاه الزوجة العاملة حتى ولو قامت بعملها على اكمل وجه.. وبعض الرجال يرى بأن المرأة العاملة تمارس مهنتها على حساب بيتها وزوجها واولادها فهي ليست زوجة كاملة وتجده يقيم المقارنة الدائمة بين وبين نساء غير عاملات يعتقد بأنهن كاملات.
وعلى اية حال لابد ان نعترف بأن هاتيك الموظفات في غالبهن يقمن بتضحيات ويمارسن انفاق ويسهمن في تكوين لبنات المنزل لينهض بمسؤولياته.. فالظروف هي التي تجعل الواحدة منهن تعض على اطراف الوظيفة والا فالمرأة تستنزف كثيراً من مجهودها البدني والبدني تحت سقف الوظيفة وفوق ميدان العمل وتضغط على اعصابها محاولة احتواء مواقف الزوجية واستجلاب رضا الزوج الذي ربما اتهم العمل بسرقة اهتمام الزوجة.. هكذا هي معاناة كل زوجة عاملة: مشاعر تختلط فيها خيوط الالم بالامل.. واحاسيس تتوزعها قنوات شتى.. وهواجس تفيض بذهن مسدود.. تحت لظى المجهود.. وهي بالطبع لم ينهكها الجوع - كما اشار كاريكاتير المرزوق - بل اتعبتها المسؤولية المضاعفة وامواج التشتت بين هموم العمل ومتطلبات المنزل..
ولم تزل تحتفي بمفردات بيتها الاسري قدر الامكان.. عفواً ادرك ان تلك المرافقة قد تغضب بعض الرجال لكنها الحقيقة التي غابت في فضاء إيحاء كاريكاتري عابر.. تجاوز خطوط الموضوعية والانصاف..
عذراً.. من حقنا أن نقف وقفة تقدير امام كفاح الزوجة ومساعدتها الرجل في البذل والعطاء.. ونثمن تضحياتها.. وصبرها امام فاتورة باهظة من المصاريف.. وبخاصة من هنَّ في مرحلة البدء أو الاستهلال الوظيفي.. ولن تعجز حواء العاملة عن احتواء الموقف العائلي والاجابة على تساؤلاته وتسيير مراكبة.. فقط بشيء من الفهم والتجاوب من قبل الرجل الذي عرف بنزعة فردية ورغبة في التفرد بقوى الزوجية.. عليه ان يدرك أن المرأة لا تنظر الى العمل على انه نزهة او دائرة متعة وهناك نساء غير عاملات يحظين بترف من ازواجهن اكثر مما تجده جموع من العاملات الكادحات.. اللاتي لا وقت ولا جهد لديهن بعد الرجوع من العمل لفتح تحقيق مع الزوج.. وهنَّ لا ينتظرنَّ تقطيع البصل.. ولا سماع اشعار غزل.. فلسن في زمن الترويض.. او البحث عن الاحرف المفقودة في لغة المواقف اليومية.. فخريطة الزوجية اكثر امتداداً واشد اعتداداً بمبادئ الرحلة المباركة.
ولم يبق الا أن ندع حواء وهي تحمل مفاتيح العمل ترتب حقيبتها الاسرية بعيداً عن أعين الرجل الذي ربما اقام «برج مراقبة» يرصد فيه هفوات الزوجة ويجير الزلاَّت الانثوية البسيطة مديناً العمل ومتهماً الوظيفة بالاخلال بعطاء الزوجة.. فرفقاً بالمرأة الكادحة.. يا اصحاب العقول الراجحة.
محمد بن عبدالعزيز الموسى / بريدة
|