قرأت ما كتب في العدد «11212» تحت عنوان «العثور على جثتي مواطنين في صحراء الجوف» وقد اتضح انهما سارا لمسافات طويلة بعد أن تاها في الصحراء.. وهاهو الصيف قد اقبل بلواهبه.. وهاهو التيه في الصحراء اللاهبة.. وما نحن نقرأ كثيراً خلال اشهر الصيف الحارة عن حوادث الهلاك.. وكم نتألم كثيراً لهؤلاء، صحيح أن ما حدث لهم قضاء وقدر.. ولكن لابد من الاخذ بالاسباب.. في جزيرة العرب صحاري شاسعة.. تتحول في لواهب الصيف الى قطعة من جنهم.. والى رمال تتلظى من الحرارة.. وتبدأ كثبان الرمال بها تفوح من شدة الحرارة التي تذيب الحديد.. صيف لاهب حار وكثبان وراءه كثبان.. وبيداً دونها بيد.. سراب وراءه سراب.. حتى الزواحف تبحث عن ملاذ.. في جحورها.. لتظهر خلال الليل في نسمات الصحراء.. في درجة حرارة تصل الى حوالي 60م خلال عز النهار الساعة الثانية ظهراً.. والغريب في الامر انه من تاهوا في الصحاري خلال الصيف هم في داخل مناطق عامرة «مثل ما حدث لشابين في صعافيق بالقصيم» التي تقع بين عنيزة والمذنب «وبين عنيزة والمذنب 40 كم فقط» بما يدل على ان شدة حرارة الصيف لا يمكن احتمالها ولو لعدة كيلو مترات في الصحراء اللاهبة..حتى البدوي في صحرائه.. لا يمكن أن يتحمل ذلك مع أن لديه قدرة على التحمل بسبب تكيفه مع ظروف شدة الحرارة.. و لكنه يعرف كيف يتقي حر الصيف اللاهب بتوفير الملابس الواقية والمياه الكافية وبيت «الشعر» الواقي من اشعة الشمس.. ان قصص التيه في الصحراء اكثر من ان تحصى.. حتى ان بعض المناطق عرفت بأنها «مقبرة» للمغامرين.. ولكنني هنا اسوق بعض الرؤى والمقترحات حول هذا الموضوع:
1- في بعض من المناطق توجد طرق صحراوية «تغري» بالمغامرة فيها مع انها خطرة جداً .. ولكن هناك عذر للمغامرين بها اذا كانت مختصرة جداً بحيث «تسقط» عن المسافر مئات.. الكيلو مترات التي تحتاج الى يوم او اكثر في السفر من خلال طريق مسفلت.. ومن ثم عبور «وصلة» قصيرة مليئة بمخاطر «التغريز» او العطل في صحراء لاهبة.. وهناك مثال واحد وهو «وصلة قبة - سامودة» وهي وصلة لا تتجاوز 50 كم ولكنها رمال سائبة جارية عرفت بأنها مقبرة للمغامرين المسافرين من شمال شرق القصيم الى حفر الباطن او شمال شرق المملكة.. مثل هذه الوصلات القصيرة.. آمل وارجو ان تجد الاهتمام من لدن معالي وزير المواصلات الدكتور ناصر السلوم بسفلتتها.. او وضع برنامج لسفلتتها سداً لدابر المغامرة بها فهي مغرية فعلاً بالمخاطرة والمغامرة.. ولاشك ان المغامرين مهملون ولا تتحمل وزارة المواصلات مسؤولية مغامرتهم او هلاكهم.. ولكن اذا لم تحرص وزارة المواصلات على تفادي مزيد من الضحايا والمغامرات غير المحسوبة فمن سيتفادى ذلك.. ان معالي وزير المواصلات الدكتور ناصر السلوم وبتوجيهات من قيادتنا الرشيدة عرف بحرصه على سلامة المسافرين وقائيا.. واعتقد ان الاهتمام بهذه الوصلات من باب «الوقاية قبل العلاج».. ومن باب العطف على ابناء الوطن الذين يذهبون كل صيف جراء مغامرات غير محسوبة.. ولو كانوا يعلمون نتيجة مغامراتهم لما اقدموا عليها.
2- اذا لم يكن سفلتة هذه الوصلات ممكنة فلا اقل من ردمها عن طريق فرق الصيانة الذاتية التابعة لوزارة المواصلات.. خصوصاً الوصلات التي اشتهرت بحوادث الهلاك فيها فإن ردمها لن يكلف الوزارة شيئاً يذكر وسيكون له نتائج باهرة في الوقاية من هذه الحوادث المأساوية.
3- وضع لوحات ارشادية في الصحاري او الطرق الصحراوية ذات الرمال المتحركة او التي يسهل تغريز السيارات بها «غدوق» تدل على خطورتها وان يقدم بوضعها كل من الدفاع المدني ووزارة المواصلات.. تماماً مثل ما يتم وضعه في مناطق السباحة الخطرة في البحار.. حيث يغرق الانسان في البحر فإن السيارة تغرق في الصحراء.. بوضع لوحات حمراء تحذر من عبور هذه الصحاري الخطرة.. ولوحات ارشادية تبين مخاطر هذا العبور.
4- وضع لوحات ارشادية تدل على المناطق القريبة من هذه المواقع المشهورة بالهلاك فيها مثل صحراء صعافيق - الدهناء - الحوميات - نفود قبة - تدل على القرى والمناطق في هذه المسارات.. او آبار المياه والمزارع.. لكي يسهل الوصول اليها.. حيث ان اكثر من تتعطل سيارته او «تغرز» في الرمال يصاب بحالة ارتباك.. فيهيم على وجهه عشرات الكيلو مترات.. لا يدري اين يتجه.. ولا يعرف اين يقع بئر للماء او مزرعة او قرية صغيرة.. ووضع هذه اللوحات حتى ولو كانت صغيرة الحجم.. على مسافات متقاربة ذات اثر كبير - بإذن الله - في دلالة من يتيه الى الطريق الصحيح الذي يمكن أن يسلكه.
5- القيام بحملة توعية مكثفة عبر اجهزة الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لبيان مخاطر المغامرة في هذه الصحاري.. واعتقد أن نشر اخبار مثل هذه الحوادث وتكثيفها هو اكبر توعية وكذلك نشر مقابلات مع من حدث ان تاهوا في هذه الصحاري.. ونجوا بإذن الله لبيان ما حدث لهم ومخاطر مغامراتهم.. وكذلك التحذير من هذه المغامرات بتحديد هذه المواقع وتصويرها في وسائل الاعلام المختلفة ونشر آراء المختصين من اطباء وغيرهم لمخاطر العبور في الصحاري المهكلة عطشاً في حر الصيف اللاهب.
6- ضرورة أن يحمل من يريد عبور الصحراء كميات كبيرة من المياه حتى ولو اعتقد انه سيجد ماء في طريقه.. ولكن ذلك من باب الاحتياط.. وقد قالت العرب قديماً.. وهم من جرب اهوال الصحراء وعركتهم صحراء الجزيرة صيفاً قالوا «ان يرد الماء بماء اكيس» ان تصل الى منطقة يوجد فيها ماء.. وانت حامل للماء معك فإن هذا دليل رجاحة عقلك وفطنتك.. ولكن التهاون في حمل الماء والاعتماد على السيارات ذات الدفع الرباعي «الجيب» هو ما يورد المغامرين الى الهلاك.. فاعتقادهم ان الجيب لا يمكن ان يغوص في الرمال.. وانه سفينة الصحراء هو اعتقاد خاطئ تماماً فالجيب مثل غيره من السيارات يغوص في الرمال ولا يستطيع ان يتحرك ولن يفيد الدفع الرباعي شيئاً الا دعاء الله بالنجاة من الهلاك اذا وقع الفاس في الرأس.
7- اخذ الاحتياطات اللازمة مثل «ماتور هواء للسيارة - بنزين - عفريتة ومفتاح عجل » وكذلك الكفر الاحتياطي والسير.. وغير ذلك مما لا يتوافر الا في المدينة.
8- يقول المجربون ان افضل تصرف لمن تعطلت سيارته او غطت في الرمال هو ان لا يغادرها.. فإن العثور على السيارة اسهل كثيراً من العثور على شخص في بحر من الرمال المتحركة واذا كان الشخص يريد عبور الصحراء فلابد من ان يبلغ عن وجهته للعثور عليه في حال تأخره وسرعة الابلاغ عنه.
9- ارى ان يقوم الدفاع المدني بدورية يومية بالطائرة العمودية في المناطق الصحراوية المشهورة بالمغامرة بها.. لملاحظة اي سيارة متعطلة وبالتالي انقاذ صاحبها.. بهذه الخدمة الرائدة.
10- ان لأجهزة الاتصالات الحديثة اثراً بالغاً في ارشاد التائهين وانقاذهم مثل «الجوال» ولكن المشكلة في عدم وجود شبكة الا على الطرق المسفلتة.. ولهذا فإن اجهزة «النداء الآلي» او الكنود ايكوم ذات اثر كبير - بعد الله - في انقاذ العديد ممن اشرفوا على الهلاك.
م. عبدالعزيز محمد السحيباني - البدائع
|