Monday 23rd june,2003 11225العدد الأثنين 23 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحوادث المرورية ومرض سارس! الحوادث المرورية ومرض سارس!
د. محمد بن علي آل خريف

إن العالم ما فتئ يصحو على ظهور وباء يفتك بآلاف البشر، إلا ويفاجأ بظهور وباء جديد أشد فتكاً، حتى أضحت مركز البحوث الطبية في سباق مع الزمن لايجاد علاج فعال يكافح هذه الأمراض، إلا أنه على الرغم من بعض النجاحات الضئيلة يقف عاجزاً أمام بعض هذه الأمراض الغامضة، فهاهو مرض الايدز لا يزال يحصد الضحايا بشكل مضطرد، على الرغم مما انفق من أموال وجهود لمكافحته. وقد تفاجأ العالم بهذا المرض الجديد الذي أطلق عليه مرض سارس الرئوي اللانمطي الذي إذا أصاب الانسان لا يمهله حتى يصرعه، وما هذه الأخبار المتلاحقة بشكل يومي عن ضحاياه في مختلف بلاد العالم إلا دليل على مدى خطورته وقوة فتكه. وقد اتخذت الدول كافة الاحتياطات وفي حالة استنفار دائم للتصدي له وايقاف انتشاره وحق لها ذلك، إلا أنه مع ذلك يمعن في الانتشار وحصد مزيد من الأرواح. ولقد لفت انتباهي في خضم هذا الاهتمام والاستنفار لمواجهة هذا المرض غياب خطير لأمر نعايشه بشكل يومي داخل مجتمعنا لا يقل فتكاً وتدميراً للأرواح والثروات من هذا المرض ألا وهو مرض الحوادث المرورية المتزايدة في شوارعنا وداخل مدننا التي أمعنت في الفتك بالأرواح بشكل لا يمكن تصوره، وعلى الرغم من الصيحات المتلاحقة المحذرة من خطورة هذا الوضع إلا ان الجهود في معالجة هذا الوضع لا تزال وبمراحل دون مستوى الحدث مما أدى الى استفحال الأمر مع تزايد العدد السكاني الوطني والوافد، وقد قدر لي وأنا أمر بالطريق الى المنزل أن أمر وبشكل يومي على ساحة مخصصة لنقل السيارات بعد وقوع الحوادث وقبل أن يتم التصرف في السيارة بنقلها للورشة أو لمستودعات الخردة، مما هيأ لي عينة بحثية ذات دلالة علمية لحجم المشكلة، وقد وجدت أنه وبشكل يومي يتم القاء سيارات مهمشة يتم نقلها في اليوم التالي، ولاحظت ان أغلب هذه السيارات قد تعرضت لإصابات شديدة تدل على حصول وفيات أو اصابات من جرائها، وقد مضى على هذا الرصد والمتابعة عدة أشهر والوضع في تفاقم وازدياد، ولم نر أو نسمع أي استنفار جماعي لمواجهة هذا الخطر المؤكد والاحصاءات الدقيقة توضح حجم المأساة التي نعاني منها منذ وقت طويل. لقد رأينا حملات قوية في جميع وسائل الاعلام تحث الناس على التبرع للشعب العراقي ومن قبله الشعب الفلسطيني وهذا أمر حسن وموقف نبيل لا يستغرب من هذا الشعب الكريم، لكن أليس فيما نحن بصدده يحتاج الى حملات استنفار متتابعة وجهود منظمة لوضع حد لهذه المأساة التي لم تترك بيتاً إلا وجعلت فيه نائحة ثكلى أو معاقاً مقعداً، أليس مثل هذا الوضع أحق بأن يأخذ حيزاً من الاهتمام وعلى مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، اذهب الى مستودعات الخردة لترى جميع أنواع السيارات ومن أحدث الموديلات وهي تذكرك بالحروب المأساوية، لما تشاهده من الدمار والاستنزاف للثروات البشرية والمادية. لسنا مبالغين إن قلنا إن هذه المشكلة تعد في مقدمة المشكلات التي تحتاج تدخلا جادا ومعالجة جذرية وفق خطط محكمة ومتابعة متلاحقة حتى يتم الحد من هذه المشكلة التي نعلم أنه لا يمكن القضاء عليها بالكلية، لكنه لا يمكن الاستسلام أمامها مع القدرة على مواجهتها، إنني أعتقد ان المشكلة تكمن في الانسان الذي يعاني من فجوة حضارية، تجعله غير قادر على التعامل مع التقنيات والمكتسبات الحديثة بشكل ايجابي، مما يؤدي به الى اساءة استخدامها من حيث لا يشعر حتى ولو كان في ذلك هلاكه، فلدينا فئتان من الناس فئة وافدة من العمالة البسيطة متدنية التعليم التي في أغلبها لم تمارس القيادة إلا في هذه البلاد مما يجعلها تفتقد الى أدنى أدبيات القيادة السليمة، وهذا يحتم مراجعة قوائم الاستقدام والحد من العمالة التي تشكل جزءاً من تفاقم المشكلة الوطنية، أما الفئة الأخرى فهي تمثل قطاعاً كبيراً من الشباب الجامح الذي يمارس القيادة كهواية وعبث، وليس كوسيلة نقل وخدمة حضارية، كل ذلك ومعه الافتقار للسلوك القويم في التعامل مع الآخر مما جعل شوارعنا وطرقاتنا ساحات للصراع والمشاكسة مع فقدان للشعور بالمسؤولية الوطنية. إن المعالجة لكي تكون فعالة وناجحة لابد أن تكون شاملة بحيث تغطي كل جوانب المشكلة، وبقوة متماثلة، فمثلا الرقابة والمتابعة المرورية عبر المرور السري لن تفلح في الحد من المخالفات المرورية ما لم يصاحبها برنامج عملي توعوي ظاهر، اضافة الى ان من يطبق مبدأ الرقابة السرية يفترض ان يكون على مستوى المسؤولية بأن يكون هدفه الأسمى منع المخالفة قبل وقوعها كون ذلك هو الغاية، وليس كسب مزيد من تحرير القسائم. إن حجم المشكلة وخطورتها بقدر لا يمكن لمقالة ان تأتي على كل أبعادها لكنها اشارات مضيئة تذكر وتحفز للالتفاتة العاجلة لمواجهة ذلك. والله الموفق،،،

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved