** كتبتُ قبل نحو ثلاثة أسابيع في هذه الزاوية «أقصوصة» بعنوان معلِّمة عادية جداً.
وكانت بضمير الأنا، فالبطلة تتحدث عن نفسها وتصف أحداث حياتها عبر انثيال حزين يتفاقم الشعور بالعادية والتشابهية في كل الأشياء.. والحقيقة أن النموذج ليس بعيداً عن الواقع، فالمدارس الابتدائية بالذات ملأى ببعض صفات هذا النموذج الذي يمارس الحياة بعادية قاتلة لا تشي بأي إبداع أو تميُّز أو حتى استمتاع بالحياة على بساطتها..
** وفوجئت بردود أفعال لم أتوقعها مطلقاً..
أولها أن كثيراً من القراء ظنَّ هذه المعلِّمة هي أنا.. وأنني أكتب عن نفسي وأقدِّم لهم جزءاً من سيرتي الذاتية.. وهو أمر لم أعتده قط من القارئ.. فلم أذكر طيلة خمسة عشر عاماً منذ بدأت أكتب بطريقة منتظمة متفق عليها مع الصحيفة أن فسَّر القراء كتاباتي وقاسوها على حياتي..
الشيء الآخر المنحى الغريب في الظن السيئ الذي واجه القراء به هذه الأقصوصة ومحاكمتها عبر تهم لا أصل لها في ذهني وأنا أكتب.. ومنها مثلاً أن المرأة هنا معلِّمة وأم وزوجة وهي تمارس هذه الأدوار مجتمعة.. إذن هي ليست امرأة عادية.. ثم ماذا أريد من وراء ذلك.. وقد قال أحدهم إن هذه دعوة مبطنة للمرأة لدخول المعترك السياسي ودخول مجلس الشورى.. فما الذي بقي لهذه المرأة أن تفعله إذا كانت موظفة وأماً وزوجة.. لم يبق لها إلا أن تمارس العمل السياسي أو الشورى وهو انتقاص للعمل الأسري!!
** والشيء الثالث أن رأى البعض أن ذلك من باب إنكار النعم..
فماذا تريد هذه المرأة التي تصف نفسها بالعادية طالما أنها زوجة وأم ومعلمة.. إذن ماذا تقول الزوجات الخريجات اللاتي يعانين من البطالة..
وقال طبيب في رسالة إن زوجته خريجة قسم إنجليزي منذ ثلاث سنوات ولم تتوظَّف وقد أشغلت وقتها بإنجاب الأطفال وإذا كنت أنت عادية فماذا تسمين زوجتي..
وكتب شاعر نصاً جميلاً يمنح هذه المرأة شفقته ويحاول أن يواسيها وأن يرفع من معنوياتها فيذكِّرها بأنها أم مربية ترعى النجوم وأنها ليست عادية، بل هي معطاءة.. والتبس الأمر على الشاعر فظنها أنا وصار يثني على القلم ودواة الحبر وقال من تكتب وتبدع ليست امرأة عادية.. وإن قالت عن نفسها هي هذا القول..
** وخامس قال إن تلك المرأة ليست عادية، بل هي امرأة «سوبرمان» فكيف تؤدي كلَّ هذه الأدوار وهي امرأة عادية..
وسادس قال إنه يعيش ذات الشعور وأنه يعاني من فرط العادية في حياته ويود أحياناً لو يسترق الزمن ويكتب عن رؤيته تلك وعن مشاعره تجاه تفكير الجيل وهو الرجل الأربعيني الذي يستفزه تفكير أبنائه الجدد..
** أما أعجب الرسائل حقيقة فهي التي منحتني شعوراً باهظاً بالفرح والحزن وكان مضمونها يقول:
«هل تعرفينني.. كيف استطعت أن تكتبي عني بكلِّ هذه الدقة.. حين قرأت «معلمة عادية جداً» أحسست أن كلَّ كلمة تشير إليَّ.. أنت تقصدينني ليس لدي شك في ذلك.. لكن كيف.. هل يمكنني مهاتفتك وكيف».
** حزنت لأن الشعور بالعادية وفقدان الإحساس بالتميُّز والإبداع وعدم معرفة سبل الاستمتاع بالحياة والعطاء.. والشعور الضاغط دائماً بأن الشخص ضحية ومستغل.. هو مؤكد شعور يبعث على الحزن..
أما ما أفرحني فهو ولا شك الوصول إلى الناس والتوحّد مع نبضهم.. حتى تجد من قرائك من يقول لك أنت تعنيني في مقالتك.. أنت كتبت عن همي ومشكلتي.. وذلك في حدِّ ذاته ممتع وجميل..
شكراً لكلِّ القراء الذين منحوني شعوراً باهظاً بالتميُّز.. وجعلوني أستمتع أكثر بالكتابة لهم وعنهم.
|