أين المخرج لأزمة خريج الثانوية العامة؟
حاولتُ عبر الحديثيْن السابقيْن طرحَ صورة مقتضبة لإشْكاليّة الخرِّيج الثانوي الذي يجد نفسه بعد اثنيْ عشر عاماً من التعليم المنتظم في مفترق طرقٍ، يُفترضُ أن يختار منها ما يلائمُ طموحَه وقدرته، وتوقعات المجتمع من حوله، وتحدّثتُ عن خيار الجامعة، مشيراً إلى المعضلة المتعدّدة الأطراف التي يواجهُها هذا الخريجُ في التوفيق بين موقف يكادُ يبلغُ مستوى الأسطورة في نظر بعض شرائح المجتمع ، وبموجبه تُصنّف الجامعةُ بأنها البديلُ الذي لا بديل له ، وبيْن قدرات الخريج نفسه، الذاتية والمكتسبة، وفرص الاستثمار المهني لإشبْاع أغراض التنمية، الآني منها والقادم، وتعرّضتُ بإيجاز لمجمل المواقف والآراء المتعلّقة بالموضوع، والبدائل المطروحةِ لسدِّ الخلل في منظومة الاستيعاب الجامعي، بدءاً بتوسيع قاعدة القبول، مروراً بفكرة الجامعة الأهلية، وانتهاءً بفتح فرص أكثر سخاءً للانتساب في الجامعات.
***
* وقبل أن اختم هذا الحديث، أودّ القول بأن التعامل مع ظاهرة الفائض من خريجي الثانوية العامة سيبقى همّاً إنسانياً ووطنياً ملازماً لنا، الآن وغداً، وعبر المستقبل القريب والبعيد،.. والحلُّ لا يكمنُ في إيجاد مقعد في الجامعة لكل خريج ثانوي، لأن لذلك محاذير وتبعات جسيمةً، ولكن في إيجاد قنواتٍ تعليمية وتدريبية متعددةٍ لاستثمار طاقة خريج الثانوية العامة، لصالح المجتمع والوطن، آخذين بعين الاعتبار أمريْن هاميْن:
أولهما: أنّ الخريج إنسان ومواطنٌ قبل كل شيء وبعد كل شيء، له من الحقوق مثلما عليه من الواجبات.
وثانيهما: أنه ثروةٌ وطنية لا تعدلها ثروة، ومن ثم، فمن الظُّلم له وللمجتمع والوطن العبثُ بهذه الثروة تحت أيّ مظلة وفي ظل أيّ شعار!
ختاماً:
أستأذن القارىء الكريم بطرح بعض الاقتراحات التي يمكن أن تُسهم مجتمعةً أو متفرقةً في رسم مسار الخروج بخريج الثانوية العامة من نفق الحيرة إلى برّ اليقين، مذكّراً في الوقت نفسه بأن قضية خريج الثانوية العامة ستظلُّ تتفاعل في أذهانِنا سنين عديدةً، طالما استمر التدفُّقُ العدديُّ الكبير من مدارس البلاد، لكنّها قد تزدادُ حضوراً وتعقيداً لو التزمنا الصمت حيالها، أو ألزْمَ المجتمع نفسه بخيار أحاديِّ الاتجاه لاستثمار طاقة خريج الثانوية، وهو خيارُ الجامعة دون سواها!
اقتراحات:
أولاً: إقامةُ مراكز متخصصة في الجامعات للإرشاد الأكاديمي يتولاّها متخصُّصون في التربية والتنمية وعلم النفس التربوي، مهمَّتها تقديمُ المشورة المتخصّصة والواعية لطالب الثانوية حول نوع التخصص الذي يرغب الارتباط به، والطموحات المهنية المرتبطة به مسْتقبلاً، كما تساعد الطالب على رسْم صورة أدقّ لمهاراته وقدراته، يستطيعُ من خلالها التوفيقَ بين توقّعاته وفرصِ النجاح المتاحةِ له عَبْر المشوار الجامعي وبعده.
ثانياً: حثُّّ الشركات الأهلية على استقطاب شرائح مختارة من خريج الثانوية العامة لابتعاثهم ابتعاثاً داخلياً أو خارجياً إلى المعاهد والكليات المتخصصة وفقَ احتياج هذه الشركات وقدراتها، ويتوجَّهُون للعمل بها بعد التخرج.
***
* ثالثاً: التوسُّعُ في برامج التأهيل الفني والتعليم المهني المتخصِّص لمنْ لا تتاحُ له فرصُ الالتحاق بالجامعات، كي يستفيدُوا من فرصِ العمل في القطاع الأهلي والحكومي.
***
* رابعاً: التوسُّعُ في افتتاح الكليات التقنية المتخصّصة في حقول الهندسة الإلكترونية والكهرباء والحاسب الآلي والمحاسبة والتسويق والفندقة وغير ذلك من التخصصات التي يفتقرُ إليها سوقُ العمل، ويُضْطرُّ اضراراً إلى تعويضها بالاستقدام من الخارج، ويمكن أن يكون للقطاع الأهلي دورٌ رائدٌ ونشط في هذا الصدد، وذلك خيرٌ من إنشاء جامعة أهلية أو أكثر بمضامين ومدخلاتٍ شبيهةٍ بتلك التي تقدّمها الجامعات الحكومية.
***
* خامساً: إعادة تقويم قواعد القبول في بعض الكليّات الجامعية المهنية بحيث تتمكَّن من استقطاب أعدادٍ أكبْر من طلاب المرحلة العلمية الثانوية، ككليّة الطب وبعض فروع الهندسة والعلوم الطبية المساعدة، وهذا بالطبع يتطلب استثمار أموال إضافية لاستيعاب التوسع في القبول.
سادساً: قد يكون من الملائم النظر في استقبال مبادرات المتطوعين من الموسرين في المجتمع لإقامة مرافق مؤهّلة في بعض الكليات الحكومية أو الأهلية تحمل أسماءهم، تساعدُ على دعْم القدرة الاستيعابيّة لهذه الكليات، وفي هذا تخفيفٌ للعبء المالي على الدولة أو المستثمر، وتمكينٌ لرأس المال الخاص من البذل تطوُّعاً لخدمة أغراض وطنية لا يكون هدفُها الربح الماديَّ المباشر.
|