لقد قدر لي أن أحضر مجلس سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في أحد الأيام حيث يجلس سموه بعد صلاة الظهر من كل يوم في مجلسه في الإمارة يستقبل المواطنين والمهتمين في قاعة خصصت لهذا الغرض.
وقد جلست ضمن الحضور الذين تقاطروا من منطقة الرياض وما حولها ومن غيرها من المناطق وقد غصت القاعة بالحاضرين الذين تجاوزوا المئتين وقلت في نفسي هل سيجد سمو الأمير الوقت الكافي لمقابلة كل هؤلاء خلال وقت الدوام الذي لم يبق على انتهائه سوى ساعتين.
وبدأت مسيرة السلام والتحية لسموه والكل يحمل في يده معروضاً أو خطاباً ليسلمه لسموه يداً بيد، وبعد ذلك جلس الجميع وبدأ سموه في قراءة الخطاب والمناداة على هؤلاء الإخوة فرداً فرداً.
وبذكاء خارق يوجه كل شخص حسب وضعه فهذا يطلب رفع مظلمة وذاك يشكو من جهة ما وآخر يطلب مساعدته على العلاج من مرضه ورابع يطلب مساعدة تعينه على الدنيا وخامس يطلب شفاعة سموه في أمر من الأمور لتحقيق مصلحة مشروعة.
وقد ذهلت من نظرة سموه الثاقبة أثناء حواره مع هذا الجمهور العريض وصبره عليهم إلى درجة أن البعض منهم يطيل في الحوار ظناً منه أن سموه لم يفهم مشكلته - إلا أن حكمة سموه وخبرته في الحكم على الأشخاص جعلته يفهم كل صغيرة وكبيرة مما يقدم إليه ويعرض عليه من أوراق وبسرعة فائقة.. انهى سموه جميع الأوراق التي تقدم بها أصحابها قبل نهاية وقت الدوام الرسمي.
وقد تذكرت حينئذ بعض الذين يتشدقون بالديموقراطية الغربية في بلادهم وقلت إن هذه القاعة قد شهدت ما هو أفضل من ديموقراطية الغرب وتفوقت عليها بسياسة الباب المفتوح دون حجاب أو حارس أو وسطاء سياسة الحديث وجهاً لوجه بين الحاكم والمحكوم.
فهل يمكن لأحد في الغرب أو الشرق أن يقابل مسؤولاً مثل سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أو حتى على مستوى أقل بكثير دون واسطة وموعد من سكرتير إلى سكرتير ثم بعد ذلك يقف أمامه موقف الخائف المرتعد ليشكو أو يطلب أو يعرض ما يريد عرضه.
إننا ولا شك في نعمة من نعم الإسلام الذي سارت عليه بلادنا منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز، فهذا الكيان العظيم والصرح الهائل ما قام إلا على نور الإسلام وجاء من بعده أبناؤه الكرام الذين ساروا على نفس المنهج منهج الباب المفتوح وسياسة التواضع وفتحوا مكاتبهم ومن قبلها قلوبهم لأبناء شعبهم وخصصوا على الأقل يوماً في الأسبوع لاستقبال أبناء هذا الوطن.
إنها سياسة التلاحم والتعاضد وسياسة التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى التي يدعو إليها الإسلام الذي هو أقوى من كل الديموقراطيات في عالمنا المعاصر.
وأنني أسوق واقع هذه الجلسة التي كانت في مجلس سموه لأذكر المسؤولين على جميع المستويات في مملكتنا الحبيبة وعلى رأسهم أصحاب المعالي الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم أن يحذوا حذو سموه الكريم بقضاء حاجات الناس ومصالحهم وجهاً لوجه وسماع ما يطرحه صاحب المشكلة أوصاحب المظلمة واقناعه بالحل ومتابعة موضوعه وتقصي الأمور حتى يكون على بينة من الأمر ليطمئن إلى أنه قد أدى الأمانة التي أؤتمن عليها - ولا ينشغل عن الناس بحجة الاجتماعات والاستقبالات ويرفض مقابلتهم لكثرة المواعيد والارتباطات.
إننا نفخر بإسلامنا وشريعتنا التي هدانا الله لها وكرمنا باتباعها ويجب علينا أن نحمد الله على هذه المنة التي تتمناها جميع الشعوب ولا تجدها ذلك لأنهم يعيشون على قوانين وضعية ونماذج سياسة موضوعة من قبل البشر.
أما نحن فأمرنا شورى بيننا يحس الكبير فينا بالصغير ويساعد القوي الضعيف ويحترم الصغير الكبير هذا شرع الله فماذا بعد الله إلا الضلال.
فهنيئاً لمواطني هذا البلد بتطبيق شرع الله وبتقارب حكامه منهم واستقبالهم لهم في مكاتبهم ومواجهتهم لهم وجهاً لوجه شارحين ما يريدون من دون تحفظ ولا خوف.
|