تابعت بتقدير لصحيفة الجزيرة اتاحة الفرصة للعديد من الكتاب للحديث حول الفكر التكفيري المنبوذ من جميع افراد مجتمعنا وانني احببت المشاركة عبر هذا المنبر الإعلامي وهذه الصفحة المتميزة.
ومما لا شك فيه ان الأمراض الفكرية من اشد انواع السموم والبلايا، حيث إن صاحب الفكر السقيم يدعو لفكره ويناضل عنه ويجاهد دونه وهو لا يعلم انه سقيم، فأمراض الفكر والاعتقاد بالشبهات اشد خطرا من داء العقول التي رفع القلم عن اصحابها، واشد من مرض الشهوة التي يقر بها مرتكبها ومعترف في انه مخطئ بفعلها انها شبهة عرضة واستقرت وسهم اصاب فأمات، فملأت عقولا خاوية بافكار جارفه وتيارات منحرفة.
الا ان واقعنا اليوم يسبح بأمراض فكريه عدة بعض منها في المصطلحات المهمة، واخرى في الافكار الملمه وثالثة في معرفة حقيقة العداء وعدم التفريق بين الناصح الأمين وبين السقيم المهين.
فتجر المرء إلى حضيض الكفر أو قريبا منه أو اتى دركات الجحيم، وبالمثال يتضح المقال: الا ترى إلى عبدة القبور واصحاب الأمور الشركية والتخرصات الغيبيه كيف هم عن شبههم يناضلون واليها يدعون وقول الله ابلغ {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} [فاطر: 8] ومما شاع واتضح وانتشر بيننا اليوم على غير وجهتها الصحيحة او عدم التفريق على اقل الأحوال امور عدة: فمنها المصطلحات المشتركة التي اشتركت في الاسماء دون أن نعلم فارق الجوهر بينها، فيظن البعض جهلا أو تجاهلا أن اشتراك الاسماء هو اشتراك في المضمون، فقد اشترك الليل والنهار في اسم واحد واختلفا في المضمون.
وها هو مضمون قد انتشر بيننا فيحتاج إلى جلاء ووضوح الا وهو مضمون الإرهاب فالمراد به في عرف الناس اليوم الاجرام ترويعا للآمنين وقتلا للأبرياء من المسلمين والكفار المعاهدين. وهذا ليس هو المقصود في قوله تعالى {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم} [الأنفال: 60] ان المقصود في (ترهبون) يقول العز بن عبدالسلام عن هذا انه اذا كان موجها لأهل الحرب اعداء فلا ضير فيه، وان كان لمسلم أو لغيره مما هو ليس من اهل الحرب فهو منهي عنه ويعد من الاخلاق الذميمة التي لا يرتضيها الدين الحنيف.
اما الإرهاب الإجرامي اليوم به تحل بالمسلمين تفرقة الكلمة وبه تشتت امرهم، اما الجهاد الحقيقي فقد انتصر به المسلمون ورفعت رايات التوحيد وازلفت له جنة الخلود وتمت البيعة العظمى مع العزيز المجيد {ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} [التوبة: 111].
والإرهاب الإجرامي اليوم عرف يرتكبه دائما مجرمون، ناقصو الايمان والاخلاق كما ذكر العز بن عبدالسلام، اما موقعه من الشريعة الإسلامية في باب الحدود «باب حد الحرابة» { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض...} [المائدة: 33].
إن الإرهاب الإجرامي اليوم استقى افكاره من الاذهان الجائره والتقليدات الفاسقه، مشائخه سفاحون ظالمون، مجرمون آثمون، التأريخ رفع لهم لواء الذل والخزي والعار، أما الجهاد الصحيح فقد استقى طرقه من فوق سبع سموات، نزل القرآن به وفصلته السنة المحمدية، دقة وتفصيلا وايضاحا، لم تدع صغيرة ولا كبيرة ولا واردة ولا شاردة، انه غاية ان يدخلوا الناس في دين الله افواجا فللعهدة عنده مكان ففيه (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة) (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين).
ان الإرهاب الإجرامي اليوم لا يفرق بين الصغير والكبير والذكر والأنثى ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم (ومن خرج على امتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه) وقد ذكر عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه انه قال: كان معاوية يسير في ارض الروم وكان بينه وبينهم أمد فاراد ان يدنو منهم فاذا انقضى الامد غزاهم فقال له عمرو بن عبسه: الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر وفاء لا غدر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي امدها أو ينبذ اليهم على سواء» فبلغ ذلك معاويه فرجع.
ان قائد الجيش المسلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسمعوا وصيته لجيش مؤتة فيخبر قادة الجيش عن ارهاب العدو فيقول: «اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعته، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء» هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يوصي جيشا حال القتال، فما بالكم حال السلم والعهد والامان، لأن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها ادناهم، فها هي ام هاني تجير اثنين فيقول لها الرسول قد أجرنا من أجرت ام هاني.
وانني اتوجه إلى أولياء أمور طلاب العلم منبها إلى أهمية الحفاظ على فكر عقل ابنك كما تحافظ على مأكله ومشربه خشية فكر دسيس على شبابنا من افكار القصر مما ينتمون إلى التعالم، فنهضوا إلى الجبال العالية الوعرة المسلك فخاضوا بين كهوف مظلمة واودية بالنار مشتعلة، فاطلقوا السنتهم لتصنيف عباد الله بالتكفير والتبديع والتفسيق ولم يسلم منهم حتى العلماء ولا غيرهم، بنوا افكارهم على الجهل والنصوص على التأويل الفاسد بعيدا عن منهج اهل السنة والجماعة وعن تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يرشد إلى ذلك بقوله (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر والا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك) يقول الامام الطحاوية رحمه الله، «لا تشهد عليهم» يعني «أهل القبلة »بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك. ونذر شرائرهم إلى الله.
فمن كان له رأي أو نصيحة فليطرق السبل الصحيحة وليأت البيوت من ابوابها بالرسالة الهادفة والكلمة الطيبة
إبراهيم بن عبدالعزيز الجهني
إمام وخطيب جامع ابن باز بحي الغدير
|