يا نشيد المجد في ثَغْر المنادي
حرَّكتْ شَجْوي ترانيمُ الجهادِ
أنعش التكبيرُ قلبي حين دوَّى
في الميادين وأسقى كلَّ صادي
حين دوَّى في ربوع القدس حتى
ردَّدَّتْ أَصداءَه كلُّ البلادِ
وسمعنا منه في غزَّة لحناً
أسكتتْ أنغامُه صوتَ الأعادي
ورأينا منه في الصخرة بَرْقاً
وشدا منه على القبَّة شادي
ورأينا منه في حيفا ويافا
ما يُزيل الرَّوْعَ في يوم الجِلاد
يا نشيد المجد يا أجملَ لحنٍ
يوقظ الغارقَ في بحر الرُّقادِ
يُنعش الأَرواح من بعد ذبولٍ
ويُرِيها رِبْحَها بعد الكسادِ
يُنقذ الأزهار من فصلِ خريفٍ
قرَّب الأزهارَ من يوم الحَصادِ
يا نشيد المجد أسقيتَ يَراعي
من ترانيم العُلا أَحْلى مِدَادِ
أنتَ حرَّكْتَ قوافي الشعر حتى
ركضتْ أوزانُها رَكْضَ الجيادِ
لم أزلْ أبصر في الأقصى رجالاً
يسَّروا في طرقِ المجد ارتيادي
وأرى في دمعةِ الأمِّ سُمُوَّاً
وأرى في وجهها زَهْوَ اعتدادِ
آهِ من أدْمُعِ عزّ أسْبَلَتْها
بشموخٍ فوق أشلاءِ «جهادِ»
أقسمتْ بالله أنّ تُرسِلَ إِبناً
بعدَ إِبنٍ، كلَّما نادى المنادي
لم أزل أُبصر في وجه شهيدٍ
بسمةً تبعث أضواءَ الرَّشادِ
أنظروا في وجهه، كيف تجلَّى
قمراً يسطع في ليلِ الحِدَادِ
وكأنَّ الدَّمَ في الوجه خيوطٌ
نَسَجَ الفجر بها أَسْمى مُرَادِ
خيرُ ما تبصره العين جبينٌ
من شهيدٍ ماتَ رَيَّانَ الفؤادِ
ماتَ دونَ الدِّين والأرض وعِرْضٍ
مَوْتَ حُرّ، رأيُهُ رأْيُ السَّدادِ
يا نشيدَ المجد ما مات شهيدٌ
طلَّق الأوهامَ في عَصْر التَّمَادي
لم يَمُتْ من قدَْم الرُّوحَ فداءً
وشرى فوزاً بها يَوْمَ التَّنادي
وحَمَى الأقصى بها من شرِّ قومٍ
غَدْرُهم رائدُهم في كلِّ نادي
أصبحوا في مقلةِ الأقصى قَذاةً
وغَدَوا في جسمه مثلَ «القُرادِ»
كيف ترضى النفسُ أنْ تُبصر لصَّاً
يطردُ المالكَ من بيتٍ ووادي؟!
لستٌ أدري كيف صار الشِّينُ حرفاً
يجعل الحسرةَ عندي في اتِّقادِ
بينَ شيطانٍ وشَرّ وشقاءٍ
والحَلِيْفَيْنِ على نَشْرِ الفَسَادِ
يا بني الإسلام، مازلتُ أراكم
تٌطْلُبون الوَرْدَ من شوكِ القَتَادِ
تطلبون الماءَ من لَمْعِ سَرابٍ
تطلبونَ القُرْبَ من كفِّ البُعَادِ!
واهمٌ واللهِ مَنْ يحمل غَُصْناً
لعدوّ، يَدُه فوقَ الزِّنادِ
ما رأتْ أَعْيُنُنَا حالَ ثَمودٍ
ساعةَ الرَّوع، ولا حالةَ عادِ
لم نشاهدْ صرحَ هامانَ تَهاوى
لا، ولم ننظرْ إلى ذاتِ العِمَادِ
غَيْرَ أنَّا قد قرأناها كتاباً
صادقاً من وحي خلاَّق العبادِ
سُنَنٌ كونيَّة تحدُثُ لَمَّا
يغرق الإنسانُ في بحر العنادِ
يا نشيدَ المجدِ، لا تحزنْ علينا
حينما نلقاكَ مكتوفي الأَيادي
حينما تُبصر في قومي رجالاً
لبسوا حِلْيَةَ نَجْوَى وسُعَادِ
وترى فيهم نساءً لاهياتٍ
يتسابقْنَ إلى سوقِ المزَادِ
حينما تبصر آثار خضوعٍ
وانكسارٍ للأعادي وانقيادِ
حينما تُبصر ليلاً من أَسَانا
مُدْلَهِمَّاً وترى بحرَ سَوادِ
يا نشيدَ المجد، لا تحزنْ علينا
فستلقى جَذْوَةً تحتَ الرَّمادِ
كلُّ مَنْ يُقْتَلُ في الحقِّ سيغدو
بَذْرَةً تنْبِتُ أزهارَ الجهادِ