هل بدأت تنحصر الموضوعات التي نكتب فيها؟
هل ضاق أفق الكتابة إلى درجة تنعدم فيه رؤية الأشياء على وضعها الطبيعي؟
هل تزاحمت الأفكار وتصارعت حتى بات يعيق خروجها تدافع كم هائل من هذه الأفكار؟
هل ضاقت مساحة الحرية التي تبحر فيها الكتابة؟
أم ان الكثير من الموضوعات التي اعتدنا الكتابة فيها تقزمت أمام بعض الموضوعات التي نعيشها اليوم، فأصبح أي موضوع هو أقل شأنا من موضوع الحال وهموم الواقع المعيش اليوم، وأعني بذلك تمرد المراهقة على العرف الطبيعي للمجتمع والناس.. والانخراط في هوامش الأشياء وافرازات الخارج الغريب وغطرسة الاعتداء الآثم..؟
اعترف بأن الموضوعات التي اعتدنا الخوض فيها لم تعد تحفز أحداً إلى الكتابة عنها أو أحداً إلى القراءة فيها.. كلها أصبحت موضوعات نائمة أمام قضايا يقظة، كلها أصبحت هموما تحت الصفر أمام موضوعات بارزة فوق السطح وعملاقة أمام مألوف الماضي، كلها أصبحت قشوراً أمام جوهر الحقيقة القادمة.
نعم ما نعيشه اليوم وتتكشف عنه الأحداث هو مرحلة ما بعد المألوف، ومافوق الصدمة، وما يتجاوز العرف، ويتحدى القيم.. ما نشاهده اليوم.. ويوما قبل يوم.. ويوما بعد يوم من تهافت حقائق كنا نؤمن بها، واعتصار مواقف كنا نلوذ إليها يعكس مرحلة أكبر مما نحتمل عقلا ونواجه فكراً ونتحدى سلوكا.. ما تكشفت عنه بعض الحقائق في الرياض وحائل والمدينة المنورة ومكة المكرمة.. مثل لنا صدمة كبيرة، وزلزل من تحتنا قناعات راسخة، ان هؤلاء الأبناء وهؤلاء الإخوان، وهؤلاء الجيران، وهؤلاء الأقارب الذين كانوا معنا وعاشوا في بيوتنا، ومروا من أمام منازلنا، وصافحونا وصافحناهم، وتدارسنا معهم، وتتلمذوا في مدارسنا وتربوا في جامعاتنا، هؤلاء.. انقلبوا على كل شيء، تمردوا على المجتمع، وحاولوا ان يطعنوا أمن وسكينة واستقرار بيوتنا وطرقنا ومساجدنا وتجارتنا وعيشنا وأهلنا وأقاربنا وأبنائنا ومدننا وقرانا ومطاراتنا وموانئنا وحدودنا، وأمننا وماضينا وحاضرنا.. حاولوا ان يكونوا أدوات في أيدي غيرنا، ودمى في مخالب الشر، وأن يكونوا غيرهم لا أنفسهم، ان يكونوا مصالح خارجية لا مصالح وطنية، ان يكونوا مجتمعات غريبة عنا لا مجتمعاتهم، ان يكونوا هشاشات مبعثرة في هواء فيروس قاتل، وان يكونوا حروفا في منظومة فكر عبثي، لا يأبه للصغير ولا للكبير، لا يحترم شيوخ القوم ولا أعراف القبيلة، لايقدر أبا ولا أما ولا أخا ولا أختا، ولا زوجة ولا أبناء، ولا جيران، ولا حقوقاً ولا معارف ولا علما ولا تاريخاً، ولا وطناً، ولا مجتمعا.. هم انساقوا إلى سفاسف الأمور، وإلى طقوس العبث الجديد، وإلى ترهلات الفكر المتطرف.. هم أرادوا لأنفسهم ان يكونوا تابعين لكل غريب، ومتحفزين لك خارج، ومنساقين لكل شر.. ولكن ما أرادوه لأنفسهم لم نكن لنريده لهم، ولم نكن لنتجرأ ان نفكر به، ولم نكن من قريب أو بعيد نتمناه لأعدائنا قبل ان نرغبه لأنفسنا.. لم نرد لهم هذه الضبابية، ولم نكن معهم في هذه السطحية، وهذه الآفاق الضيقة، والحقول المظلمة.. كنا نريد لهم الخير وأرادوا لنا الشر، كنا نريد لهم الفضيلة وأرادوا لنا الخراب، كنا نريد لهم الحياة الأبية وأرادوا لنا الفوضى، كنا نعمل من أجل أمنهم ولكنهم كانوا يسعون إلى خوفنا وبعثرة مجتمعنا وقلق حاضرنا.
ولكننا نحن والحمد لله أولا وقبل كل شيء مسلمون مؤمنون بقضاء الله وقدره، ونعلم ان الله يمتحن المؤمن في إيمانه وعقيدته وفي حياته.. ونحن نؤمن ان هذا هو ابتلاء من الله لنا في حياتنا ومجتمعنا وأنفسنا وأهلنا وأبنائنا وعيشنا ويومنا وحاضرنا ومستقبلنا.. ونعلم أنه كلما كنا صفا واحدا وقلبا واحدا وجسدا واحدا تهيأت لنا الظروف والإمكانات لنواجه التحديات التي أمامنا، والظروف التي تلفنا، والعقبات التي تعترضنا.. نحن نعلم ان الحق معنا، والفضيلة لنا، والتاريخ في صفنا، والظروف لصالحنا.. والناس معنا.. وأقرب الناس إلى هؤلاء دما وجيرة ونسبا وجماعة قد تبرأت من هؤلاء، ومن سلوكهم المشين، ومن غطرسة التمرد الاجتماعي الذي شربوه من الخارج الغريب ومن الفكر المتطرف السحيق.. ولهذا فإن ما نمر به اليوم هو غمامة تنقشع، وغبار ينجلي، وشدة تزول بإذن الله..
وفي خضم هذه الأحداث المؤلمة، نهدي تحية من القلب إلى رجل الأمن الذي يسهر على راحتنا، وعلى أمننا، ويضحي بأغلى مايملك في هذه الحياة من أجل أن يفتدي روحه بتراب الوطن، وجسده بطهارة العقيدة.. تحية إلى هؤلاء الذين استشهدوا في أداء الواجب، وفارقوا الحياة وهم في مواجهة الشر والقتل والتدمير.. تحية إلى هؤلاء الذين يقفون دائما على حدود الوطن، ومنافذ الحرية، وفي قلب الأحداث وليالي المصائب، ونهارات الخوف.. تحية إلى رجل الأمن ومواطن الأمن الذي يقف حاجزا بين المواطن والخوف، بين المجتمع والفوضى.. تحية إلى رجال الأمن الذين يديرون دفة القيادة الأمنية لهذه البلاد.. والذين هم موجودون على مدار الساعة في غرف الطوارئ والعمليات، في عين العاصفة والأحداث.. تحية إلى نايف بن عبدالعزيز الذي يضع نفسه أمام طغيان التشرذم، وفي واجهة العنف، ويبسط كل بلادنا وإمكاناتها ومقدراتها من أجل أن يصفو لمواطننا الأمن، ويستقر مقيمنا على تراب العهدة والوداعة.. تحية إلى نايف بن عبدالعزيز الذي هو موجود في كل مكان، يتابع ويسهر، ويوجه، هو رجل الأمن الأول الذي يتابع، وهو رجل الإعلام الأول الذي يواجه هذه الحملة المغرضة على مجتمعنا واستقرارنا وأمننا، وهو الأب الذي يتعاطف مع هؤلاء الآباء والإخوان والأمهات والأخوات والأقارب الذين يسلمون عليه وهم منتكسو الرؤوس خجلا من فعل ابنائهم، وضلالتهم وظلمهم لمجتمعهم، ولكن نايف بن عبدالعزيز يطلب منهم ان يرفعوا رؤوسهم ويعتزوا بانتمائهم إلى هذا الوطن، ولن يضرهم انضواء أحد هؤلاء الأقلية المضللة كونهم خرجوا من بيوت الوطن وأهل الوطن ومدرسة الوطن وجامعة الوطن ومجتمع الوطن، ولا تزر وازرة وزر أخرى.. هذا مايردده نايف بن عبدالعزيز ويحيي به القوم الذين يأتون إليه، ويباركون له ولرجاله هذه النجاحات الكبيرة التي تتحقق للأمن السعودي.. يهنئون له الجهد الأمني الهائل الذي منع الكثير من البلاء، وحجز الكثير من الويلات.. ويقف سدا منيعاً بإذن الله أمام محاولات العداء التي تحيط بنا، وهجمات الشر التي تلف بمجتمعنا.
* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - استاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود - الرياض
|