يقال إن الشباب ربيع العمر وهذا صحيح، ولكن ليس دائماً فربيع العمر - عندي - ليس ربيعاً ما لم يتحقق فيه العطاء والتألق والإنجاز.
فإن سألني سائل عن ربيع عمري العملي قلت له: إنه السنوات الإحدى عشرة التي قضيتها مع معالي الدكتور ناصر بن محمد السلوم - سلمه الله - عندما كان وكيلا لوزارة المواصلات، كنت أعمل مديراً عاماً لإدارة التعويضات في الوزارة، ورافقته في كثير من رحلاته وجولاته العملية.. تلك السنوات الإحدى عشرة التي مضت كأنها أحد عشر يوماً، تعلمت فيها الكثير والكثير، ولست في مجال الحديث عن نفسي وعما تعلمته، إنما رغبتي هنا في حديث يسير عن الدكتور ناصر السلوم الذي حُبب إليه العمل وأُعطي الجلد عليه، فكان يصل تعب الليل بتعب النهار، يجهد جسمه لترتاح نفسه، متنقلا من مكان إلى مكان، ومن مشروع إلى مشروع، يسأل، ويتابع، ويتفقد، ويوجِّه، ويعدِّل.
كثيرون غيري ممن عملوا مع الدكتور السلوم رأوا هذا الجانب العملي في شخصيته لكن ربما قليلون هم الذين رأوا فيه الجانب الإنساني فهو - على عكس المعدات الحديدية القوية التي يباشرها - رقيق المشاعر، صافي الإحساس، عميق الإنسانية.. ما أندر هذا التقابل بين مدحلة الأزفلت الثقيلة والبلدوزر العنيف، والرافعة القوية وبين القلب الرقيق، والمشاعر الشفافة والتواضع الصادق!!
لم يكن ناصر السلوم ممن يطرب لعبارات المديح، ولا تستهويه جمل الإطراء، كان صادقاً في أقواله، متقناً لأفعاله، ولم يكن يرى غير الصدق في من يتعاملون معه لذلك فالتعامل معه سهل ميسر.
كان (فزّاعاً) لكل من يراه محتاجاً إلى أي أمر من أمور الحياة، ولا يلحق عمله هذا بمن أو أذى، بل كان في كثير من الأحيان يحاول ان يتوارى عمن يفعل لهم أي معروف وكأنهم هم صانعو المعروف له.
كان مقلاً في خطبه وخطاباته لانشغاله بالمشاريع الفعلية التي نشاهدها على الواقع، هذه المشاريع العملاقة هي ما أنجزه ناصر السلوم بالإمكانات المتاحة له.
بعض الناس يأخذون على الدكتور السلوم أنه لم يسلك طرقاً متعرجة لتحقيق أهدافه الخاصة، ولم يحسن دخول أنفاق التملق، ولم يركب جسور المصلحة الشخصية!! والحق معهم في هذا فقد أخفق في تلك الأشياء جميعاً.
لقد كان الدكتور ناصر - وما زال - منجماً من الخبرات التي اكتسبها على مدى سنوات طويلة، ولذلك فليس من السهل ان يغادر رجل بحجمه دون ان يترك بعده فراغاً كبيراً وهو من شهد له كل منصف بأنه رجل متميز في إنجازاته، التي تتحدث عن نفسها. لقد استثمر الدكتور ناصر ثقة ولاة الأمر فيه أفضل استثمار، وترجمها إلى واقع ملموس منذ بداية عمله في الوزارة مهندساً ميدانياً، إلى ان تسلَّم ذروتها ونال الثقة الغالية ليصبح وزيراً للوزارة التي عشقها وأحبها أكثر من حبه وعشقه لبعض أهله وعشيرته الأقربين.
ان ترك هذه الخبرات التي حان وقت حصادها دون استثمار يعتبر خسارة وطنية كبيرة.
لقد دخل ناصر السلوم الوزارة نظيفاً وتركها نظيفاً، ولم تتلطخ بثوبه نقطة (زفت) واحدة!
ان الحديث عن الدكتور السلوم طويل متشعب لابوصفه فرداً ولكن بوصفه أنموذجاً للرجل الذي إذا عرفته فلن تنساه.
|