Friday 20th june,2003 11222العدد الجمعة 20 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في محاضرة عن «فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها» د. محمد الدريعي: في محاضرة عن «فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها» د. محمد الدريعي:
ظاهرة التكفير مصيبة كبرى.. وبعض حملة العلم الشرعي وظفوا علمهم لإثارة الفتن..!!

* كتب - مندوب «الجزيرة»:
نبه فضيلة الشيخ محمد بن حسن الدريعي الاستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المسلمين إلى أهمية تدارس مسألة الفتن تدارساً علمياً بقواعد الشريعة، والنصوص الصريحة والصحيحة من الكتاب والسنة، حتى نصل - بفضل الله وعونه - إلى معرفة الطريق الصحيح الذي إذا سلكناه سلم لنا ديننا ودنيانا واخرانا، وصرنا بحق خير أمة اخرجت للناس، او من خير امة اخرجت للناس، وتحقق لنا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، حيث قال تعالى: {وّعّدّ الله الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ الّذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً وّلّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ الذٌي ارًتّضّى" لّهٍمً وّلّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا العًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا}، كما يتحقق لنا الوعد في الآخرة بقوله سبحانه:{وّمّن يٍطٌعٌ اللهّ وّالرَّسٍولّ فّأٍوًلّئٌكّّ مّعّ الّذٌينّ أّنًعّمّ اللّهٍ عّلّيًهٌم} الآية.
وقال فضيلته في محاضرة ألقاها مؤخراً بجامع الأمير عبدالله بن محمد في حي عتيقة بمدينة الرياض تحت عنوان:« فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها» إذا عرفنا ذلك أدركنا ان رحمة الله - جل جلاله - قد تمت بإنزال القرآن، وإرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى نعبد الله على بصيرة، وحتى نسلم من كل المكروهات، والمنغصات التي تحدث بسبب البعد عن الله - جل جلاله - ، وعن هدي نبيه - عليه الصلاة والسلام -.
وأكد فضيلته أن مسألة الفتن تحتاج من الجميع أن يعرفه كل في مجاله، وكل حسب مقامه في هذه الحياة، العالم في علمه، والحاكم في سلطانه، والمربي في مجاله، ورب الاسرة في بيته، والامة في مجموعها بعضها مع بعض، والامة المسلمة مع غيرها، ومن ثم تصبح الحالة امامنا معروفة النتائج عندما يتحمل كل مسؤوليته وواجبه.
وحذر الشيخ الدريعي من أن الكفار يسعون لزرع الفتن في أرض المسلمين بسبب أن الإسلام لو استقر في أرض المسلمين على وجهه الحقيقي بتوحيد خالص، وعمل صالح، وخلق فاضل، ومعاملات عادلة ما وجدت الفتنة إلى العالم سبيلاً ابداً، سلام ووئام خذ ما لك، وأعط ما عليك هذا هو شأن المسلم مشيراً إلى أن المؤمن في الإسلام لا يصدر عنه سب ولا شتم، ولا حسد، ولا بغضاء، ولا تنازع، ولا تنافر، ولا تحاسد، ولا تفاضل، بل إخوة متحابون كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» والكفار بكفرهم تشيع بينهم كل الفتن، وهل أعظم من فتنة في الدين مثلما هي فتنة النصارى الذين يقولون: {إنَّ اللّهّ ثّالٌثٍ ثّلاثّةُ} ، ويقولون {المّسٌيحٍ ابًنٍ اللهٌ }، وهل هناك فتنة أعظم من مقولة اليهود بحق رب العالمين:{إنَّ الله فّقٌيرِ وّنّحًنٍ أّغًنٌيّاءٍ}، هل أكثر من هذا الشر الذي قام بينهم وفيهم؟، وصدق الله في قوله:{تحًسّبٍهٍمً جّمٌيعْا وّقٍلٍوبٍهٍمً شّتَّى"} ، اما المؤمنون فقلوبهم متلاقية، قال تعالى:{وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} ، بأي سبب؟، بالإيمان، والاعتصام بالقرآن وهدي النبي -عليه الصلاة والسلام -.
ولم يستغرب فضيلته أن يهاجمنا الكفار في ديننا، واموالنا، واعراضنا، واوطاننا، وفي أي شأن من شؤون حياتنا، لكنه قال: الغريب كل الغرابة أن نجد أن الفتنة تصدر عن اناس يّدعون الدين، محذراً من ان اخطر مظاهر الفتنة في مجتمع المسلمين السماح للديانات او العقائد المدمرة لعقيدة التوحيد بأن تظهر، ومشيراً - في ذات الوقت - إلى أن هناك ثلاثة اوجه كلها تلعب في ارض المسلمين، تلعب لعبة خطيرة أدت إلى تمزق المسلمين وتفرقهم في العقيدة:
الوجه الأول: السماح بتعظيم الموتى دون الله، وهذه مصيبة مجتمعات المسلمين اليوم، حتى انهم من تعظيمهم لهؤلاء جعلوا قبورهم في أماكن عبادة الله في المساجد، وهذه فتنة في الدين لانها تشيع الشرك، وهذه كارثة من الكوارث التي وردت في المجتمع الإسلامي باساليب خطيرة، منها أن من انكر هذا الشرك صار عدواً لهم، ولا يقبل منه أي توجيه ونصح وارشاد.
- الوجه الثاني: من مظاهر الشرك في مجتمع المسلمين الا ما ستر ربي وهو مظهر شرك التحاكم او التحكيم، وهو أن هناك اناساً بل ان بعض المسلمين اصبحوا يجعلون التنازع او الرجوع في التنازع الى القانون الوضعي لا إلى الله ورسوله، والله جل جلاله قال: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا أّطٌيعٍوا اللهّ وّأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ وّأٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنكٍمً فّإن تّنّازّعًتٍمً فٌي شّيًءُ فّرٍدٍَوهٍ إلّى اللهٌ وّالرَّسٍولٌ إن كٍنتٍمً تٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ وّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ}، اذاً معنى ذلك ان التحاكم الى القانون الوضعي شرك، وكفر، وفسق، وظلم، قال تعالى: {وّمّن لَّمً يّحًكٍم بٌمّا أّنزّلّ اللهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الكّافٌرٍونّ } وقال تعالى {وّمّن لَّمً يّحًكٍم بٌمّا أّنزّلّ اللهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الظَّالٌمٍونّ} قال: جلا وعلا: {وّمّن لَّمً يّحًكٍم بٌمّا أّنزّلّ اللهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الفّاسٌقٍونّ } وقوله تعالى: {أّفّحٍكًمّ الجّاهٌلٌيَّةٌ يّبًغٍونّ وّمّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللهٌ حٍكًمْا لٌَقّوًمُ يٍوقٌنٍونّ }، وقال المولى عز وجل: {فّلا وّرّبٌَكّ لا يٍؤًمٌنٍونّ حّتَّى" يٍحّكٌَمٍوكّ فٌيمّا شّجّرّ بّيًنّهٍمً ثٍمَّ لا يّجٌدٍوا فٌي أّنفٍسٌهٌمً حّرّجْا مٌَمَّا قّضّيًتّ وّيٍسّلٌَمٍوا تّسًلٌيمْا }.
وابان فضيلته أن هناك خمسة نصوص من القرآن الكريم توضح متى تكون الفتنة بالتحاكم إلى غير شرع الله، وذلك عندما يتجه الناس إلى حكم الطواغيت ويلغون الشريعة في الحكم في المرتدين، وفي الحكم في الدماء، وفي الحكم في الأموال، وفي العقول، وفي الاعراض، وفي الأنساب، وفي أحكام الأمن.
واسترسل فضيلته قائلاً: تكون الفتنة عندما لا يكون حكم الله مطبقاً في الغني والفقير، والقوي والضعيف، والوجيه والصعلوك، كل في عدل ميزان الله سواء، مستعرضاً قصة المرأة المخزومية التي سرقت وحكم عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها، مستشهداً بقوله - عليه الصلاة والسلام - لأسامة بن زيد:« أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
وأبان فضيلته قائلاً: أنه اذا طرح شرع الله، ساد الفساد في الأرض، وسرقت الاموال، وهتكت الاعراض، وشربت الخمور، واستعملت المخدرات، واختل الأمن، وزاد البغي والظلم، ولم يرع حق من حقوق الإنسان لا مسلماً ولا كافراً، اما في ظل الإسلام، فحتى غير المسلمين لا يجوز لنا أن نتعدى على حقوقهم ما داموا معنا على عهد وأمان، قال الله تعالى:{وّلا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ عّلّى" أّلاَّ تّعًدٌلٍوا اعًدٌلٍوا هٍوّ أّقًرّبٍ لٌلتَّقًوّى"}، وقال: {لا يّنًهّاكٍمٍ اللّهٍ عّنٌ الذٌينّ لّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً فٌي الدٌَينٌ وّلّمً يٍخًرٌجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً أّن تّبّرٍَوهٍمً وّتٍقًسٌطٍوا إلّيًهٌمً إنَّالله يٍحٌبٍَ المٍقًسٌطٌينّ }، اذاً فالداء المولد للفتن في الأرض، ان تلغى شريعة الإسلام، والتدابير الآن تحاك لإلغاء الشريعة الإسلامية، في أرض المسلمين - فتحاك التدابير والمؤامرات على شرع الله، وعلى أموال المسلمين، واعراضهم، واوطانهم.
- الوجه الثالث: من مصادر الفتنة في الأرض، يسترسل فضيلته قائلاً: مع الأسف الشديد اننا نرى رواجاً له في مجتمعات المسلمين إلا ما سلم ربي، ذلكم أن الكهان، والسحرة، والمنجمين، واصحاب الخرافات، صارت لهم كلمات، وصار لهم ترويج في الصحف ، والمجلات، وربما في وسائل إعلامية اخرى، وفتنة في الدين تكون في التخلية بين الساحر وسحره، والكاهن وكهانته، والمنجم وتنجيمه، واقرأوا في الصحف وهي تنشر لك قراءة الكف، والسحر والكهانة، وهذا كلام عجيب، الله جل جلاله لم يدع الكلام عنهما في تاريخيات، وقصص تاريخية، وذكرنا في القرآن بأن السحر فتنة في سورة البقرة، قال تعالى {إنما نّحًنٍ فٌتًنّةِ فّلا تّكًفٍرً} فيما اتصل بقضية السحر والسحرة، مع هذا كله فكم جاءت مواعظ واقعية لإثارة الفتنة في الارض عن طريق التشكيك في علام الغيوب.
وواصل الشيخ الدريعي القول: ولذلك نجد ربنا - جل جلاله - يسمي ديننا الذي هو دين الله بأنه دين الإسلام قال الله تعالى: {إنَّ الدَينّ عٌندّ الله الإسًلامٍ}، والإسلام من السلامة من كل مكاره الحياة في الدنيا والآخرة، والإسلام من الاستسلام والانقياد لشرع الله الحكيم كتاباً وسنة، ولذلك نجد أن الإنسان بمجرد أن قام يمشي على قدميه على الأرض قام بجانبه الشيطان، والشيطان رمز لكل طاغوت جبار متعنت لا يريد الخير لهذا الإنسان لا في الدنيا أمناً وسلاماً، ولا في الآخرة فوزاً بالجنات، جنات النعيم، ولذلك اخبر الله - عز وجل - عن هذا الامر بقوله :{وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّا لٌكٍلٌَ نّبٌيَُ عّدٍوَْا شّيّاطٌينّ الإنسٌ وّالًجٌنٌَ} ، وهذا العدو همته وعمله، وجهده الجهيد، هو صد الإنسان وصرفه عن اسباب السعادة والحياة الكريمة، ولذلك حتى لا يفهم البعض، او يفهم احد من الناس أن الشيطان ممثل في شيطان الجن وهو أبليس وجنوده، بل إن من الإنس شياطين وربما كان تأثيرهم في حياة الناس أشد من تأثير شيطان الجن، ولذلك تجدون ان الله جمع الاعداء في هذين العنصرين شياطين الإنس والجن وبدأ بشياطين الإنس قبل شياطين الجن، حتى يتنبه المجتمع والافراد في الإسلام إلى عدوهم من هو.
وبين فضيلته أن الفتن لم تكن في هذا العصر خاصةً، لكن الغريب والعجيب أن فتن هذا الزمان تجيء في وقت الناس فيه اوسع علماً بعلوم الدنيا وعلوم الدين في آن واحد، - سبحان الله - الدنيا الآن تعج بفنون المعارف في كل مجال، وفي كل فن من فنون الحياة، في هذا الزمان العلم فيها قد كثر لا بل اقول والفقه في دين الإسلام والعلم بأحكامه ومعرفة عدل الله في الشرع فيه الآن متخصصون كبار وعلماء فقهاء الى درجات، مشيراً إلى أن بعض فئات النصارى عندما دعت الحاجة إلى أن يعبر عن علاقته بفقه الإسلام، قال: إنه يحفظ كتاباً كله لابن قدامة، كما يحفظ احدكم سورة الفاتحة - سبحان الله - لماذا تتعلمون الإسلام وانتم نصارى، حتى يستغلوا فرصة جهل كثير من المسلمين بفقه الإسلام، ويروجوا لفكرهم الخبيث الظالم وعندئذ تلغى شريعة الله، وتوقف عن التحاكم والحكم، ويبقى الحكم لقانون الشيطان، وقوانين اليهود والنصارى، والمشركين.
واوضح الشيخ الدريعي أن مسألة الفتنة هي مسألة متتابعة الحلقات، والذين يتولون نشر الفتنة في الدين، وترويج الفساد في الأرض، والعمل على إثارة القلاقل في أرض المسلمين خاصة، لم يكتفوا أن يكونوا مجرد كفار معلنين، كاليهود، والنصارى، والمشركين، والشيوعيين لا بل لقد تولى لذلك أناس ممن يتقمصون ثوب الإسلام وينتسبون إلى الدين الحق وهو منهم براء، ولكنهم طواغيت تظهر حقيقة امرهم في اوقات الفتن والحروب والملاحم، ويتضح انهم فعلاً براء من الإسلام، والا لماذا يرضون الهزيعة على امة الإسلام في عقيدتهم، واخلاقهم، وامنهم واستقرارهم، ومعايشهم؟ متسائلاً لماذا يهيئون الفرص للكافرين حتى يضربوا ضربتهم القاضية في ارض الإسلام؟ ، وصدق الله العظيم في قوله: {أّلّمً تّرّ إلّى الذٌينّ نّافّقٍوا يّقٍولٍونّ لإخًوّانٌهٌمٍ الّذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً أّهًلٌ الكٌتّابٌ} الآية .
واضاف فضيلته قائلاً: والله لكأن هذا القرآن ينزل الآن ويكشف لنا عن سر من اسرار هذا الإنسان، إنسان يزعم أنه من المسلمين، وانه يعتز بالإسلام وبأرض الإسلام، ولكنه يحفر الحفرة العميقة تحت اقدام امة الإسلام، ويفرح إذا ارتد من ارتد عن الإسلام او على الاقل اذا وجد المسلمين قد تمزقوا وتفرقوا في عقيدتهم وفي عبادتهم وباخلاقهم، وفي معاملاتهم، في نظامهم السياسي وفي علاقاتهم الاجتماعية ونظمهم الاقتصادية، وفي فكرهم، وشؤون حياتهم، ويفرح ويطرب ويقول الآن اتضحت سياسته هو وامثاله من المنافقين يدعون الى الخروج من الدين باسم الحرية، والديموقراطية، والعادات الاجتماعية، والمساواة، هذه حقيقة لا يجوز لنا أن نغمض عنها اعيننا.
واكد الشيخ محمد الدريعي أن مسألة الفتنة اليوم مسألة لا تأتينا الا من طريق الكافرين فقط، لان الكافرين لهم يد طولى في بث الفتنة والشر في مجتمع المسلمين، وبيتوا نية عزل المسلمين عن سر امنهم، واستقرارهم، وسلامتهم، والذي هو كتاب الله، قال تعالى:{وّقّالّ الذٌينّ كّفّرٍوا لا تّسًمّعٍوا لٌهّذّا القٍرًآنٌ وّالًغّوًا فٌيهٌ لّعّلَّكٍمً تّغًلٌبٍونّ }، محذراً الامة الاسلامية اذا انفردت انصرفت عن القرآن، وانصرفت عن السنة النبوية المباركة، انصرف عنها الخير كله، وهذا يؤكده قول الله تعالى:{وّمّن يٍشّاقٌقٌ الرّسٍولّ مٌنً بّعًدٌ مّا تّبّيَّنّ لّهٍ الهٍدّى" وّيّتَّبٌعً غّيًرّ سّبٌيلٌ المٍؤًمٌنٌينّ نٍوّلٌَهٌ مّا تّوّلَّى" وّنٍصًلٌهٌ جّهّنَّمّ وّسّاءّتً مّصٌيرْا }.
وشدد فضيلته على أن الذي يقاطع هدي الرسول، ودينه الذي جاء به من عند ربه تحصل له العقوبات، والكوارث، والفتن من كل مجال، ومن كل مكان، ومن كل جهة ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم:« يوشك ان تداعى عليكم الأمم من كل افق كما تداعى الأكلة الى قصعتها، قالوا: اومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال: لا.. انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهانة من قلوب عدوكم ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله قال: حب الدنيا وكراهية الموت»، متسائلاً فضيلته لماذا يحبون الدنيا ويكرهون الموت؟ لان الدنيا هي غاية همهم في هذه الدنيا.
واشار الشيخ الدريعي الى أن الرجال، والنساء، والاطفال يتسابقون للحصول على حظوظ الدنيا ولكن اذا ذكر الموت لهم اشمأزوا وكرهوا الموت، وهذه مصيبة، لا تعرف عند إنسان عرف الله، وعرف بر الله في خلقه، وعدل الله في عباده لا يمكن أن يكره الموت طبعاً، لانه يعتقد انه يخرج من هذه الدنيا، وقد سعد فيها بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، وسلك المسالك الخيرة، ورفض الفتن، والشرور، فهو ينتظر تلك الساعة التي يبشر فيها بالامر يوم القيامة والسعادة بدخول الجنة، كما قال الله تعالى: {إنَّ الذٌينّ قّالٍوا رّبٍَنّا اللّهٍ ثٍمَّ اسًتّقّامٍوا تّتّنّزَّلٍ عّلّيًهٌمٍ المّلائٌكّةٍ أّلاَّ تّخّافٍوا وّلا تّحًزّنٍوا وّأّبًشٌرٍوا بٌالًجّنَّةٌ التٌي كٍنتٍمً تٍوعّدٍونّ }، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :« من احب لقاء الله احب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه».
وابان فضيلته ان المؤمن لا يكره الموت، اما غير المؤمن فهو اشد كرهاً للموت لانه يعرف أن مصيره اسود اذا قام بين يدي رب العالمين وسأله وهو اعلم، قال تعالى:{مّاذّا أّجّبًتٍمٍ پًمٍرًسّلٌينّ} وقال تعالى: {فّلّنّسًئّلّنَّ الذٌينّ أٍرًسٌلّ إلّيًهٌمً وّلّنّسًئّلّنَّ المٍرًسّلٌينّ } اذاً معنى ذلك ان قضية الفتنة وصدرها وبلاءها ما جاءنا من طرف واحد حتى نقول هذه طبيعة الكافرين، والكافرون لا يريدون للامة خيراً، قال تعالى:{وّدٍَوا لّوً تّكًفٍرٍونّ كّمّا كّفّرٍوا فّتّكٍونٍونّ سّوّاءْ}.
واستنكر فضيلته من الذي يدعي بعلم الغيب سواء الكاهن، ام الساحر، ام المنجم، كلهم كذبوا، والصدق هو علم الغيب لله رب العالمين قال تعالى: {إنَّ اللّهّ عٌندّهٍ عٌلًمٍ السَّاعّةٌ وّيٍنّزٌَلٍ الغّيًثّ وّيّعًلّمٍ مّا فٌي الأّرًحّامٌ وّمّا تّدًرٌي نّفًسِ مَّاذّا تّكًسٌبٍ غّدْا وّمّا تّدًرٌي نّفًسِ بٌأّيٌَ أّرًضُ تّمٍوتٍ إنَّ اللهّ عّلٌيمِ خّبٌيرِ}، متسائلاً: لماذا هذه الامور ظاهرة في مجتمع المسلمين؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر امته من فتنة السحر والسحرة، وينهى عن الذهاب الى الساحر والكاهن، بل انه - صلى الله عليه وسلم - بين ان من اتى عرافاً، او كاهناً فسأله بما لم يعلم فصدقه بما يقول كفر بما انزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نقرأ كيف نعالج السحر بالذهاب الى رب العالمين بقراءة كتابه، والرقية الشرعية، واستعمال الوسائل المباحة لحل السحر، محذراً من ان اخطر مظاهر الفتنة في المجتمع هو ان الدين اصبح اهون شيء عند كثير من الناس، ومثل على ذلك بانتشار ظاهرة التعامل بالربا، والله يقول:{يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللهّ وّذّرٍوا مّا بّقٌيّ مٌنّ الرٌَبّا إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ فّإن لَّمً تّفًعّلٍوا فّأًذّنٍوا بٌحّرًبُ مٌَنّ اللّهٌ وّرّسٍولٌهٌ وّإن تٍبًتٍمً فّلّكٍمً رٍءٍوسٍ أّمًوّالٌكٍمً لا تّظًلٌمٍونّ وّلا تٍظًلّمٍونّ }.
وحول اثر الاعتقاد الصحيح في حملة العلم الشرعي حتى لا تكون فتنة، اوضح الشيخ الدريعي: ان هناك أناسا تعلموا وتثقفوا لكن استعمل بعضهم علمه في إثارة الفتنة في المجتمع الإسلامي، فظهرت ظاهرة التكفير، حتى أن بعض الناس يكفر شارب الدخان، ويكفر حالق لحيته، ويكفر من وقع في معصية من المعاصي التي هي من الكبائر دون الشرك الاكبر، وظهرت طوائف الخوارج في كل مكان الا ما سلم ربي، والخوارج وعقيدتهم القول بتخليد صاحب الكبيرة في النار، فكل من ارتكب كبيرة من زنا، او خمر، او ربا، او غيره اقحموه في النار، وقالوا: هو من اهل النار - لا - يصلى عليه ، ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين، واين هم من القرآن الذي يقول الله فيه:{إنَّ اللّهّ لا يّغًفٌرٍ أّن يٍشًرّكّ بٌهٌ وّيّغًفٌرٍ مّا دٍونّ ذّلٌكّ لٌمّن يّشّاءٍ}، ولا شك ان ظاهرة التكفير مصيبة من المصائب التي ادت الى وجود اثر خطر لفتنة العلم في المجتمع، العلم الذي لم يؤخذ من مصادره الصحيحة، والعلم الذي لم يولد في صاحبه خشية الله كما قال تعالى: {إنَّمّا يّخًشّى اللهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ العٍلّمّاءٍ} .
وتساءل فضيلته أين خشية الله في هؤلاء فيمن يزعم العلم، ويدعو الى الفتنة والحرب لكل من خالفه في الفكر والمنهج؟، مشيراً الى أن هناك من طالب بالخروج على ائمة الإسلام بدعوى أن هناك بعض المعاصي ظاهرة، وهل كانت المعاصي تختفي بوجود اصلح الناس على دفة الحكم لو كان كذلك لما وقع الزنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا وقعت الجريمة، ولا اظهر المنافقون رؤوسهم في عهده - عليه الصلاة والسلام -.
كما حذر فضيلة الشيخ محمد الدريعي من فتنة العلم، وقال: من اخطر الفتن بسبب العلم، الاغترار الذي يجعل صاحبه لا يستمع الى مناقشة هادئة هادفة لاعادة الحق الى نصابه - لا - هذا هو قلنا وكفى، ائمة الإسلام الكبار بعد اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ابو حنيفة، مالك، الشافعي، احمد بن حنبل» يقول احدهم:« اذا رأيتم كلامنا يوافق الحق من كلام الله وكلام رسوله، والا فاضربوا بكلامنا عرض الحائط «اي لا تقدموا آراءنا على قال الله، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه فتنة خطيرة في عالمنا المعاصر، انا يتسنمون مناصب العلم لكنهم يحاولون ان يجعلوا المداخل على المسلمين بسببب تشبثهم بآراء ولو كانت مخالفة لقول الله تعالى، وقوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى: {فّلًيّحًذّرٌ الّذٌينّ يٍخّالٌفٍونّ عّنً أّمًرٌهٌ أّن تٍصٌيبّهٍمً فٌتًنّةِ أّوً يٍصٌيبّهٍمً عّذّابِ أّلٌيمِ} مشدداً على خطورة ظاهرة التعصب للرأي ولو كان غير صائب او تجهيل العالم عندما يكون متمسكاً بحقيقة الإسلام وتعاليمه ويزهد في الدنيا، ويترفع عن السفهاء فلا يناقشهم ولا يرد عليهم فيما يقولونه في شخصه لان معه القرآن، قال تعالى: {وّإذّا خّاطّبّهٍمٍ الجّاهٌلٍونّ قّالٍوا سّلامْا }.
وحذر الشيخ الدريعي من أن مسألة العناية بتصفية العقيدة من الادران والشرور، والبدع، والخرافات اصبحت مسألة الآن ثانوية، وقال: إن هناك من يسعى الآن الى تغيير مناهج التعليم في مسائل العقيدة، والعبادة، والسلوك، حتى يكتفي بمجرد الانتماء للإسلام ولو لم يصلّ، ولو لم يصم، ولو لم يحجّ، ولو لم يكن صالحاً في اخلاقه ومعاملاته، المهم انه من يقول لا إله الا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة، اقول بلى قرأناه وعرفناه، وصدق رسول الله وكذبتم ايها المحرفون، لان كلمة خالصاً من قلبه لا يسمح قلبه لبدعة تظهر، ولا كفر يعلن، ولا فريضة تسقط، ولا نافلة يستخف بها، فضلاً عن ان يقال: دعوه وشأنه، فانتبهوا! ثم ايضاً بحث علماء الاصول مسألة العام والخاص، والمطلق، والمقيد، والمنطوق، والمفهوم، اين هذه القواعد حتى تطبق على هذه النصوص، ويظهر الباحث بنتيجة وتشرح معالم الدين للناس حتى لا يكونوا في ريب وشك وتردد.
كما أكد فضيلته أن من أخطر مظاهر الفتنة في هذا الزمان، مظهر تبرج النساء وتمرد كثير منهن على دين الإسلام، مشيراً إلى أن هناك الدعايات والدعوات والاساليب التي تجعل المرأة تقول الآن استيقظت، وادركت ان لها حقوقا ضائعة وأنها مهانة ومدمرة، حتى جاء هؤلاء الفجار يضلونها عن الدين ويدعونها للتحرر من ضوابط الدين واخلاق الاسلام، وينادونها تارة بالتبرج والسفور، وتارة بالخروج للعمل بجانب الرجال، وتارة بقيادة السيارة باسمها شخصياً، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قول:« لن يفلح قوم ولّوا امرهم امرأة»، وتقول المرأة اننا اذا قلنا: إن هذا الاسلوب اسلوب التمرد على الدين انه يعني اذلالها، واهانتها - لا - والله اننا نرحمك مثلما نرحم أنفسنا، ونحب لك الخير مثلما نحب لانفسنا مستشهداً بقول رسول الله: « لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه».
وابرز فضيلته ان المرأة في الإسلام معظمة الحقوق والواجبات، وقال: يكفيكم أن تقفوا على آية واحدة من كتاب الله جمعت بين الرجل والمرأة في عشرة امور وكلها صمام امان في الدنيا والدين وهي في سورة الاحزاب، قال تعالى: {إنَّ المٍسًلٌمٌينّ وّالًمٍسًلٌمّاتٌ وّالًمٍؤًمٌنٌينّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٌ وّالًقّانٌتٌينّ والًقّانٌتّاتٌ وّالصَّادٌقٌينّ وّالصَّادٌقّاتٌ وّالصَّابٌرٌينّ وّالصَّابٌرّاتٌ وّالًخّاشٌعٌينّ وّالًخّاشٌعّاتٌ وّالًمٍتّصّدٌَقٌينّ وّالًمٍتّصّدٌَقّاتٌ وّالصَّائٌمٌينّ وّالصَّائٌمّاتٌ وّالًحّافٌظٌينّ فٍرٍوجّهٍمً وّالًحّافٌظّاتٌ وّالذَّاكٌرٌينّ اللّهّ كّثٌيرْا وّالذَّاكٌرّاتٌ أّعّدَّ اللهٍ لّهٍم مَّغًفٌرّةْ وّأّجًرْا عّظٌيمْا } آية محكمة، لم تغير ولم تبدل، آية محفوظة في كتاب الله، عشر صفات لا يمكن لاي مثقف في عالمنا المعاصر ان يأتي بواحدة من هذه العشرة مطبقة في حق المرأة في اوروبا وامريكا وغيرها من العالم.
واوضح فضيلته أن من اسوأ مظاهر الفتنة في مجتمعنا الا يفرق بين الجلساء الصالحين والجلساء الفاضحين والمجرمين، وهذه خطيرة جداً، وقال إن من مظاهر الفتنة في هذا الزمان استغلال نفوذ المناصب عند كثير من الناس مع الاسف الشديد، وتقريب الفساق وابعاد الاخيار، وهذه مصيبة من مصائب هذا الزمان - والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن امارات الساعة قال: «إذا وسد الامر الى غير اهله فانتظروا الساعة»، من هم غير اهله؟ المرقة من الدين، المرقة من الاخلاق، الذين لا يقيمون وزناً لا للجنة، ولا للنار، ولا للفضيلة، ولا للرذيلة، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، قال تعالى:{فّمّن شّاءّ فّلًيٍؤًمٌن وّمّن شّاءّ فّلًيّكًفٍرً إنَّا أّعًتّدًنّا لٌلظَّالٌمٌينّ نّارْا أّحّاطّ بٌهٌمً سٍرّادٌقٍهّا} الآية.
واسترسل فضيلته قائلاً: اذاً عرفنا منابع الفتنة، ومواطن الفتنة، ومظاهر الفتنة، واخبار الفتنة، عندما يبعد الدين، ويبعد الاخيار عندئذ لا تسل ما سبب هذا القتل؟ ما سبب هذا الظلم والعدوان والسطو على البيوت، والاحقاد بين الناس؟ السبب كله ينشأ عن هذه المصادر الشريرة في الفتنة، فتنة جهل في الدين، تفرق فيه، فساد في بعض العلماء، فساد في بعض الولاة الذين يتولون الامور ويستغلونها لاظهار باطلهم، واسقاط الحق امام الناس.
وتساءل فضيلته، كيف ننجو من هذه الفتن؟ واجاب قائلاً: ان السبيل للنجاة تتمثل في خمسة امور، الامر الاول الاعتصام بالقرآن الكريم والسنة النبوية المباركة، ومعنى الاعتصام بهما التمسك بهما، والرجوع اليهما فيما دق وجد وفيما صغر وكبر رجوع الى الكتاب والسنة، الامر الثاني معرفة مصادر الفتنة، ومن اين جاءت هذه الفتنة، من اي طريق؟ اذاً لابد من معرفتها كي نغلق الباب امامهما، معرباً عن اسفه الشديد في ان هذا غير متحقق في كثير من المسلمين، الامر الثالث الاجتماع على الدين الحق، اجتماع على الكتاب والسنة، والصبر مع اهل السنة والجماعة بمحاربة المبتدعات والخرافات، الامر الرابع اقامة شريعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخّيًرٌ وّيّأًمٍرٍونّ بٌالمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍفًلٌحٍونّ } الامر الخامس معرفة مكايد المجرمين من الكفار «يهود، ونصارى ومنافقين، ومبتدعين، وعصاة متمردين»، معرفة حقيقية بمكائدهم، وتخطيطاتهم، وتدابيرهم الشريرة ضد امة الاسلام في دينها ودنياها.
وخلص فضيلته الى القول: ان هذه هي الامور الخمسة التي - باذن الله - هي صمام امان للسلامة من الفتن، ولقد جربنا بفضل الله وحمده وكرمه مقاطعة اسباب الفتنة في هذه البلاد المباركة عندما طبقت فينا شريعة الله، واطعنا الله ورسوله واولي الامر في طاعة الله ورسوله، وتصافت القلوب والنفوس مع ولاة امرنا الذين لا يبيتون لامتهم الا الخير والصلاح، وجربنا هذا واضحاً جلياً فيما بين هذه الامة في هذه البلاد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved