منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بآخر رسالة عنده لأن الله ختم به النبوة والجدال قائم بين أصحاب الديانات الأخرى، وخاصة اليهود والنصارى الذين سماهم الله : أهل الكتاب، لانهم يدّعون الحق، ويكذبون الرسالة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، من عند ربه ليجدّد بها ما اندرس من دين الله وما أدخل عليه من افتراءات وكذب..
وقد كثر الجدل، وخاصة عند من درسوا في ديار الغرب، وتأثروا بأفكارهم من ابناء المسلمين، الذين حصل لديهم بلبلة فكرية، وتشكيك لضعف المستوى العلمي الشرعي عندهم، فنشأ عن ذلك مدرسة فكرية عقلية: بدأت بالارهاصات والتأثر، ثم تكون المدرسة العقلية، فأفرزت هذه المدرسة الفكرية أفكارا يراد منها نشأة فكر عقلي، يباعد المسلمين عن مصدرهم الحقيقي.. عقليا وجدليا.. وهو القرآن والسنة، واحلال العقل في العقيدة والعمل، بدلا منه.
ولهذا كان من مهمة المفكرين من ابناء الاسلام تكوين مدرسة فكرية تنبع من تعاليم الاسلام وتشريعاته تضاد المدرسة العقلية الغربية المستوردة ليكون من مهمة هذه المدرسة، ابانة مهمة العقل الحقيقية في منظور شريعة الاسلام.. دون ان يترك لهم فرض ما يريدون، كقضية مسلمة لا تقبل الجدل، حيث أبان الله عنهم رغباتهم التي لا يتزحزحون عنها، في قوله الكريم: {وّلّن تّرًضّى" عّنكّ اليّهٍودٍ وّلا النَّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً }. «البقرة 120» فهم مختلفون فيما بينهم، ولن تتحد الأديان على آراء البشرية وانما الاتحاد يتم على امر الله سبحانه.. الذي لا جدال فيه ولا تحريف ولا تبديل.
فالاسلام عندما نزل ترك لهم حرية دينهم، لم يعزلهم او يجفهم عن المجتمع الاسلامي: حيث اباح اكل طعامهم، وطعام المسلمين حل لهم، واباح للمسلمين التزوج بنسائهم المحصنات، فقد اعطوا معاملة خاصة لما عندهم من العلم حتى يألفوا الاسلام، الذي هو دين الله الحق الذي بعثت به الرسل من اولهم إلى آخرهم، ويعرفوا مكانته ومعالجته للأمور، ويحكموا عقولهم الصافية، وقلوبهم البعيدة عن التعصب، وليبحثوا عن الحق لذات الحق.. وبذا تقوم الحجة على من لم يستجب اليه.
وبالمعاملة الخاصة التي منحتها شريعة الاسلام، لاهل الكتاب، يتم التزاور والمؤانسة ما لم يستعملوا جهدهم في ابعاد المسلمين عن دينهم، او فرض ما لا تقره اوامر خير دين اختاره الله لعباده المخلصين وهو الاسلام الذي لا يقبل الله من البشر دينا سواه.
فقد اجتمع انبياء الله كلهم، بامامة محمد صلى الله عليه وسلم، حينما صلى به ليلة اسري به وهذا برهان على أهمية اجتماع الملل الاخرى على الديانة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من ربه : {مّا كّانّ إبًرّاهٌيمٍ يّهٍودٌيَْا وّلا نّصًرّانٌيَْا وّلّكٌن كّانّ حّنٌيفْا مٍَسًلٌمْا وّمّا كّانّ مٌنّ المٍشًرٌكٌينّ} آل عمران 67».
ويجب ادراك دعواتهم التي تتجدد في كل زمان ومكان، رغبة في اضعاف قوة المسلمين وجعلهم يركنون اليهم في مثل ما تم في العصر الحديث.
1- اللقاء الابراهيمي الذي تبناه جارودي وعقد بقرطبة عام 1987م، علما بأنه لم يكن جديدا، ولكنه قديم منذ بدأ طرح شبهاتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد ذكره في القرآن الكريم، ثم احيا هذا لويس سينيون الذي دعا الى ربط الاديان التوحيدية الثلاثة بالايمان الابراهيمي: فمن اشرك مع الله عيسى وعزير فهل غير موّحد.
2- ثم جاء مكسيم رودنسون استاذ العلوم التاريخية والسلالات في جامعة باريس في كتابه العرب، المنشور في باريس عام 1979م الموافق 1400هـ ليؤكد هذه النظرية.
3- اهتمام اليهود ودعوتهم للتقارب العرقي مع العرب، لانهم ابناء عم، فابراهيم يجمعهم نسبا، ويقولون كلنا نؤمن بأبراهيم.. مع ما في هذا من مغالطة بتكذيبهم انبياء الله وعداوتهم معهم، وقرابة النسب لا تنفع اذا اختلفت العقيدة.
4- دعا البابا قبل ربع قرن الى اجتماع عقد في روما للتقارب بين الأديان، وانبثق عنه مؤتمرات للمناظرة، بين المسلمين والنصارى حيث عقد المؤتمر الثاني في قرطبة عام 1979م - 1400هـ.. وتبع ذلك حوارات عديدة في اوروبا وامريكا، لكن تعدى الامر الحوار الفكري، والجدل المنطقي الى تسرب رجال الكنيسة المتعصبين في معتقداتهم وديانتهم، الى فرض، ما يوافق رغباتهم وما ساروا عليه، وطرح الفكر جانبا.
- وغير هذا من دعوات مثل: رسالة الايمان، والمؤمنون متحدون، والقداس الموحد، وتراتيل الايمان وغير ذلك مما يظهر هدفهم، وغاية مقصدهم، وهو ضرب الاسلام بالصميم واعتبار تعاليمه ارهابا وتفكيك عرى المسلمين واعتبار المدارس تعلم الارهاب، ودعوتهم الى حذف آيات من كتاب الله جل وعلا في الجهاد وفي بيان اعمال اهل الكتاب، لاهداف سياسية تبشيرية واقتصادية.
وهي خطة قديمة تتسع دائرتها كلما بانت لهم نقاط ضعف في الصف الاسلامي، أو اعوان يركنون اليهم، استمع الى ما قاله كبير المبشرين صموئيل زويمر، في مؤتمر الاستشراق المعقود بالقدس عام 1901م.. ولذا فان علينا أن نضعف الفكر عند المسلمين بطرح الشبهات، والرفع من مكانة وفكر من يوافقنا ويعجب بما عندنا، لنجعل العقول متهيئة لاخذ ما يطرح امامها، اعجابا بما عندنا، وزهادة فيما عندهم، حتى يشككوا في صحتها.
وفي هذا نوجه الكلمة لكل مسلم على وجه الارض.. هل ترضى ان تقول مثل اليهود.. ان محمدا ليس بخاتم الانبياء والمرسلين واننا سننتظر معكم ظهور نبي من العبرانيين كما يعتقدون ذلك.
وهل تتنازل عن عقيدتك بالوحدانية مع الله من اجل التقارب مع النصارى وارضائهم لتقول: إن الله ثالث ثلاثة ولذا يجب على كل مسلم ان يدعوهم الى ما دعاهم الله اليه، فان استجابوا حصل التقارب بالعقيدة قبل كل شيء وهذا هو قول الله في امره لنبيه {قٍلً يّا أّهًلّ الكٌتّابٌ تّعّالّوًا إلّى" كّلٌمّةُ سّوّاءُ بّيًنّنّا وّبّيًنّكٍمً أّلاَّ نّعًبٍدّ إلاَّ اللّهّ وّلا نٍشًرٌكّ بٌهٌ شّيًئْا } ال عمران 64.
أعلم بقريش من قريش:
جاء في كتاب عيون الاخبار لابن قتيبة: ان معاوية لما قدم المدينة منصرفا من مكة بعث الى الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن صفوان بن امية رضي الله عنهم جميعا، بهدايا من كساء وطيب وصلات من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كل رجل منكم، ما يرى ويسمع من الرد.
فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن عنده من الحاضرين: ان شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم، قالوا: أخبرنا يا امير المؤمنين.. قال: اما الحسن بن علي فلعله ينيل نساءه شيئا من الطيب وينهب ما بقي من حضره، ولا ينتظر غائبا.
واما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع ابيه في صفين، فان بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللين.
واما عبد الله بن جعفر فيقول: يا يديح اقض به ديني، فان بقي شيء فأنفذ به عدائي، واما عبد الله بن عمر فيبدأ بفقراء عدي بن كعب، فان بقي شيء ادخره لنفسه، ومان به عياله.. واما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبح فلا يلتفت اليه، ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته خذوا من رسول معاوية ما بعث به، وصله الله، وجزاه خيرا، لا يلتفت إليها، وهي أعظم في عينه من أحد، ثم ينصرف الى اهله، فيعرضها على عينه، ويقول: ارفعوا لعلي اعود بها على ابن هند يوما ما.
واما عبد الله بن صفوان، فيقول: قليل من كثير، وما كل رجل من قريش وصل اليه كهذا، ردوا عليه، فان رد قبلناها فرجع رسله من عندهم، بنحو مما قال معاوية، فقال معاوية: أنا ابن هند، أعلم الناس بقريش من قريش «3: 40».
|