بعدما أسدل الظلام ستاره ونثر القمر خيوطه وأنامله.. تذكرت حزن وبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه ابراهيم ومقولته الشهيرة «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول ما يجزع الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون وإنا لله وإنا إليه لراجعون».
تذكرتك يا من كنت تحملين بين جنبيك قلبا مفعما بالحب
والود لكل الناس.. وتملكين عاطفة جياشة فما أن تسمعي بمريض أو وفاة شخص إلا ودموعك تغرغر في عينيك..
تذكرتك أيتها الصالحة الصائمة القائمة المملوء قلبك بالإيمان والوجل من الله جل شأنه.. الحافظة لأسمى الكتب وأعظمها..
سائرة وراء قوله صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» فحسب إفادة والدي لي أنك نظمت في منزلك المتواضع حلقة لتحفيظ وتعليم كتاب الله..
منذ صغري وأنا أرى فيك حنواً عجيباً.. وحضناً دافئاً.. حضنك الذي كثيراً ما ألجأ إليه.. عند شعوري بالحزن والضيق.. فرؤية ابتسامتك وكلماتك الرقيقة.. تخفف عني جزءاً من الهم.. وأكثر ما يبهجني ويفرح قلبي عندما ترفعين يديك الكريمتين وتطلبين من الله أن ييسر لي أمري وتدعين لي بالتوفيق والصلاح..
كنتِ أيتها العظيمة مثالاً كبيرا للأم الحنون.. فزوجك توفي وفي عنقك خمسة أطفال ذكور، واجهتِ الصعاب في سبيل توفير لقمة العيش لهم وتربيتهم على الأخلاق الحميدة.. وتنشئتهم نشأة صالحة.. إلى أن أصبحوا رجالا صالحين يشار إليهم بالبنان.
عطفك لم يكن مقصورا عليهم.. بل غمرتِ القريب والبعيد بالعطاء والطيبة.. وغير ذلك من مآثرك وأفعالك الخيرة التي يعجز قلمي وإحساسي عن وصفها..
قبل ست سنوات أو ما يقاربها أصابتك الجلطة كنتِ وقتها صامدة صابرة.. متقبلة لقضاء الله إيمانك بالله يزداد طوال تلك الفترة ولسانك يلهث بذكره.
كنت أغبط والدي لملازمته لك بالمستشفى فطالما تمنيت أن أحل محله، لأخفف جزءاً من الألم عنك.. فلعلي أرد نصف ما فعلته معي.. مع علمي أنني مهما فعلت فلن أوفيك حقك..
سنوات وأنتِ تعانين وحبل صلتك بالله لم ينقطع..
ولكني في يوم الجمعة الموافق 28/11/1423هـ صحوت على بكاء والدتي.. لقد كان قدر الله أسرع من أي شيء لقد أخذك أجل الله منا..
صعب عليّ فراقك بل كان صعبا على كل من عاشرك وسمع عنك.. رحمك الله يا جدتي الغالية وأسكنك فسيح جناته وأشربك من حوض نبيه وجعل مقرك الفردوس الأعلى إنه سميع مجيب الدعاء.
قال تعالى {مّا أّصّابّ مٌن مٍَصٌيبّةُ فٌي الأّرًضٌ وّلا فٌي أّنفٍسٌكٍمً إلاَّ فٌي كٌتّابُ مٌَن قّبًلٌ أّن نّبًرّأّهّا إنَّ ذّلٌكّ عّلّى اللهٌ يّسٌيرِ } .
|