* الفالوجا - إيلان بولشار( * )
تشن قوات الاحتلال الأمريكية في العراق هجوما واسعا باستخدام كافة الأسلحة ضد الأحياء السكنية في مدينة الفالوجا التي تقع غرب العاصمة بغداد كجزء من حملة عسكرية جديدة تهدف إلى وقف هجمات حرب العصابات ضد القوات الأمريكية وبدء عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب الأمريكية في العراق.
ولكن هناك الكثير من المؤشرات التي تشير إلى أن مثل هذه العملية التي تحمل اسم «عقرب الصحراء» سوف تخلق من المشكلات أكثر مما تقدم من حلول، ففي مدينة الفالوجا التي تعد مركزا للمقاومة العراقية المناهضة لأمريكا يقول السكان المحليون أنهم لك يروا أي شيء مما وعدت به القوات الأمريكية من إعادة بناء ما دمرته الحرب وأن ما يرونه فعلا هو أن هناك قوة احتلال أجنبي في بلادهم.
يقول فوزي شافي رئيس تحرير صحيفة صوت الحرية المحلية الأسبوعية في مدينة الفالوجا ان القوات الأمريكية تحولت من قوة تحرير إلى قوة احتلال معتدية.
ويضيف شافي أنه منذ شهرين كان يرحب بالقوات الأمريكية ولم يكن هناك أي مؤيدين لصدام حسين. ولكن عمليات تفتيش المنازل التي تقوم بها القوات الأمريكية بطريقة فجة وخشنة تخلق المزيد من الأعداء للوجود الأمريكي في العراق كل يوم. وتغذي حركة المقاومة الوطنية الناشئة في العراق.
ويحكي فوزي شافي كيف فتشت القوات الأمريكية منزله فيقول إنهم جاءوا الأسبوع الماضي بقوة قوامها 25 جنديا في الصباح الباكر وأثاروا فزع الأطفال. وقد أهانوا رجال البيت بإجبارهم على الانبطاح على الأرض أمام النساء.
علاوة على ذلك فإن القوات الأمريكية تعتمد على نفس الترتيب القبائلي الذي كان صدام حسين يستخدمه من أجل فرض سيطرته على المدينة وهو أبعد ما يكون عن الديموقراطية التي كان يتوقعها العراقيون.
وتأتي عملية «عقرب الصحراء» في أعقاب عملية «ضربة شبه الجزيرة» التي انتهت السبت الماضي. وتهدف العمليتان إلى اعتقال أو قتل رجال حرب العصابات الموالين لحزب البعث المنحل والإرهابيين الذين يحاولون عرقلة جهود إعادة البناء على حد تعبير البيان الصادر عن القيادة المركزية الأمريكية.
وكانت قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة قد أعلنت عن مهلة لمدة أسبوعين للعراقيين لتسليم ما لديهم من أسلحة غير مرخصة. وقد انتهت هذه المهلة قبل أيام ولم يسلم العراقيون سوى عدد قليل جدا من هذه الأسلحة لا يزيد عن 700مسدس وقد لجأت أغلب العائلات العراقية مثل عائلة الصحفي فوزي شافي إلى إخفاء أسلحتها.
انعدام الامن
ويشكو شافي من أنه منذ عدة ليال جاءت مجموعة مسلحة إلى منزل شقيقه واستولت على جهاز التلفزيون وأموال تحت تهديد السلاح وفرت هاربة. ويقول لم نستطع أن نفعل شيئا لآننا لم نكن نمتلك أسلحة فماذا يمكن أن يفعل أي أمريكي لو تعرض لمثل هذا الموقف؟.
من المفترض أن عملية جمع الأسلحة تستهدف جمع الأسلحة الثقيلة وإلزام العراقيين بترك مسدساتهم في المنزل وعدم حملها في الشوارع ولكن يكاد يكون كل عراقي تقريبا قد سمع عن أحد الأشخاص الذي وقع ضحية لعمل إجرامي مؤخرا لآنه لم يكن مسلحا لذلك يقول العراقيون إنه بدون حل المشكلة الأمنية فإن مصادرة الأسلحة العراقية سوف تجعل العراقيين يشعرون بأنهم أصبحوا أكثر عرضة للخطر وأقل إحساسا بالأمن.
ومنذ ستة أسابيع أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش رسميا انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق. ولكن تعرضت القوات الأمريكية في العراق خلال الأسبوعين الماضيين لسلسلة متصلة من الهجمات والكمائن من جانب المقاومة العراقية وقد سقط أكثر من أربعين جنديا أمريكيا قتيلا نتيجة هجمات عراقية منذ سقوط نظام حكم صدام حسين في التاسع من إبريل الماضي وتتركز أغلب هذه الهجمات في غرب وشمال بغداد حيث يعيش المسلمون السنة الذين يعدون من أكبر مؤيدي النظام العراقي المنهار.
خيبة أمل
وفي عملية عسكرية وصفها بيان للقيادة المركزية الأمريكية بانها تمت كما يقول الكتاب عن معارك الأسلحة المشتركة، قتلت القوات الأمريكية سبعين شخصا في معسكر لتدريب الإرهابيين على حد زعم القوات الامريكية غرب العراق، كما قتل 27 شخصا في كمين نصبته المقاومة العراقية لإحدى الدوريات الأمريكية في شمال بغداد ويقول المسؤولون العسكريون الأمريكيون أنهم لا يعتقدون أن هذه الهجمات تمثل حركة مقاومة عراقية منظمة، ولكن عمدة مدينة الفالوجا طه بديوي حامد يقول إن مدينته تحولت إلى مركز جذب للناس الذين أصيبوا بالاحباط بسبب تراجع الأمريكيين عن وعودهم للعراقيين بالحرية والبناء، ويشمل هؤلاء أعضاء حزب البعث المنحل والعسكريين الذين سرحتهم القوات الأمريكية بعد حل الجيش العراقي. ويقول ان كل شخص يشعر بخيبة أمل تجاه الأمريكيين أصبح يأتي إلى الفالوجا.
ويضيف أن المزيد من عناصر المقاومة تأتي إلى المدينة كل يوم والإدارة المحلية لا تعرف كيف تتعامل معهم وكان عدد من المهنيين في مدينة الفالوجا قد شكلوا مجلسا للمدينة في أعقاب الفراغ السياسي الذي وقع فيه العراق بعد سقوط بغداد مباشرة، وكان المجلس يهدف إلى المساعدة في إدارة شؤون المدينة.
ولكن قوات الاحتلال الأمريكي تجاهلت هذا المجلس الذي كان خليطا من أساتذة الجامعات والصحفيين والعسكريين السابقين والمهندسين والمعلمين، واعتمدت هذه القوات على شيوخ القبائل التقليديين الذين يتمتعون بنفوذ بحكم المولد أكثر مما يستحقون بالفعل، يقول سعدون عزيز عضو المجلس إننا نعتقد أن الشيوخ يمثلون أنفسهم ولا يمثلون سكان المدينة، والناس تتعامل مع هذه القضية بحساسية شديدة لآنهم لا يريدون رؤية نفس الوجوه التي كانت تحكم في عهد صدام حسين يحكمون في عهد الاحتلال الأمريكي.
ويبدو أن قرار الحاكم الأمريكي للعراق المعروف باسم رئيس الإدارة المدنية للعراق بول بريمر بعدم دعوة المؤتمر الوطني للعراق حتى يتم إصدار دستور للعراق وإجراء استفتاء عليه مؤشرا على عدم استعداد أمريكا لمنح العراقيين السلطة لإدارة شؤون بلادهم.
العقلية الامريكية
يقول خالص خنفار عضو آخر في المجلس أن الأمريكيين يتعاملون بنفس العقلية التي تعامل بها البريطانيون عندما احتلوا العراق أثناء الحرب العالمية الاولى رغم مرور قرابة مائة عام على هذا الاحتلال البريطاني.
فبدلا من أن تجتمع قوات الاحتلال الأمريكية مع المفكرين والتكنوقراط العراقيين من أجل بحث مستقبل العراق تتجه هذه القوات إلى الشيوخ القبليين ولكن هذا الأسلوب لن يحقق أي نجاح للأمريكيين لأن هؤلاء الشيوخ لايتمتعون بنفوذ بنسبة مائة في المائة على الشعب العراقي كما يقول حسين على مساعد عمدة المدينة.
ويضيف أنه لكي تتمكن القوات الأمريكية من وقف الهجمات التي تتعرض لها عليها أن تعمل على تشكيل حكومة عراقية وتوفر الوظائف للعراقيين، فساعتها فقط سوف يدرك العراقيون أن الوجود الأمريكي ليس احتلالاً.
( * ) خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»- خاص ب«الجزيرة»
|