في كل عام ومع سكب آخر نقطة من المداد على ورقة الاختبارات النهائية يجدُ الشاب نفسه تلقائياً قد وقع بذات القلم الذي ختم به حصاد عامه الدراسي على مكان المصيف الذي ينُهي فيه ثلاثة أشهر حسوماً من موسم الصيف اللاهب الحرارة الذي يجتاح أجواء الجزيرة العربية.
وقبل الدخول في أتون لغز السياحة المحير.. تتلهف نفسي صباح مساء على معرفة أول سائح سعودي ابتدع هذه السنة السيئة، مقلداً بذلك وبوقع الحافر على الحافر أفاعيل أبناء العم سام، الذين يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام وليس في خطواتهم عبادة ولا عادة ولا نشر فضيلة طويت، إذ هكذا يمشون مواسم السياحة في أدغال افريقيا أو وسط اهرامات الجيزة أو في جزر الكناري كيوم ولدتهم أمهاتهم ولا تثريب علي هؤلاء لأنه ووفقاً للقاعدة الفقهية المعروفة «ليس بعد الكفر ذنب» فأرجوكم أعينوني على معرفة أول سائح عربي سعودي مسلم انحشر وسط هذه الرجرجة، بغرض السياحة البريئة وكانت نفسه فعلاً بريئة من أغراض الهوى ومزالق الشيطان وايميلي مفتوح على مصراعيه لمعرفة أول سائح سعودي إلى بلاد برة.
ثم فليكن، فما كان قد كان في أوقات مضت، أليس في الإمكان الان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجيل الصاعد حتي لا يصاب بسموم قاتلة ناشئة اخترقت كل حواجز الفضيلة لتسكن في أجساد بعض الشباب المغفلين، الذين لا يجنون من قاموس السياحة إلا التسكع على أرصفة الكورنيش واللهث وراء الإغراءات الطائشة التي يكون حصادها صفراً، إذ يعقبها الندم وأكل الأصابع وإيقاع كيل السباب والشتائم على أصدقاء السوء، صدقوني هكذا حال كل أسرة مسلمة تركت لابنها الحبل على الغارب ليخرج ويسافر دون رقيب ولا حسيب. والأدهى والأنكى والأمر في هذه الحلقة الجهنمية أن بعض أرباب الأسر والمحصنين الذين يملكون نساء وعيالاً نجدهم يغادرون وحدهم بغرض «السياحة» ويتركون وراءهم ذرية ضعافاً وزوجة غارقة في بحر الهم والغم والشك من رحلة «السياحة» التي ينفذها بعلها الهمام، فما سألت أحداً من العالمين إلا ردني بكلمة واحدة هذه «صياعة» وليست سياحة.
هاهي الاجازة على اعتاب المنازل وكل رسم خارطة طريقه وقبلته ووجهته وحسم أمره ووثيقة سفره وحزمة من المال ادخرها ليوم كريهة وسداد ثغر، نعم لم تتبق إلا أيام عدة لنرى كيف يتأبط الشاب حقيبته وأفكاره وهواه إلى حيث لا يدري، في وسط كل هذا الزخم وأكوام الهموم التي تنزل على الأسر عاماً بعد عام، يشرع الكتاب أقلامهم والصحائف لملاقاة موجة السياحة الخارجية العاتية، فلا تجد من يعبأ بهذا الصراخ الذي بحت معه الأصوات وجفت الحلاقيم، نعم ففي الجوف غصة وفي الفؤاد مرارة ساكنة من شيء اسمه السياحة الخارجية.
برب محمد دعوني وسط هذه الضجة السنوية أن اسلط الضوء على الدور النشط للهيئة العليا للسياحة في المملكة الحبيبة وجهودها المخلصة التي تسعى للحد من نزيف موسم السياحة، فكم هناك من التوصيات والقرارات والندوات والمنتديات والملتقيات وكل مترادفات تسعي لابقاء السياحة الوطنية عالية ولا يعلى عليها، بالله عليكم دعوها تخرج من محابسها في أدراج المكاتب وانشروها على أجنحة الخطوط السعودية وفي صالات المغادرة وفي فنادق بلاد السياحة حتي تكون عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
سيكتب غيري حول هذا الهم الثقيل وستلتقي أفكارنا أو تختلف لكن الهدف والغاية سامية وهي دعوة للجميع بأن لا يقع «السعودي أبو جيوب مليانة» في مصيدة سماسرة السياحة كما حذرنا الخبير الاقتصادي المعروف الدكتور عبدالعزيز داغستاني الذي يستطيع وبحكم تخصصه أن يحدثنا بلغة الارقام عن الملايين التي تذهب هدراً وعن البطاقات التي ترهن في الفنادق والمنتجعات وفي أتون الليالي العابثة.
تقليلاً للعذاب والخطب الجلل الذي ينتظر الجميع دعوني فقط اتفاءل وأسوق للسياحة في ربوع المملكة العربية السعودية حيث المتعة الجميلة والنزهة البريئة والسعادة النقية فهنا الطائف أحلى .. وجدة غير .. وأبها البهية وشطآن نصف القمر والمرجان على السواحل. وفوق هذا وذاك كله هنا الحرمان الشريفان فما أحلى السياحة الروحية والبدنية .. اليس من حقي الدعوة لتشجيع السياحة الوطنية والتفاؤل بالنجاح.. عشمي ذلك!!
(*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس 014803452
الرياض 340184 ص.ب 11333
|