Thursday 19th june,2003 11221العدد الخميس 19 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ما هي أطر المشاركة الوطنية المتاحة؟ ما هي أطر المشاركة الوطنية المتاحة؟
د. فوزية عبد الله أبو خالد

سؤال واحد:
هذا السؤال كثيراً ما نسمعه يتردد على ألسنة الصحفيين والأكاديميين الأجانب عندما يلتقون بمسؤول أو مواطن من المملكة العربية السعودية. ونراه يربك من يوجه إليهم. غير أنني أطرحه هنا لأنني أرى أنه سؤال غير محرج ولم يعد من المستحيل التفكير المشترك في الاجابة عليه ليس من أجل الاعلام الخارجي بل من أجل عيون الوطن الذي نعشق.
اجابات متعددة:
لسنوات طويلة خلت كان موضوع تقدير حاجات المواطنين ومتطلبات اللحظة التاريخية ملقى على عاتق الدولة وحدها وكان عليها أن تتدبر بمفردها أمر الكيفية التي يمكن أن تلبي بها هذه الحاجات. هذا اذا لم يكن عليها أن تتحمل تبعات ما قد ينجم عن تلك المتطلبات من تغير اجتماعي أو مخالفة لعادات لم تعد مواتية للعصر دون أن تحظى بأي مساندة أو مساعدة من عامة المجتمع. حدث هذا عبر التاريخ الاجتماعي والسياسي للبلاد بوتائر متفاوتة منذ تأسيس المملكة العربية السعودية ككيان وطني موحد على خريطة جغرافية شاسعة تشمل الحجاز ونجد بالاضافة إلى شمال البلاد وجنوبها وشرقها، مع تنوع وتعدد الخلفيات الثقافية والاجتماعية والتجربة السياسية لهذه المناطق، ومع التفاوت في درجة تطور هذه المناطق، وبالتالي في متطلباتها كما في درجة تقبلها لمقتضيات بناء الدولة والمجتمع في العصر الحديث. فقد كانت هناك مقتضيات على المستوى الخارجي ومنها اقامة علاقات دولية موسعة لا تخلو من التعقيد، كما كانت هناك مقتضيات ملحة على المستوى الداخلي ومنها الأخذ بأسباب العلم والتحديث.
إلا أن التباين في درجة استيعاب تلك الحاجات والضرورات، وكون المملكة دولة وليدة لم تحظ بعد بالالتفاف الكافي كان ربما هو ما يضطر الدولة أن تتحمل وحدها التبعات في الاستجابة للمتطلبات على الأقل لحسم الموقف. وما واقعة السبلة عام 1927م، وما حادث محمل كسوة الكعبة، بمكة المكرمة قبلها والمواجهات الأقل حدة التي حدثت عند ادخال الراديو وادخال البرق والبريد من وسائل الاتصال التقني الحديث إلا أمثلة على ذلك التوجه، وان كان واحد من أهم تلك المواقف في حينه اتخاذ الملك عبد العزيز قرار السماح لشركات النفط الغربية بالتنقيب عن البترول واعطائه امتيازاته فيما بعد اكتشافه لعدد منها، ذلك القرار الذي ترتب عليه تغيير مسار المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع ككل. غير أن اكتشاف البترول والشروع الفعلي في بناء جهاز الحكومة وبداية انعاش المجتمع تعليمياً واقتصادياً لم يمنع أن تستمر الدولة وحدها أيضاً في تحسس الحاجات الاجتماعية والمطالب الوطنية وتحمل تبعات استحداث عوامل الاستجابة لها.
حدث ذلك بأمثلة أخرى في عهد الملك سعود عند الشروع في تعليم المرأة مطلع الستينات عندما عملت الدولة على تجنب أي تبعات محتملة لهذا «المشروع الذي كان في حكم الضرورة التي لم يعد بالامكان تأجيلها» عن طريق فصل تعليم الاناث عن مجرى التعليم العام. كما كان من أمثلة ذلك الموقف الذي ارادت الدولة ان تستجيب على مسؤوليتها وحدها لمتطلبات التغير حين بداية تدشين البث التلفزيوني في عهد الملك فيصل. أما وقد حمل العهدان التاليان عهد الملك خالد وعهد الملك فهد مالم يكن في الحسبان من التغيرات الدولية والاقليمية وما لا ينكره الا ناكر أو أعمى بصيرة من توسيع غير مسبوق لقاعدة المتعلمين بين جميع بنات وأبناء المجتمع بمختلف فئاتهم الاجتماعية ومختلف مناطقهم ومشاربهم الفكرية والمذهبية دون تمييز بينهم في الحصول على الفرص التعليمية فانه قد حان مشاركة المجتمع في تحديد حاجاته وفي طرح متطلباته وتقاسم تبعاتها مع الدولة. وبمراجعة الواقع وللانصاف الموضوعي فاننا يمكن أن نلمس انه كان هناك توجه رسمي نحو ادخال العناصر المتعلمة في بنية النظام السياسي من فترة غير قصيرة. فما عرف نهاية السبعينات الميلادية «بحكومة الدكاترة» حيث شمل التشكيل الوزاري آنذاك عددا من الكفاءات العلمية من أبناء الوطن في مجال القانون والعلاقات الدولية والاقتصاد والصحة والاعلام الخ كان مؤشراً واضحاً عن الرغبة في توسيع نطاق «الشراكة» في تحمل المسؤوليات الوطنية ومواجهة متطلبات العصر التنموية وليس مجرد تكبير لدائرة التكنوقراط. وكما ان تشكيل مجلس الشورى في التسعينات والحاقات التوسع في تشكيلته على أساس من التنوع والتعدد وان كان في جزء منه قد يكون جاء نتيجة لاستحقاقات حرب الخليج 1990/91م فانه يمكن فهمه كمؤشر أولي من مؤشرات الاقرار بالحاجة إلى ايجاد قنوات أكثر فعالية وأكثر تمثيلاً لمفهوم المشاركة الوطنية خاصة، اذا ربطنا ذلك بصدور نظام مجالس المناطق والنظام الأساسي للحكم وقتها. ويرجح قراءة تلك الاجراءات الجذرية بمقاييس تلك المرحلة «مطلع التسعينات الميلادية» على أنها ادراك لأهمية المشاركة الوطنية وتعبير عن تزايد الوعي الاجتماعي بأهميتها والاستعداد لتحمل مسؤوليتها إذا رجعنا الى «العرائض» «الاصلاحية» التي اجتهد في تقديمها مجموعات من المواطنين مما شكل للدولة دلالة لاشك فيها عن رغبة واستعداد المواطنين للمشورة بالرأي بما فيه مصلحة الوطن وبما لا يجعل الدولة تقف وحدها في عين العاصفة أمام الضرورات الداخلية والضراوة الخارجية. وفي كل هذا فان تنامي هذا التوجه نحو الرغبة المشتركة في المشاركة الدولة/ المجتمع لم يكن ليبدأ، من وجهة نظر سوسيولوجية، لولا ذلك التطور الذي شهده المجتمع على مستوى تبلور عدد من القوى الاجتماعية التي تشكل باطيافها المتعددة من الطلاب الى التجار ومن الرجال الى النساء مروراً بمختلف المواقع والأدوار خيوط النسيج الاجتماعي. فيصير المجتمع المدني بتشكيلاته المتعددة ونسيجه المتواشج في نفس الوقت هو الاطار او الوعاء لتنشيط وتوسيع وتقنين مثل هذه المشاركة الوطنية بما يدعم التماسك والتلاحم في الضراء وفي السراء وفي وقت الشدة كما في وقت الرخاء. فكل تلك التشكيلات الاجتماعية التي أفادت بدرجة أو بأخرى من الطفرة أو «طالتها» حصة من كعكة النفط سواء بالقروض، التعليم المجاني، الابتعاث، المنح، الخدمات وسواها من القنوات التي اتخذتها الدولة لتوزيع الريع آن الأوان لها ان تدفع جزءا من ضريبة المواطنة. والمقصود هنا ضريبة بالمعنى الاقتصادي أي ضريبة مالية على القادرين مالياً لفك خناق قطاع الخدمات عن الدولة من التعليم الى الصحة وسواها من القطاعات التي أصبح ضعف خدماتها وعدم قدرتها على استيعاب الطلب الاجتماعي على هذه الخدمات مبعث ضيق وتذمر من قبل غير القادرين على الاستغناء عن الخدمات الحكومية بالخدمات الأهلية الباهظة.
كما ان المقصود أيضاً ضريبة المواطنة بمعناها السياسي فلا أقل في ضريبة المواطنة من التفكير المشترك وبصوت عال في كيفية مواجهة تحديات اللحظة الراهنة. لقد مضى ردح من الزمن كنا نتوقع من الدولة ونرضى منها في نفس الوقت ان تتحمل وحدها جميع الأعباء الوطنية فتدافع عنا وتدفع عنا وتفكر عنا ولنا أو نيابة عنا. أما وتفاقمات المتغيرات العالمية من ناحية والمتغيرات الداخلية من ناحية أخرى صارت تتطلب المزيد من المشاركة في الرأي والعمل وتحمل المسؤوليات ولتكون القوى الاجتماعية على اختلافها مسؤولة عن خياراتها فلابد من ايجاد الاطر القانونية المشروعة والمعلنة التي تمكن المواطنين من المشاركة في وضح النهار، فهذا هو ما ينفي الحاجة للعمل في العتمة التي هي أخطر أشكال العمل السياسي خاصة على الشباب لأن لا أحد يعلم إلا الله ما الذي يمكن أن يتعلموه في العتمة من عداوات للدولة أو لمجتمعهم بل ولأنفسهم.
والمتابع لمجريات الأمور اليوم في مجتمعنا سواء كان من الداخل أو الخارج وسواء كان محايداً أو منحازا ضدنا لابد ان يلحظ ملامح توجه جاد تشترك فيه الدولة والمجتمع معاً لخلق نقاط التقاء وحوار تبادل للرأي والمشورة وان كان ذلك يحتاج إلى مزيد من البلورة والتفعيل.
يبدو هذا التوجه الايجابي نحو المشاركة في جدة عدد كبير من مفردات الخطاب السياسي الرسمي وفي شفافيته وصراحته الصارمة ونقده الشجاع. كما يبدو ذلك في ظهور خطاب أهلي -لم يكن شائعاً من قبل - يصدق الدولة الرأي والمشورة ويعمل على مشاركتها أفكار الاصلاح ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. يلمس ذلك في تبلور خطاب اسلامي مستنير لا يعادي مجتمعه ولا يستعدي على مواطنيه كما يلمس في اعتدال الطروحات الليبرالية بالاضافة وهذا أهم إلى تبلور مقترحات للاصلاح بصور مدنية وأهلية مستقلة تريد أن تلبي الحاجات الاجتماعية وتيسر على المواطنين سبل معاشهم اليومي واحقاق حقوقهم واداء واجباتهم دون الوقوع فريسة سطوة الهاجس السياسي.
غير أن هذا الوسم والبرد في تطوير العلاقة بين الدولة والمجتمع يحتاج إلى تأطير وتقنين حتى يصبح من مكتسبات العلاقة وثوابتها.
إننا نرى في كلمة الأمير عبد الله بن عبد العزيز التي القاها يوم الأحد من هذا الأسبوع في اجتماع المشاركين فيما سمي باللقاء الوطني للحوار الفكري بمكتبة الملك عبد العزيز نقاطا تأسيسية للعلاقة بين الدولة والمجتمع الأهلي يمكن تحويلها الى صيغة للعمل. ومن النقاط الهامة في هذا الشأن:
- التأكيد على حق جميع المواطنين في المشاركة الوطنية بالرأي بشرط البعد عن العداوات سواء العصبيات القبلية، النعرات الاقليمية أوالغلو والتطرف.
- الاقرار بحق الاختلاف في الآراء وتنوع الاتجاهات وتعدد المذاهب ومشارب العلم والمعرفة كجزء من طبيعة الافراد والمجتمعات.
العمل بالحوار على عدم تحول الخلاف الى شقاق وتناحر بل عامل اثراء وتكامل.
- الانكار على وسائل «الحجب والمنع» باعتبارها من مخلفات عصر ما قبل ثورة المعلومات والاتصالات.
- الحوار العلمي الموضوعي على أساس من العقل والمنطق مع تقدير الاختلاف بعيداً عن وحشة القلوب واساءة الظن.
وأخيراً فإذا كان كثير من المواطنين ممن لم يعرف عن هذا «اللقاء الوطني للحوار الفكري» إلا من الصحف لذلك اليوم كان يود المشاركة بالحضور أوبالحوار والتصور خاصة وقد اشتمل اللقاء على عدد من المحاور الشديدة الحيوية لمتطلبات هذه المرحلة من تعريف الوحدة الوطنية الى التنوع الفكري بين شرائح المجتمع وحرية التعبير وضوابط الفتوى وحقوق المرأة ودورها في المجتمع، فإن المطلب ألا يكون هذا اللقاء لقاءً يتيماً. بل يكون بداية غير مقطوعة للقاءات وطنية متعددة للحوار بين جميع القوى الوطنية في الهواء الطلق نحو علاقة صحية بين الدولة وبين جميع فئات المجتمع سواء كانوا دكاترة أو من ذوي النفوذ الاجتماعي أو لم يكونوا. هذا ونقترح هنا أن يكون هناك ضمان قانوني يسمح بعقد مثل هذه اللقاءات للجميع عند الحاجة إلى ذلك بيسر ودون تعقيدات ما دام الحوار يتم في العلن بحيث لا تقتصر المشاركة على مجموعات بعينها أو أفراد تتكرر سحنهم وأسماؤهم.
وبعد فنحن نستبشر بهذا اللقاء كنواة أولى وبموقف الأمير عبد الله منه كتأسيس لتقاليد المشاركة مثلما استبشرنا باقرار انشاء لجنة لحقوق الانسان التي نأمل أن تكون هي الأخرى نواة لتعدد اللجان والمشاركات المدنية في مجالات العمل الأهلي والوطني.
ورجاء حار أن يصحب توسيع المشاركة الوطنية للرجال والنساء قيام أطر ووضع تقنين بما يكفل حق الانتماء إليها والعمل العلني من خلالها لصالح وطننا الغالي ولصالح لحمة وحدته الوطنية. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved