أعود - وكما وعدت - الى الحديث ثانية عن الركود الأدبي في بلادنا.. لا من حيث كونه موضوعا له من الأهمية ما يكفي مبرراً للكلام عنه بأكثر من حلقة.. وإنما لأن القضية الجديدة التي سأتعرض لها هذا الاسبوع تكاد تكون سببا جوهريا ومن الاسباب المهمة في الركود الأدبي، ثم هي موضوع جديد حين نترك الخيط الذي يربطه بالركود الأدبي، ونوافق على انفصاله منه.
وموضوعنا الجديد ذو العلاقة بالركود الأدبي من جهة وامكانية الانفصال عنه من جهة أخرى أرى ولو من وجهة نظري الخاصة انه يمثل واجهة بارزة (بما يواجهه من عقبات) لعدم تطور الأدب في بلادنا تطوراً يتناسب وما لمواطن الجزيرة العربية من دور أدبي مشرف فيما طالعناه له من نتاج في العصور الأدبية المعروفة شعراً كان ذلك أم نثراً.
لندخل الآن الى مناقشة موضوعنا وهو إحجام بعض أدباء هذه البلاد عن التأليف أو تأليفهم لكتب لا تضم الا القليل مما لديهم من أفكار وخبرة ومعلومات على أساس ان ذلك يعني ظاهرة لركود الادب ولانه يفسح أمامنا فرصة كافية لمعرفة ما وراء ذلك من اسباب وهي معرفة قد نستفيد منها في تحريك الأدب وجعله في مستوى الادب الذي نتذوقه والأدباء الذين نحب ان نقرأ دائما لهم ولست أريد بما سأقوله ان أضع أسبابا تعفي أدباء بلادي من تقصيرهم بقدر ما أريد من المسؤولين ان يكونوا طرفا في القضية وان يحققوا مطالب الادباء طالما ان هذه المطالب تؤثر تأثيرا مباشرا في ازدهار الأدب وتقدمه.
أذكر في صيف العام الماضي أنني التقيت ومعي الزميل راشد الحمدان بالشيخ حمد الجاسر في مكتبه ببيروت وأننا تحدثنا يومها - فيما تحدثنا - عن مؤلفات الجاسر وما صدر باشرافه عن دار اليمامة للترجمة والنشر وكيف ان مثل هذه الكتب وأكثرها تاريخية لاتهم - باعتراف الجاسر - الا فئة معينة من الناس وهم المهتمون بالتاريخ وان توزيعها لهذا السبب كان محدودا وبالتالي فإن تغطية نفقات طباعتها لا يمكن ان يكون سهلا، وان هذا هو الذي اضطر علامة الجزيرة الى البدء بطباعة الكتب الصغيرة جدا... مع ان لديه عدداً من المخطوطات المعدة تماما للطبع.. وقد تأخر في تقديمها إلى المطبعة بسبب ضخامة حجمها وارتفاع تكاليف الطباعة وعدم كفاية التوزيع لتغطية ذلك.
أذكر ذلك وأثق بصدق الشيخ الجاسر.. وأجدني لهذا أتساءل عن دور المسئولين ومدى مساهمتهم بتحريك الأدب من جموده بايجاد الكتب المتخصة التي يقوم بتأليفها أبناء هذا البلد المعطاء.. كمؤلفات الجاسر مثلا.. لأني وبصراحة لا أعتقد ان شراء بعض الوزارات ولا أقول كلها لنسخ محدودة جدا من مؤلفات الادباء والمؤرخين الوطنيين كافيا لتشجيع خطواتهم وحافزا لهم على امداد المكتبات بشيء جيد من علمهم وأفكارهم.
لست أطالب الوزارات بأن تأخذ من الكتب ما يفيض عن حاجتها.. ولكني اريد منها ان تتصرف ازاء ذلك ولديها الرغبة لخدمة ادب هذه البلاد.. وان كانت تملك الحجة - فيما لو أرادت - على انه لا علاقة لها مطلقا بالادب بل وليس ذلك من مسئولياتها.. كذلك فلست أطالبها بأن تشتري ولو حاجتها من كتب لا يشرف صدورها أدب بلادنا ولا يخدمه.. أنا أطالب فقط أن تشارك هذه الوزارات بخدمة الادب الصحيح انقاذا للوضع الذي تحدثنا عنه..
* بتواضع الكبار كتب الاستاذ أحمد جمال في يوميات له بالمدينة ثناء على ما نشر بقلمي عن الصحافة في عدد سابق من هذه الجريدة، ونقل فقرات مما قلته لتطلع عليها صحافة المنطقة الغربية.
من قلبي أقدر للأستاذ الكبير إعجابه بما قلته عن صحافتنا.
|