اختلفت وما أزال أختلف مع وزارة التربية والتعليم في شأن «مقرر» التربية الوطنية، ولعلَّ هذا الاختلاف يندرج تحت أسباب هي أنَّ الوطنية ليست موضوعاً يخضع للتلقين أو التدريس فهو ليس خبرات علمية أو معرفية؟ إلاَّ في حدود ما يُدرس في جميع المواد الدراسية.
فمن حيث هو خبرات علمية أو معرفية فإنَّه أرض وسماء واقتصاد بموارده ومصادره وهذا يدخل ضمن مقرر الجغرافيا، وهو تأريخ عريق ذو مراحل وحيث لا ينبغي أن يغفل منهج التاريخ أيَّ جزئية فيه، وهو تركيب مجتمعي له قيمه وعاداته المنبثقة من حضارته القائمة على الإسلام والعروبة فهو إذن يندرج تحت مفردات مقرر علوم الاجتماع أو النفس أو القراءة الحرة أو التعبير أو المقررات الدينية دون تجزيء ونحو ذلك...
ولكن كيف يكون الوطن ضمن المنهج؟... ننطلق من هذا الأمر إلى أمر أكثر وألصق بالأهمية وهو تعليم علوم الشريعة تلك التي توظّف لها مناهج الفقه والتوحيد والتفسير ونحوها. فبمثل ما يعُرَّف الدارسون بما ينبغي معرفته في الشأن الديني التشريعي ومن ثمَّ بناء المعتقد من خلال الايضاح والتمثيل وتنمية المدارك والمشاعر وتكوين الأحساس لبقية ما يرتبط بالوجدان بمثل ما يكون الأمر في شأن الوطن في المقررات المنهجية التي تستوعب الموضوعات القابلة للدرس.
فالشعور بالوطن، والشعور بالدين وتكوين المعتقد السليم ومن ثمَّ تكوين الانتماء الصحيح ففي ذلك شأن يشترك فيه جميع المرتبطين بالتعليم والتربية بمثل ما يرتبط بالوالدية والأسرية في البيت ومن ثمَّ في المجتمع ومؤسساته الإعلامية والعملية وذات التبادل العلائقي الطبيعي بالإنسان.
ولأنَّ «التربية الوطنية» وضعت في «قفص» التغليف بين دفتي كتاب فإنّها كما قال الدكتور محمود سفر في لقاء أخير تربوي إعلامي لاتزال في «غرفة الانعاش».
وأذكر أننّي منذ إقرار هذا المنهج الدراسي قد كتبت في هذا الشأن وناقشت من وجهة نظري التي أكررها في هذا المقال اليوم وذكرت بأنَّ التربية الوطنية والدينية لا تخضعان لمنهج تلقين وتدريس إلاَّ في حدود الحقائق العلمية أمَّا المفاهيم الدينية والوطنية فهي إلى حد بعيد تندرج ضمنياً مع حركة عين ولسان ويد المربين المعلمين، فهي سلوك، وهي أقوال، وهي أفعال، هي تطبيق حيَّ بالقدوة المقتدِرة، هي تذكير عملي لذاكرة المتلقي، وهي توطين فاعل في لمحة التفاعل، هي من مهام هؤلاء القوم الذين يربون في البيت والمدرسة والشارع هي عملية متداخلة حتى في الحوارات المنفردة، وهي موقف يدَّرب عليه الفرد تدريب اعتقاد به لا حياد عنه.
ولأنَّّها لم تؤخذ كذلك، فإنَّ «نسيان» أمر الشخص المباشر، والأشخاص المباشرين لهؤلاء الناشئة هو ما قلَّل من شأن الحس الوطني في نفوس الناس بشكل عام وليس خاص، وبشكل خاص في حالات وليس عاماً.
إنَّ الإحساس بالوطن يتطلب أناساً تربَّوا على الإيمان بالوطن. والإيمان بالوطن هو جزء من الإيمان باللِّه تعالى ومن ثمَّ بدين الإنسان. لا فاصل بين المعتقدين إلاَّ في الحدود المألوفة المتفق عليها.
من هنا لابد بعد كلِّ الذي نشاهده ونقف عليه الاعتقاد بأنَّ الأمر ماس لاختيار من يحس بالوطن كي ينقل هذا الاحساس في موقفه التربوي التعليمي في كلِّ لمحة وحركة وقول وفعل أمام الناشئة عندما يفتحون أوَّل صفحات الكتاب، ويدلفون خارجين إلى رحابة المجتمع.
|