* بغداد كارشتين هوفمان د ب أ:
يعمل علوي «12 عاما» جامع قمامة في مستودع للقمامة يقع على الطرف الشرقي من العاصمة العراقية بغداد تفوح منه رائحة النفايات النتنة وتنبعث منه أدخنة الحرائق المتناثرة هنا وهناك.
وتخطو نسوة يرتدين الملابس العربية التقليدية بخطوات ثقيلة عبر أرض نفايات تميزها حقائب القمامة البلاستيكية بينما الشمس تتوهج فوق رؤوسهن والحرائق تنتشر في بقع هنا وهناك داخل مستودع النفايات.
أما التقاط ما يلقيه الآخرون من قمامة فهو امتياز بالنسبة لجامعي القمامة من الأطفال ببغداد والذين يستوجب عليهم دفع ثمن حقوق مأمولة في هذه الموارد المعدنية المقصورة عليهم.
يقول علوي «نحن ندفع ثلاثة دنانير عراقية (اثنين من اليورو) لكل سائق سيارة قمامة ثم ما نلبث أن نفحص الحمولة بحثاً عن كوابل من النحاس وأي نفايات من البلاستيك أو الزجاج».
ومثل هذه الأشياء يعاد بيعها بغرض الحصول على متوسط ربح لا يزيد على ما يعادل يورو واحد لكل شحنة، وتعد قمامة أكثر المناطق ثراء في بغداد عطية ونعمة لهؤلاء الأطفال.وفور دخول سيارة شحن القمامة إلى المستودع يقفز علوي على درج كابينة السائق بمهارة فائقة حتى يصل إلى بابها كي يكون في مستوى السائق ويبدأ التفاوض معه على مقابل الحمولة.
وقال سائق القمامة متذمراً «كنت هنا قبل بضعة أيام لكنك لم تكن موجوداً، لم يكن هناك سوى فتاة لم تدفع لي حتى الآن».ويأخذ علوي في مساومة السائق ثم يقول له «يمكنك تفريغ الشحنة هنالك حيث ستقابل الفتاة».
ولا شك أن العمل في مستودع قمامة تفوح منه رائحة نتنة مستديمة للمواد المتحللة يمثل عملا قذرا بالنسبة لنحو مئة طفل يعيشون وسطه دون مياه جارية ودون أن يشاهدوا كثيرا من عالم ما وراء المستودع.
ولا يجد هؤلاء الاطفال لغسل وجوههم سوى بركة مياه راكدة تقع على أطراف المستودع، غير أنه يتعيَّن عليهم إحضار مياه الشرب في عبوات بلاستيكية.
ويضيف علوي «أنا فقير.. الأغنياء هم أولئك الأطفال الذين لديهم المياه والكهرباء» مشيرا إلى بضعة منازل صغيرة تقع بالقرب من المستودع.
ويمثِّل أطفال القمامة قاع المجتمع العراقي وحيث يحلم علوي بحياة أفضل، ويتسنى لهذا الطفل جامع القمامة الذهاب للمدرسة مرة واحدة أسبوعيا وتمضية باقي أيام الأسبوع في التنقيب وسط القمامة، ويتفاخر علوي أمام الغرباء بدرجاته المدرسية الجيدة ويقول إنه يريد أن يصبح طبيبا.
أما سكان المستودع من البالغين فقد تخلوا عن كل آمالهم، فها هو عبدالحسين «40 عاما» الذي يختزل كل آماله في الحياة في الرغبة في الحصول على مياه شرب نظيفة وكهرباء تضيء كوخه الذي تحيط به القاذورات من كل جانب وسط المستودع.وعبد الحسين لا يريد الرحيل من المستودع، ويقول «هنا لدي أصدقاء وأقارب»، وباعتباره كبير العائلة، فإنه من الواضح أنه ليس مضطرا أن يكون قذر اليدين بعد الآن بينما تبدو ملابسه خالية من أ ي بقعة قذارة.أما أصحاب المشاعر الحساسة مثل عيد العجيلي «35 عاما» فإنهم يحبذون التقاعد، يقول عيد العجيلي وهو أب لعشرة أطفال إن أسرته لا يمكنها أن تجد مصد ررزق آخر لها في مكان آخر غير مستودع القمامة.
لكن يبدو أن العجيلي لم يعتد بعد على العيش وسط جحيم القاذورات التي تتراكم فيه أكوام القمامة مضيفا «ربما نلقى حتفنا هنا في مقبرة جماعية».
|