Tuesday 17th june,2003 11219العدد الثلاثاء 17 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

علماء الاجتماع مطالبون بالتصدي لمشكلة «المنسيين»!! علماء الاجتماع مطالبون بالتصدي لمشكلة «المنسيين»!!

لم اندهش وانا اقرأ تحقيقا صحفيا في احد اعداد جريدة الجزيرة.. كان عبارة عن لقاءات اجراها كاتب التحقيق في إحدى دور رعاية المسنين التي غصت بالآباء والامهات نسيهم ابناؤهم كما نسيهم الزمن في احضان ساعات انتظار الموت.. وهم يتلوون ألما وحرة وقهرا على ما اصابهم من فلذات اكبادهم الذين مازالوا طليقين بما تركهم لهم اهلهم من ارث حرموا انفسهم من التمتع به ليكون لابنائهم نصيب اوفر من المال والسعادة.
فهذه سيدة تجاوزت السبعين تتكوم على كرسي عتيق بال يفوقها عمرا.. اجبرها ابناؤها على بيع منزلها لاقتسام ثمنه عليهم واودعوها دار الرعاية حيث لم تعد تملك سوى ترقب الموت الذي تتمناه في اي لحظة.. رغم كل هذا فهي لا تتوقف عن الدعاء لابنائها وطلب الرحمة لهم من الله.. في الدنيا كي لا يعاملهم ابناؤهم كما عاملوها.. وفي الآخرة حتى يغفر الله لهم.
وعندما تسألها.. تجيب انها الظروف وهذا هو القدر. وهذا اب افنى عمره في جني ثروة ليحمي بها نفسه من غدر الزمان.. وليتركها لابنائه بعد وفاته ليكملوا مشوارهم بشيء من الراحة وحتى لا يتعرضوا لما تعرض له من عذاب.. وعندما هده العجز واثقلت عليه الايام استصدر الابناء حكما على ابيهم بالحجز عليه لعدم مقدرته على ادارة احواله وامواله.. واستولوا على كل شيء.
وقذفوا به الى دار رعاية المسنين.. ينتظر الموت كل يوم.
وكثيرون.. كثيرون افتقدهم الموت وكان اسرع اليهم من زيارة ابنائهم قضوا متحسرين على هذه النهاية المفجعة.
نعم لم اندهش لهذه القصص لاني اعرف شخصيا العديد من المآسي التي تقشعر لها الابدان ويندى لها جبين الانسانية عارا وخذلانا.
* لقد نهى الله سبحانه وتعالى عن التلفظ بكلمة «أف» وهي كلمة من حرفين مخففين لا تكاد الشفتان تشعر بهما عند لفظهما.. برا بالوالدين.. واجلالا لهما.
ان المسلم يردد في كل صلاة يؤديها دعاء بأن يغفر الله له ولوالديه وان يرحمهما كما ربياه صغيرا.. وان يجزيهما الاحسان احسانا وبالسيئات غفرانا.. تقربا الى الله.. وتواصلا معه بواسطة ابويه.. ومع ذلك فان الحياة الدنيا بزخرفها وزينتها وغوايتها تأخذ منه والديه.. وتحوله الى وحش بشري عاق..
روى لي احد الاصدقاء ان اخوة اربعة اتفقوا فيما بينهم على استضافة امهم العجوز اسبوعا عند كل واحد منهم.. وفي احدى المرات اضطر احدهم ان يأخذ امه الى شقيقه في غير الاسبوع المخصص له.. فما كان من الشقيق الا ان قال: ليس هذا دوري فلماذا تحضرها الي..؟ لقد كانت هذه الكلمة التي وقعت على الام وقع السيف في العنق.. هي السبب في موتها قهرا.. وحزنا على نفسها وعلى مصيرها.. من اعز الناس اليها.. بعد ان حملته في بطنها تسعة اشهر.. ثم ارضعته.. ثم احتضنته فكان سببا في موت من كانت سببا في حياته.
رواية اخرى رواها صديق آخر.. مازالت تحدث حتى يومنا هذا.. حيث يرتكب ابن عاق جريمة قتل يومية بحق والديه العجوزين اللذين لم يعودا يملكان من حطام الدنيا ما يسد رمقهما..
لقد تزوج الشاب واحضر الزوجة الى منزل والديه.. وعاش سنوات مع ابنائه انتهت بطرد الوالدين بتحريض من الزوجة الفاسدة.. واضطرا للسكن في احدى الملاحق، لتبدأ رحلة عذاب اخرى اشد وامر من المرحلة الاولى واستطاعت الزوجة بدهائها ومكرها ان تجعل الابن المسلوب الارادة يتنكر اكثر واكثر لوالديه العجوزين ويعيش الوالدان في حيرة من امرهما بين ان يلجآ للقضاء لاستصدار حكم يكفل لهم انتظار الموت بكرامة.. وبين تكليف الابن بهذا الواجب بواسطة القضاء.
وانتهى بهم الامر الى الرضوخ للامر الواقع بانتظار ان يأخذ الله امانته في اقرب فرصة.. ومع ذلك هما لا ينسيان التضرع الى الله عز وجل ان يقي ابنهما العثرات.. وان لا يجعل نهايته في ايدي ابنائه شبيها بنهايتهما..
وتحضرني في هذه المناسبة قصة لاحد الابناء كان عندما يغضب من ابيه يحمله الى خارج المنزل.. ويتركه هنالك الى ان تهدأ ثائرته.. وعندما كبر الابن وتزوج واصبح ابا.. واصبح ابنه شابا يافعا.. بدأ الابن يمارس نفس الدور الذي كان يمارسه ابوه مع جده وذات مرة حمل اباه ووضعه في السيارة.. ليبعده عن البيت.. وعندها قال الاب لا تبتعد اكثر فقد كنت اضع والدي في مكان غير بعيد عندما اغضب منه، ان مثل هؤلاء الابناء يجب ان يلقوا العقاب الرادع الذي يستحقونه في الدنيا قبل الآخرة حتى يكونوا عبرة لمن اعتبر ويقول احد الاباء بشيء من الحسرة والحزن.. لقد اصبحت اخشى من اولادي.. هل انفق عليهم ما املك في تربيتهم وتعليمهم حتى يقذفوا بي في الشارع عندما يكبرون وعندما اصبح خالي الوفاض وصفر اليدين. ام اخبىء اموالي لكي تكون عونا لي في عجزي وعندما يتنكر لي ابنائي!!؟
انها مخاوف اصبحت مشروعة لكل الاباء والامهات.. خاصة في وقتنا الحالي بعد ان ذابت الحواجز بين الاهل وابنائهم وغابت هيبة الاباء بسبب ما يسمى بعلم التربية الحديث الذي اسأنا فهمه كما اسأنا فهم غيره من العلوم الحديثة.
لقد كنا نخشى اباءنا ونهابهم لانهم كانوا يحتفظون بمكانتهم.. ولا يختلطون بنا.. ولا يكلموننا الا بالاوامر.. ولا نملك امامهم الى الرضوخ والطاعة.. ولهذا ظللنا نجلهم ونحترمهم ونقدرهم ونسعى لارضائهم بشتى الطرق حتى نكسب محبتهم اما علم التربية الحديث. خاصة اذا لم نحسن فهمه ولم نحسن تطبيقه فانه يزيل الهالة التي تحيط عادة الاهل وتسمح للابناء بالتطاول عليهم.. وبالتالي تؤدي.. ربما في احدى الحالات الى احتقارهم ونبذهم والتنكر لهم بمناسبة وبدون مناسبة.
ان علماء الاجتماع مطالبون اليوم للتصدي لهذه المشكلة الخطيرة.. والبحث عن مثل هذه الحالات ورفعها الى الجهات المختصة لاتخاذ الاجراءات اللازمة بحق الابناء العاقين.. دون العودة الى رأي الاهل لانهم من الطبيعي ان يحموا ابناءهم وان يدعو بأنهم يلقون الرعاية اللازمة لانقاذهم انها مشكلة خطيرة.. وجريمة يجب ان يعاقب عليها في الارض قبل السماء والله من وراء القصد.

مالك ناصر درار/جدة حي السلامة

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved