Tuesday 17th june,2003 11219العدد الثلاثاء 17 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من حرب مارس إلى فيروس سارس من حرب مارس إلى فيروس سارس
د. مساعد أحمد الضبيب/ أستاذ علم الفيروسات المساعد كلية الزراعة والطب البيطري - جامعة الملك سعود - فرع القصيم

هناك وفي هونج كونج بمنطقة سكنية تدعى مساكن حدائق أموى سجلت السلطات الصينية حالات إصابات تنفسية حادة بين سكان المنطقة التي أدت إلى وفاة الكثير من المصابين. وبدا حينئذ أن المرض ليس كالمعتاد وبدا أن لكل منطقة من مناطق العالم الثالث نكبات ونكبة جنوب شرق آسيا هو من الأمراض القاتلة. فلسنا بعيدين عن وباء الانفلونزا الذي أرعب العالم وقتل ما يقارب 40 مليوناً في عام 1918م وقيل حينئذ إنه انفلونزا الدجاج أو قد يكون الخليط الجيني الناتج من إصابة الخنازير في انفلونزا الدجاج وانفلونزا الإنسان.
ولكن هذه المرة لم يكن المسبب هو فيروس انفلونزا الدجاج. وبدأ البحث عن المسبب وكان ذلك في الأسابيع الأولى من شهر مارس 2003م. وفي هذا الشهر تزامنت رؤيتنا لسقوط شهداء حرب العراق وضحايا مرض الالتهاب الرئوي الحاد القاسي أو بما عرف بمرض سارس Sever Acute Respiratory Syndrome (SARS) ، وعندما وردت التقارير لمنظمة الصحة العالمية WHO عن ظهور حالات تلو الأخرى في المناطق المجاورة من الصين وغيرها بدأت سلسلة من الإجراءات الفورية لمعرفة سبب المرض والحد من انتشاره.
وللأسف انتقل المرض من جنوب شرق آسيا إلى مناطق بعيدة عبر المسافرين وظهر في كندا ودول أخرى كثيرة. في الثاني عشر من مارس ظهر أول نداء من منظمة الصحة العالمية كاستجابة مباشرة لانتشار مرض سارس. وفي 15 من شهر مارس 2003م أصدرت منظمة الصحة العالمية نصائح طارئة للمسافرين تبعها نشرة أخرى في 27 من نفس الشهر وذلك للحد من انتشار المرض وتفشيه على سطح المعمورة. وشملت هذه النشرات نصائح وتوجيهات للمسافرين عن المرض وطرق انتشاره وكيفية تلاشي الإصابة. ورغم ذلك نسمع كل يوم عن ظهور حالات في مناطق جديدة والتي قد يكون انتقل إليها مصابون من سكان المناطق الموبوءة أو عاد إليها مواطنون كانوا في رحلات لتلك المناطق. وحتى الآن ما زالت الحالات التي أعلن عنها قليلة ولكنها قد تنفجر إلى أعداد متضاعفة إذا لم تواجه المشكلة. حتى الآن «14 مايو 2003م» تم تسجيل 7296 حالة «4884 حالة في الصين» مات منها 526 «235 حالة وفاة في الصين» وشفي منها 3087 في 30 دولة.
ما هو مرض سارس «SARS»؟
مرض تنفسي خطير تم تسجيله في مناطق شرق وجنوب آسيا وترونتو بكندا، وأعراضه هي ارتفاع في درجة الحرارة إلى أكثر من 38 درجة مئوية، سعال جاف، ضيق في التنفس واحتقان في الزور مع تغيرات في الرئتين تدل على التهاب رئوي وتظهر بأفلام أشعة إكس. ومعظم الحالات التي سجلت كانت بين الأعمار 25-70 سنة مع حالات قليلة بين الأعمار الأقل من 15 سنة.
فترة حضانة المرض «أي من الإصابة إلى ظهور الأعراض» من 2 - 10 أيام بعدها يبدأ المرض بأول علاماته وهو الحمى التي يتبعها أحياناً رجفات وصداع وألم في العضلات. وقد تظهر أعراض رشح في البداية في حالات بسيطة. أما الأعراض العصبية فهي لم تسجل والإصابات المعوية غير متوقعة بالرغم من ظهور حالات إسهال عند عدد قليل من المرضى عند ارتفاع درجة الحرارة ولكن لم يسجل هذا إلا في حالات قليلة من مصابي أموى بهونج كونج.
أما الخطورة فتبدأ بعد 3 - 7 أيام من ظهور الأعراض حيث تصاب الرئتان مصحوبة بسعال جاف وضيق تنفس وقلة أكسجين وقد يحتاج الى 10 - 20% من المصابين إلى الوضع في غرفة العناية المركزة وتنفس صناعي. ونسبة الوفاة تكاد تكون منخفضة نسبياً حسب أرقام تقارير منظمة الصحة العالمية وهي 2 ،7%.
المسبب:
حتى الآن يعتقد أن المسبب فيروس من الفيروسات التاجية Coronavirus وسميت بالتاجية لأن سطحها الخارجي مغطى ببروزات تجعلها تشبه التاج وذلك عند فحصها بالمجهر الإلكتروني. وهذه الفيروسات عرفت كمسببات لأعراض برد عام في الإنسان وكانت تصيب الأجزاء التنفسية العليا فقط ولكن هذه المرة امتدت الإصابة إلى الأجزاء السفلى من الجهاز التنفسي. فهل هذا نوع جديد بطفرة جديدة من الفيروسات التاجية؟ وهذا ما يتوقعه بعض العلماء. وهناك أنواع من الفيروسات التاجية تصيب الحيوانات والطيور بأعراض مختلفة منها تنفسية وهضمية أو حتى عصبية. ومن المعتقد أن هذا الفيروس الذي يسبب السارس هو نوع متطفر من أصل حيواني أو طيري ولذلك فقد ظهر بأعراض جديدة. ونفس الشيء كان متوقعاً مع فيروس الانفلونزا الذي هاجم الإنسان بنفس المناطق منذ سنوات قليلة.. وما زال البحث جارياً.
والجدير بالذكر أن مقاومة فيروس مرض سارس للظروف البيئية تختلف عن مقاومة الفيروسات التاجية لنفس الظروف. حيث إن فيروس سارس يحتفظ بعدوانيته وضراوته لمدة يومين في البراز ولمدة 24 ساعة في البول. ويحتفظ الفيروس بعدوانيته وضراوته لمدة لا تقل عن 4 أيام في براز الأشخاص المصابين في الإسهال وذلك نتيجة لانخفاض درجة الحموضة. ولكن ينصح وبشدة استخدام المطهرات لتطهير وتنظيف أغراض المريض حيث إن فيروس سارس حساس لمعظم المطهرات المتداولة في الأسواق.
والسؤال هو: هل هذا الفيروس هو المسبب الحقيقي والوحيد لمرض سارس؟ والإجابة غير معروفة. إذ ربما يشترك مع هذا الفيروس عامل آخر فيروسي أو بكتيري ولا بد من عزل الفيروس بصورة نقية وإحداث نموذج حيواني تجريبي للمرض في حيوانات التجارب. بالرغم من ذلك هناك تقرير في 19 إبريل يؤكد أن فيروساً تاجياً هو سبب مرض سارس.
والآن أعلم أن الكثير من التساؤلات تدور بذهن القراء من مواطني ومقيمي المملكة الحبيبة. وسأحاول جاهداً سرد بعض المعلومات والتوجيهات التي قد تجيب عن تساؤلاتكم وذلك للتقليل من الروع والخوف اللذين يتملكان النفس.
وأول شيء هو أنه ليس معنى ذلك أن نجلس في البيوت ونقفل الشبابيك ولا نخرج إلى أعمالنا ولا إلى الأسواق والأنشطة اليومية ولكن يجب أن نمارس حياتنا بكل يسر وسهولة وبالذات إذا علمنا أن الإصابة تنشأ من الاحتكاك المباشر ولفترة مع شخص مصاب أو أدواته حيث إن معظم الحالات التي تسجل يوميا تدل على أن المرضى الجدد كان لهم احتكاك مع المصابين إما في المستشفيات أو المنازل عن طريق الرعاية أو الجوار أو الزيارة. وللعلم فإن مرض السارس أقل في العدوى من الانفلونزا.
ومكمن الخطورة هو سفر أشخاص قد تعرضوا للإصابة إلى أماكن أخرى حول العالم وهذا ما يمثل أسرع وسيلة لنشر المرض في شتى أنحاء العالم.
مَنْ هم الأشخاص المعرضون للإصابة أو المتوقعون؟
الأشخاص المتوقعون هم الذين دخلوا المملكة عائدين من هونج كونج أو دول مجاورة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين حيث إن طول الرحلة على متن الطائرة قد تعطي فرصة لنقل العدوى فيجب أن يراجع هؤلاء الأفراد الأطباء المختصين عند شعورهم بأي عرض من الأعراض التي سبق ذكرها. أما الأشخاص المعرضون هم الذين يحتكون بالمصابين لفترة معقولة. وبالرغم من ذلك فإن دولة مثل إنجلترا التي يدخلها آلاف العائدين من هونج كونج يوميا والذين تم فحصهم صرحت بأن حجم الخطر أقل بكثير من عدد العائدين عن طريق المطارات.
ودولة مثل المملكة العربية السعودية فإن الخطر بها أقل بكثير من دولة مثل إنجلترا. ولكن ما زال بوطننا مقيمون من جنوب شرق آسيا ويجب النظر في العائدين حديثاً أو الذين هم في طريقهم إلى الدخول وذلك بفحصهم على الأقل إكلينيكياً قبل اختلاطهم بأبناء الوطن. ونفس الكلام للعائدين من هونج كونج، سنغافورة، فيتنام، تايوان، بكين، جوانج دونج، وخاصة إذا شعروا بالأعراض خلال 10 أيام من عودتهم. وأما عن أطفالنا وتلاميذ المدارس فلا خوف عليهم لأنهم غير معرضين للإصابة.
ويجب عدم الانزعاج عند الإصابة بأعراض برد ورشح وزكام وسعال طالما أنك لم تكن من الأشخاص الذين قد تعرضوا لمرض سارس في آسيا أو على متن طائرة أو عن طريق أحد المختلطين معك الذي يعتقد إصابته بمرض سارس. وفي نفس الوقت يجب عدم الاستهتار وعلينا الأخذ بأسباب الشفاء من الراحة التامة والغذاء السليم والعلاج الأعراضي بعد زيارة الطبيب.
وأتوقع أن نسبة الوفاة 2 ،7% التي هي نسبة مخيفة وهي معناها أن من بين كل 100 مصاب يموت 7 وهؤلاء لا بد أن أعمارهم كبيرة أو ذات مناعة منخفضة أو نقص غذاء أو من المستهترين لأنه ما زال هناك 93% يشفون من المرض بإذن الله بعد أخذهم بأسباب الشفاء فإن الله لم يجعل داءً إلا وله دواء.
وفي النهاية، فإنه حتى الآن لم يتم التأكد 100% أن فيروسا تاجيا هو السبب أو المسبب الوحيد للمرض ولم يتم التعرف على طرق الانتقال الأخرى.. حشرات أو غذاء أو خلافه! ولا توجد طريقة مؤكدة للتشخيص وهو إعراضي حتى الآن ولا يوجد لقاح معروف. وحتى العلاج فهو علاج إعراضي ومضادات حيوية وفيروسية. ونتوقع إن شاء الله أن يجد جديد في القريب العاجل إذ إن هناك أكثر من 11 مختبراً عالمياً بعلماء وباحثين مختصين يبحثون ليل نهار في هذا المرض. ونتابع يومياً ما يجد من أخبار عن مرض سارس حتى نستطيع أنا وزملائي من أبناء الوطن والمهتمين بمجال الأمراض المعدية وتشخيصها ومكافحتها أن نشارك في حماية وطننا الغالي وأهله من كل مكروه وسوء بالكلمة والنصح والعمل.
ولكي تكون في مأمن جنب نفسك التعرض للإصابة حتى بالبرد العادي حتى لا تقع في حيرة الشك والكل يعرف جيدا كيف يقي نفسه من الأمراض التنفسية من التعرض للبرد أو للأشخاص الذين يعانون من رشح وزكام وسعال.
فهل كتب على الإنسان أن يعيش في رعب ومن خوف إلى خوف. من خوف الحروب إلى خوف الأمراض أم أنها دروس وعبر حتى لا يغتر قوي بقوته أو غني بغناه فعند الله جنود لا يعلمها إلا هو وما زال الإنسان بجبروته عاجزاً بكل معاني العجز.. فماذا فعلنا للإيدز والانفلونزا والآن سارس.
ولا ندري ما هو مخبأ لنا في المستقبل. إننا بكل فخر نصنع ما يدمر الإنسان من أسلحة إعلامية ونووية وبيولوجية. فيا دعاة التقدم والحضارة ويا من تنادون بحقوق الإنسان. إن لبني آدم الحق في أن يعيش في أمان وحرية ويكفيه ما حوله من فيروسات وبكتيريا وغيرهما ولا داعي لأسلحة إضافية ولكن يجب علينا أن نتكاتف لكي نقاوم ما حولنا من مسببات أمراض قد تفتك بنا ولا تبقي ولا تذر.
فكفوا عن النووية والبيولوجية والذكية والعنقودية وهيا نحارب الأمراض الفيروسية والبكتيرية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved