* الرياض - ياسر المعارك:
لعب قسم الادلة الجنائية دوراً كبيراً في تحديد وضبط محاضر العديد من الجرائم والاحداث الصعبة وقد كان للادلة الجنائية الدور الاكبر في كشف وتحديد هوية الارهابيين الذين قاموا بتفجيرات الرياض الاخيرة من خلال تحليل الحمض النووي «DNA» وعدة تقنيات حديثة اخرى ادت في النهاية الى كشف الستار عن اكبر مخطط إرهابي تشهده المملكة. وقد كان لكلية الملك فهد الأمينة اليد الطولى في تخريج كفاءات عالية من الضباط عملوا في اقسام الادلة الجنائية بكل اقتدار وخرجوا فيما بعد نماذج جيدة يعتمد عليها في الحفاظ على الهوية الأمنية المميزة للمملكة.. وحول هذا الموضوع التقينا بالدكتور العميد محمد آل سعد رئيس قسم العلوم الجنائية بكلية الملك فهد الأمنية والعقيد علي العجرفي والرائد عبدالعزيز المسيند المشرف على معامل الأدلة الجنائية بالكلية والدكتور منصور المعايطه عضو هيئة التدريس بالكلية وخرجنا منهم بالعديد من المعلومات الجيدة حول هذا العلم المهم.. فماذا قالوا؟
* ما المقصود بالاثر المادي والدليل المادي؟
يقول العقيد علي العجرفي: الاثر المادي، عبارة عن الاجسام والمواد التي يمكن العثور عليها او ادراكها بواسطة إحدى الحواس الخمس او بواسطة الاجهزة العلمية او المحاليل الكيميائية اما في مسرح الحادث او على جسم الجاني او جسم المجني عليه.
اما الدليل المادي فهو ما ينتج من الاثار المادية ويفحص فحصاً جيداً وإذا اثبت أن هذا الاثر له علاقة بالجريمة فيكون هذا دليلاً مادياً اذاً فالدليل المادي هو كل شيء يفيد في إثبات او نفي مسألة معينة في القضية.
والادلة الجنائية عبارة عن الظواهر والاقوال والماديات المرتبطة بحدوث الواقعة الجنائية وتؤدي الى كشف الغموض والتوصل الى الحقيقة.
* ما هي أهمية الاثر المادي؟
- يقول العقيد علي العجرفي.. هناك أهمية كبيرة للاثر المادي منها التعرف على الشخص هل له علاقة بالجريمة ام لا، كما يدل الاثر المادي على عدد الاشخاص المتواجدين خلال وقوع الجريمة من خلال الآثار الموجودة كما تبين الآثار المادية شخصية المتهم او المجرم الذي ارتكب الجريمة ويوضح الاثر المادي ايضاً طريقة الدخول والخروج لمسرح الحادث، تضييق دائرة البحث، معرفة نوع الحادث وكيفية وقوعه.
* الادلة الجنائية لها انواع عدة كيف نقسمها؟ وماهي وظائفها؟
- يقول العقيد علي العجرفي: تنقسم الادلة الجنائية الى قسمين:
الأول ادلة معنوية «القولية» وهي الادلة التي ليس لها وجود مادي مثل اعتراف المتهم او شهادة الشهود.
وهناك النوع الثاني وهي الادلة المادية والتي مصدرها المادة اي الاثار التي لها علاقة بالقضية مثل البصمات، اثار الدماء الشعر.. الخ والتي تضبط بمسرح الحادث او بحوزة المتهم او ترفع من على الجاني او المجني عليه.
اما من حيث وظائف الدليل الجنائي فهي اما للاثبات والتي تثبت التهمة على المتهم، او ادلة نفي تنفي التهمة عند الشخص المتهم وتسمح ببراءته او تخفيف المسئولية عنه.
* ماهي الاجراءات الفنية والادارية الواجبب اتخاذها عند التعامل مع الآثار المادية؟
- يقول الرائد عبدالعزيز المسيند:
يجب التعامل مع الآثار المادية بشكل علمي وذلك بالمرور بعدة بمراحل اولاً عند الانتقال لمسرح الحادث نبدأ بكثف مواقع الآثار المادية ثم نرفع ما نعثر عليه اثر مادي بطريقة علمية صحيحة تبعاً لنوع الاثر ثم تحرز وترسل الى الادلة الجنائية ليقوموا بالاختبارات والفحوصات التي تقارن وتقاس بعينات اخرى للوصول لافضل نتيجة بعد ذلك يتم تقديم نتيجة الفحص.
وهذه الامور تعتمد على مهارة الضابط من حيث وقته وملاحظته والحمد لله ان المملكة لديها كفاءات امنية مدربة تدريباً عالياً وقادرة على كشف اصعب الجرائم هناك اثار مادية صغيرة الحجم لا ترى بالعين المجردة كيف تتعاملون معها؟
- يقول العميد علي آل سعد في بعض الحالات الجنائية بمسرح الحادث تكون هناك آثار خفية لا يمكن رؤيتها بالعين فنقوم باستخدام اجهزة علمية حديثة كالعدسات المكبرة والاشعة السينية تحت الحمراء او فوق البنفسجية وبذلك نستطيع اكتشاف العديد من الآثار المادية المهمة.
* وماهي الإرشادات للرفع والتحريز؟
- يقول العميد الدكتور محمد آل سعد:
الشخص المؤهل للقيام بهذا العمل هو فريق الادلة الجنائية فبعض الآثار المادية يجب أن تعامل بطرق خاصة حسب نوع وطبيعة الاثر المادي بحيث لا تغير من طبيعتها او طبيعة المواد العالقة بها او تعرضها للتلف كما يجب ان يتم تصوير الاثر المادي قبل رفعه حيث تؤخذ في البداية صورة عامة لتوضيح موضع الاثر في مكان الحادث ثم صورة اخرى عن قرب لبيان تفاصيل وشكل الاثر ومن الارشادات الهامة ان ترفع الاثار الظاهرة للعين المجردة ثم الاثار الخفية بعد كشفها بالوسائل العلمية ثم يجب ان تحرز الآثار المختلفة في اوعية منفصلة محكمة ونظيفة بطريقة جيدة.
* في مسرح حادث ما يكون هناك حركة كثيفة داخل المسرح من قبل جهات عدة الا يؤثر هذا على تلف وخلط الاثر او الدليل المادي؟
- يقول العميد محمد آل سعد: يفترض على رجل الامن عند حدوث جريمة ما ان يمنع دخول او خروج اي شخص من مسرح الحادث باستثناء الاصابات والحالات الاسعافية وبعد ذلك تتم عملية دخول مسرح الحادث بالاولوية حسب نوع الحادث فالمصور الجنائي هو اول من يدخل مسرح الحادث ثم اسعاف المصابين ثم خبير البصمات وخبير الاسلحة حسب مسرح الحادث.
* تتعدد اشكال آثار القدم في مسرح الحادث كيف يتم رفعها؟
- يقول العقيد علي العجرفي:
لدينا أكثر من طريقة لرفع آثار القدم الموجودة في مسرح الحادث او لعمل نقوم به هو تصوير الاثر ثم اذا كان اثر القدم موجوداً على جسم املس نستخدم البصمات اما اذا كان اثر القدم موجودا على تربة طينية نقوم برفعها بطريقة الكحت اما اذا كان اثر القدم من تربة عادية فيرفع الاثر بالاشرطة اللاصقة.
بعد ذلك يتم مقارنتها من عينات اخرى للتعرف على المجرم.
* ما الفائدة من اثر القدم؟
- يقول العقيد علي العجرفي: فائدة كبيرة فأثر القدم يدل على شكل القدم من طوله وعرضه ومقاسه ثم نقارنها مع المشتبه بهم فيكون احد دلائل الاثبات او النفي.
وكثير من الجرائم نكتشف عن طريق اثر القدم وهناك قصة شهيرة حدثت في لندن فقد تم سرقت احد المنازل وبعد حضور الشرطة الى مسرح الحادثة تم رفع اثار القدم التي وجدت ومن خلالها تم التعرف على نوع الحذاء الذي كان مخصصاً لحرفة معينة ومن خلاله استطاعوا ان يتعرفوا على صاحب هذه الحرفة الذي قام بالسرقة!
ويضيف الدكتور العميد محمد ال سعد: ان ذرات التراب الموجودة في الاثر يتم رفعها ومقارنتها وفحصها على حدة لعل وعسى ان ترشد على اي دليل يفيد موضوع القضية.
* كثير من الجرائم توجد بقع دم وتلوثات بمكان الحادث على ماذا يدل اختلاف اشكالها؟
يقول د. العميد محمد آل سعد:
طبعاً شكل الدم في مسرح الحادث يدل على عدة امور فالبقع الدموية البيضاوية تكون سقطت من جسم متحرك وهذا يدل ان الجثة قد تم نقلها او يدل على ان المصاب قد تحرك حيث يدل رأس الشكل البيضاوي على اتجاه الحركة.
اما البقع دائرية الشكل فيكون سقوط الدم بشكل عامودي من جسم ساكن على سطح افقي وتكمن اهمية البقع الدائرية في مسافة السقوط لمعرفة وضع الشخص اثناء تلقيه الاصابة.
اما بقع الدم على شكل «طرطشة» او رذاد فسبب تكوينها تفجر الدم نتيجة قطع شرياني كما في حالات الذبح الجنائي او قطع شريان اليد او اثناء اختراق السلاح لجسم الضحية.
وتكمن أهمية هذا الشكل في تحديد مكان المجني عليه اثناء تلقيه الاصابة حيث توجد «الطرطشة» على اقرب الاشياء من المجني عليه.
اما اللطخات الدموية، فاذا كانت على الجدران او الفرش فتدل على العنف او المقاومة، اما اذا كان الدم بالجثة وما حولها في صورة برك دموية تدل على ان هذا المكان الذي تمت فيه الجريمة. اما اذا كان الدم على الارض في صورة لطخات طولية وذيول تدل على جر الجثة وعلى المكان الذي سحبت منه حيث تكون شدة تراكم التلوث واللطخات كثيفة في البداية وتخف تدريجيا كلما امتدت مسافة جر الجثة.
* لماذ يهتم رجال الادلة الجنائية بالاظافر والشعر والاسنان كأثر جنائي؟
- يقول العميد الدكتور محمد آل سعد العقيد علي : كل اثر مادي له اهمية ويجب على ضابط التحقيق الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة لفك الرموز الغامضة في كشف الجريمة وبالنسبة لسؤالك عن الشعر والاظافر والاسنان فلهذه الاشياء قيمة فنية جنائية سنقوم بتفصيلها.
فالبنسبة للاظافر نقوم بقص الاظافر لمقارنتها مع المتهمين والمجني عليه وذلك عن طريق فحصها تحت المجهر والكشف عن وجود آثار دم او شعر او جلد بشري للربط بين الجريمة وشخص ما.
وللاظافر كذلك اهمية فنية جنائية حيث ان وجود آثار الاظافر حول الاعضاء التناسلية وبين الفخذين للانثى يدل على جريمة اغتصاب بالقوة مع استعمال العنف اما وجود آثار الظفر حول عنق المجني عليه فيدل على ان المجرم قام بخنق الشخص وبهذا يكون قد ارتكب جريمة القتل.
كما ان وجود آثار الاظافر حول الفم والانف يدل على جريمة كتم النفس.
وعندما نتطرق للاسنان كقيمة فنية جنائية اود ان اوضح معلومة وهي ان الاسنان تتحمل درجة حرارة عالية فالنار تتلف الآثار الأخرى مثل البصمات والدم لذلك لجأ العلماء الى الاستفادة من الاسنان ففي عام 1967م اعلن مصدر روسي بأنه تم التعرف على بقايا جثة ادولف هتلر وحبيبته ايفا براون عن طريق فحص الاسنان.
اما اهمية الاسنان من الوجهة الطبية الشرعية، فالتعرف على الجثث المجهولة في حوادث الطيران والكوارث الطبيعية وجرائم القتل التي تخفى بالحرق تتم عبر المقارنة فتقارن بأوصاف الاسنان مع آثار الناس المفقودين وتقدير عمر الانسان والتعرف على سبب الوفاة.. مثلا التسمم بالسموم المعدنية «الرصاص، النحاس، الزرنيخ» فهذه السموم تعطي للانسان لونا مميزا يختلف عن الآخر.
أما الشعر فيلعب اهمية كبرى مثل الاسنان والاظافر ولكن كلا له خاصية ولهذه الاهمية الطبية الشرعية لفحص الشعر فعند العثور على عينة شعر في مسرح الجريمة نستطيع ان نحدد امورا كثيرة ولكن بعد اجراء فحوصات واختبارات عديدة وبعد اجراء هذه الفحوصات نستطيع تحديد الآتي: التعرف على المجرمين من خلال تحديد عمر صاحب الشعرة وتحديد جنس صاحب الشعرة ذكر ام انثى ثم التعرف على صاحب الشعرة من خلال المقارنة مع المشتبه بهم.
كما نستطيع التعرف على الجروح النارية اذا كان هنا حرق نتيجة لتعريض للهب مباشر فيكون الشعر منثورا وهكذا.
* ننتقل الى سؤال آخر وهو كيف تستطيعون تحديد مسافة اطلاق النار على القتيل؟
- يقول د. منصور المعايطة: بالنسبة لعلاقة الجثة بالاسلحة النارية هناك اربع نقاط لابد من الاجابة عليها لضابط التحقيق.
النقطة الاولى: يجب تحديد اتجاه اطلاق النار ليتم بسط النظريات هل هي جريمة جنائية ام انتحارية فاذا اوجدنا اتجاه طلق النار من الخلف للامام تكون الشبه حول ان تكون القضية جنائية ثم يجب تحديد ان الجرح ناتج من سلاح ناري لانه قد تشابه احيانا شكل الاصابة النارية مع سلاح آخر.
الامر الثاني هو اعطاء فكرة تقريبية عن مسافة الاطلاق فاذا طلب تحديد مسافة الاطلاق بشكل دقيق هنا يطلب من خبير السلاح تحديد مسافة الاطلاق واذا تم ضبط السلاح المستخدم فنقوم باجراء عملية الاطلاق التجريبي على مسافات مختلفة ثم نقارن نتائج هذه العلامات مع العلامات في الجثة ثم نقارن وجود هذه العلامات على اي مسافات ظهرت هذه بشكل دقيق.
ولكن بشكل تقريبي يعتمد الطب الشرعي على العلامات الموجودة على الجثة من العلاقات عند فتحه دخول الرصاصة للجثة وهذه العلاقات تمثل عنصرين اساسيين شكل فتحة الدخول وما يوجد من حولها من آثار والمقصود بالآثار هو آثار احتراق البارود والبارود عندما يحترق يخلق اربعة نواتج الاول الغازات والثاني اللهب والثالث الاسوداد والرابع المقذوف الذي اصاب الجسم. اللهب وهو النار التي تخرج من السلاح. فاذا كان جسم القتيل ضمن مدى تأثير هذا اللهب فسنجد حول جرح دخول الرصاصة حرقا، اما الدخان المتصاعد اذا كان الجسم ضمن مدى تأثير هذا الدخان يترك اسودادا حول الجرح.
اما الاثر الثالث والذي يسمى بالطب الشرعي النمش البارودي وهي عبارة عن ذرات ملح البارود التي لم تحترق احتراقا كليا اثناء عملية الاطلاق وهذه ضمن مدى جسم القتيل واطلاق النار كل هذه المؤثرات تدل ان مسافة الاطلاق قريبة.
اما اذا لم نجد هذه الآثار فبشكل تقريبي يدل على ان اطلاق النار كان من مسافة بعيدة.
* في حال عدم وجود السلاح الناري المستخدم في الجريمة كيف نتعرف على نوع السلاح؟
- يقول د. منصور المعايطة: بداية نقوم بتدقيق وتمحيص وفحص آثار الاسلحة النارية من حيث الآثار التي يشكلها السلاح على الظرف الفارغ للطلقة والمقذوف الناري، ومن حيث الآثار التي يخلفها البارود على الشخص المستخدم للسلاح. وفحص آثار المقذوف الناري على المجني عليه.
ومن خلال هذه الآثار نتمكن من التعرف على السلاح المستخدم في الجريمة.
ونتعرف على الشخص المستخدم للسلاح عن طريق رفع آثار البارود من ظهر يده على سبيل المثال.
كما يمكننا تحديد زمن الاطلاق على وجه التقريب عندما يكون هناك تناثر للزجاج والابواب في مواقع السرقات وجرائم القتل.
* الى ماذا يشير تناثر هذا الزجاج؟
- يقول الرائد عبد العزيز المسيند: عندما يباشر ضابط التحقيق مكان الحادث ويكون هناك زجاج مكسور يبدأ الضابط بملاحظة الآتي: هل الزجاج المكسور من الداخل الى الخارج او العكس وهذا يعتمد على كمية الزجاج المكسور فاذا وجد اشلاء الزجاج اكثر في الداخل يدل ان الاقتحام والكسر كان من الخارج والعكس صحيح.
اذكر هناك قصة سرقة بنك فعندما باشر ضابط التحقيق الحادث كان اشلاء الزجاج اكثر في الخارج وهنا دلت على ان المجرم كان داخل البنك وقت وقوع السرقة وفعلا بعد التحقيق تبين ان المجرم هو رجل الامن في البنك.
|