رأيت الشيخ عبدالله بن إدريس، في مجلس سمو الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وسمعت الأمير، يقول لي، بعد أن ودع، ابن إدريس خارجاً: هذا رجل فاضل، يسعى بالخير، ولا يقول إلا خيراً عن جماعته من الأدباء، ويصبر على «مناكفتهم»، ويتسع صدره ل«مدافعاتهم»، ويأتي بين الحين والآخر، متوسطا، لقضاء حوائجهم، قلت، لسمو الأمير هو كذلك يا صاحب السمو: إنه رجل فاضل، وعلى خلق كريم.
* قابلت، الشيخ عبدالله بن إدريس، لأول مرَّة في صالون الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي - رحمه الله - كُنَّا، طلاباً، محْدَثين في الجامعة أصابتنا عدوى التأدُّب، فسعينا إلى مجال أهل الأدب من الكرام، الأفاضل، الذين أفسحوا لنا مجالسهم، واتسعت صدورُهم لتطفيل الصِّغار، ولا زلت أذكر، ليالي، الخميس في شتاء الرياض القارس، نجلس إلى الكبار، في صالون الرفاعي ونحتسي أكواب (السَّحْلَبْ) الساخن، فنتدَّفأ، ولكن يدفئنا أكثر، كرَمُ صاحب الصالون، وتواضع الروَّاد الكبار.
* كان ابن إدريس، كعادته، وقوراً، صامتاً، فإذا تحدَّث لم يفحش في القول، ولا تجاوز في التعبير، مجاملاً مهذَّباً، رقيقاً، ومتواضعاً.
* ابن إدريس، وجيلُه، كانوا أكثر حفاوةً بالجيل الجديد، الذي أتى من بعدهم، وأنبل، أستاذيَّةً وأعظم رفقاً، وأطول بالاً، وأصبرُ طبعاً.
* كنا ننزل إلى شارع الوزير، ويخطُر لنا، أن نزور الشيخ حمد الجاسر، في (دار القرب)، من دون موعد. ونستأذن بالدخول عليه، ونحن نعلم مدى انشغاله، وانهماكه، واستغراقه في قراءته، ومتابعاته، لكنه، كان، يعطينا، نحن الشباب(آنذاك) من وقته، واهتمامه، ونخرج، محملين بالهدايا، من الكتب، وأعداد مجانية من «المجلة»، ومبتهجين، بابتسامات الشيخ، وترحيبه.
* كان، بعضناً يتحفز للنقاش، في الصالون الأدبي، ربما، لإثبات وجودنا، وإظهار معارضتنا، للتيارات التقليدية، فلم نكن نجد فيهم، ضيقاً، أو تبرَّماً، بلْ، وجدنا، تفهُّما، وشفقة أبوية، رغم حدَّة عباراتنا، وارتفاع أصواتنا، وحماسة إلقائنا، واندفاعات، شبابنا الملتهب.
* واحتفلت البلاد، في ذلك الوقت، بوصول، عدد محترم من «الدكاترة» في التاريخ، والأدب، واللغة، والعلوم، واحتفت بهم الصحافة، والاذاعة، وصَحِب وصولهم ضجيج اجتماعي، وإعلامي كبير، وكُنا نلْمس في أروقة الجامعة، وقاعات المحاضرات، ذلك التوتر المتوقَّع بين الجيل الأكاديمي الجديد، وشيوخ المدرسة التقليدية، الذين تلقوا، العِلْم، وتابعوه، جثْواً على الرُّكَب، وانحناءً تحت أضواء القناديل، لكن الشيوخ، استطاعوا، بصبرهم وأخلاقهم، أن يستوعبوا، القادم الجديد، ويفرضوا احترامهم ومكانتهم، فما لبث، أن، التأم الشمل، وانتظم العقد، في تناغُم، وتَشَادِّ، رائعين استمتعنا بهما، واستفدنا، منهما.
* عندما، احتفلت، عائلة ابن إدريس الكريمة، بشيخها وأستاذنا، عبدالله بن إدريس، لم تحتفل برجل صاحب ثراء عريض أو رجل أعمال كبير، ولم تحتفل بمسؤول بيروقراطي متنفذ، ولكنها احتفلت برجل أديب، ثري في أخلاقه، متنفذ، في حبِّ الناس، واحترامهم، وهذا تقليد كريم، وسُنَّة حسنة، تتحدَّث عن أخلاق هذه العائلة، كما تتحدث، عن صفات المحتفى به، ومكانته.
* هذا إحياء، وبعث، لموازين، مُهمَّة، في تقدير الأعمال، والرجال، بعد، أن، كاد يطغى الريال، والدولار، والمنصب، في معايير، التقدير، والاحترام.
* ولا شك، ان، حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لهذه، المناسبة، تكريس قوي لهذا التوجه الاجتماعي الحميد، والمنتسبون لميدان، الكتابة، والمتمسِّحون به، من أمثالي، يشعرون، بالامتنان العميق لسموه، عندما، يرعى المناسبات التي تكرم الفكر، والأدب، ومكارم الأخلاق.
* طُوبى لآل، ابن إدريس، احتفاليتهم الكريمة، وسنَّتهم الحميدة، وشيخهم الوقور، صاحب الخُلق الجميل، والصفات النبيلة، والنضال الكريم، في ساحات التعليم، والتأليف والأدب، ومكارم الأخلاق.
* وتحية، لأستاذي الكريم، الذي يؤْنِسُني بالجوار الطيب في «جزيرة» الثلاثاء، وأرجو أن يعرف، بأنني أجلس منه، في هذه الصفحة، ذات، المجلس، في ذلك «الصالون» الدافئ، القديم، بارك الله لنا جميعاً، في عمرِك، وصحتك، وأدبك، وخُلقك، وفي جيلك الفاضل النبيل.
|