لقد بعث الله رسله وأنزل كتبه لصيانة فكر الإنسان وتقويمه وحصانته بل وتنويره بتوحيد خالقه جل وعلا وتوحيد الخالق سبحانه وتعالى لا يكون فقط بتوحيده بأنه الخالق الرازق المدبر للكون فهذا التوحيد موجود عند الأمم المكذبة المعاندة للرسل ولم ينجهم من عقوبة الله تعالى ونقمته ومن هنا فمن مهام الرسل ووظائفهم عليهم الصلاة والسلام تحرير فكر البشر وبني الإنسان من عبودية غير الله وصيانة فكره من كل ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى ولهذا خرج نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام جيلاً عظيماً تفقهوا وتعلموا وتربوا على يديه صلى الله عليه وسلم بل وتأسوا به في كل شؤون حياتهم فاستحقوا كل معاني السمو والعزة والربانية وملكوا العالم وخضعت لهم الأمم لماذا؟ لأنهم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم فهذا أحدهم يسأله عظيم الروم: ما جاء بكم؟ فيجيب: جئنا لنخرج الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
هؤلاء النخبة جمعوا بين العلم والعمل واقتصروا على الاتباع وتركوا الابتداع، اتفقوا رضي الله عنهم أن يكونوا من الفرقة الناجية الفرقة المنصورة حيث سمعوا نبيهم صلى الله عليه وسلم يقول: وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فبادروا بالسؤال من هذه الفرقة؟ ليعملوا رضي الله عنهم بتوجيهه عليه الصلاة والسلام حرصاً منهم على النجاة في الدارين وهكذا أتباع هذا النبي الكريم ومحبوه ومحبو أصحابه رضي الله عنهم من التابعين وتابعيهم بإحسان في كل زمان ومكان نجد أنهم قد عضوا على هدي حبيبهم صلى الله عليه وسلم بالنواجذ فحصنوا افكارهم وصانوا عقولهم بل لقد جندوا أنفسهم في محاربة كل من سعى في إضلال المسلمين فهذا احدهم يستأذن الرسول عليه السلام في تصفية وتطهير المجتمع ممن اعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينما لاح في الأفق في عهد الفاروق رضي الله عنه من يحاول إثارة الشبه كان جزاؤه درة عمر رضي الله عنه وحينما ظهر في عهد الدولة الأموية من يعمل على الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع المسلم من المتزندقة وغيرهم كان لسوط السلطان أثره وأهميته في إخماد وقمع أولئك فخطب خالد القسري رحمه الله وكان أمير الكوفة قائلاً ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإن زعم أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً وما كلم موسى تكليماً فنزل فذبحه.
وهكذا وفق أئمة السنة وحملة لواء المنهج النبوي من أمراء المسلمين وعلمائهم لتأمين الأمن التام لأفكار رعاياهم وشعوبهم فلا يلوح في الأفق صاحب بدعة أو ضلالة أو فكر مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة إلا أقاموا عليه الحجة والبرهان فإن رجع عما يدعو إليه وإلا كانت درة عمر بانتظاره فإن نظف فكره فبها وإلا فأحفاد خالد القسري له بالمرصاد فبقيت جماعة تتوارث الهدي النبوي وتحكم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وقد حفظ الله لهذا المجتمع عقيدته بما وفق له ربان سفينته من الأمراء والعلماء من إخلاص النية في العمل على أمن أفكار هذا المجتمع والعمل على تحصين أبنائه من كل فكر وافد مخالف لما عليه سلف هذه الامة.
ولا يخفى على منصف أنه قد لاح في الأفق من يسعى إلى خرق السفينة ممن تلقتهم أياد آثمة خائنة لتلقح افكارهم وتسمم عقولهم بتكفير المسلمين والتنادي بالخروج على أئمتهم ومنابذتهم بالسيوف وشق عصا الطاعة بحجج شيطانية وبراهين إبليسية قد أملاها عليهم أخلاؤهم من شياطين الإنس فعاثوا في الارض فساداً وتواصوا بضرورة إعلان الثورة الكبرى على كل من يخالف فكرهم الكفري المنحرف المخالف لصراط الله المستقيم حتى وان كان من كبار العلماء والمصلحين فضلاً عن بقية الناس رعاة ورعية فكانت النتيجة وأسأل الله العافية والسلامة للجميع العمل على زعزعة أمن أمة مسلمة موحدة وذلك بانتهاج أسلوب التفجير الانتحاري وفي قعر عاصمة دولة عاهدت الله على تحكيم كتابه وهدي نبيه الكريم وقامت بكل جهدها على خدمة مقدسات المسلمين وصيانتها وبذلت الأموال الطائلة في طباعة كتاب الله وتوزيعه على المسلمين في أقطار الأرض وقبل ذلك وبعده صانوا بلادهم ومجتمعهم من جميع أسباب الانحراف العقدي فلا أضرحة ولا مزارات ولا كنائس ولا معابد لأي طائفة لا تدين بدين الإسلام.
فقتلوا بتفجيرهم الآثم الأبرياء ممن يشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله دون جريرة أو ذنب اقترفوه وقتلوا الأبرياء ممن دخلوا هذا البلد بعهد وأمان وقد ضمن لهم الإسلام الحماية وتوعد رسوله عليه السلام من خان هذا العهد وقتل معاهداً بأن لا يريح رائحة الجنة، ولا شك أن هذا دليل على تحريم قتل أمثال هؤلاء فليت شعري ما حجة هذه الطغمة الانتحارية الضالة حينما يسألهم الله جل وعلا يوم القيامة فيم قتلتم هؤلاء؟ ما حجة هؤلاء حينما يخاصمهم النبي صلى الله عليه وسلم القائل إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.
بل ما حجة هذا المنتحر البائس القاتل لنفسه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: من تحسى سماً فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها.
وإن قال قائل إن هذا المنتحر قتل نفسه محتسباً الشهادة في سبيل الله أن قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه صهر رسول الله وأحد العشرة المبشرين بالجنة كان قد قتله متقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بدمه فهل هو على حق؟ كلا والله وحاشا فهو أشقى الخلق بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.
في أعقاب هذا التفجير الآثم نجد صنفاً من شباب الصحوة يشيع أن خلف هذه التفجيرات أمريكا ونجد صنفاً آخر ينادي بالحذر من اتهام أحد بعينه أو فكر بعينه ونجد صنفاً آخر يؤكد على أهمية لزوم الصمت وعدم الخوض في هذه القضية البتة .
ونجد صنفاً آخر يطلب منه رسمياً استثمار منبره بشجب هذا العمل واستنكاره فيروغ كما يروغ الثعلب بل ونجد صنفاً آخر بالأمس القريب يسب ويشتم ويلعن كل حكام المسلمين واليوم يتغير الثوب ويبدل الجلد ليركب الموج ويبعد عن نفسه الشبهة.
نحن اليوم بحاجة قصوى رعاة ورعية آباء ومسؤولين ومربين إلى إعادة النظر في آلية تربية ناشئتنا ولاسيما بعض الأنشطة اللا منهجية، نعم علينا مراقبة ناشئتنا ومعرفة من يجالسون وعلينا جميعاً تحذيرهم من الجلسات التنظيرية السرية التي كثرت واتخذ لها ما يشبه مسجد الضرار من الأقبية السرية في بعض الاستراحات وغيرها.
وفي الختام أقول لقادة هذا البلد الكريم الآمن الموحد: إنه قد آن الأوان لمعرفة حقيقة هذا الداء الخطير واستئصاله من جذوره ولا حرج في التأسي بمن سلف من السابقين واللاحقين بالتضحية بكل من حمل هذا الفكر ودعا إليه وأيده وأفتى بمناصرته بعد إقامة الحجة عليه فالنبي الكريم وجه بقتل الخوارج قائلاً اقتلوهم حيث وجدتموهم ففي قتلهم أجر عند الله تعالى وقد قتلهم أمير المؤمنين علي بن طالب رضي الله عنه بعد أن ناظرهم ورجع من رجع منهم إلى الحق والرشد ولنا فيه أيضاً أسوة حسنة.
وإني أرى أن من الحكمة ملأ فراغ الشباب وإشغالهم بالأحسن لسد الباب على الأسوأ وقبل أن يبحثوا عما يشغلهم دون معرفة خطره ومن إشغالهم دراسة وضع البطالة والعمل على توظيف كل خريج بقدر المستطاع بل لابد من فرض العقوبات على كل مؤسسة أهلية لا تولي جانب السعودة شيئاً من الأهمية لأطماع دنيوية وغيرها.
وأختم الكلام بالقول إن من أعظم أسباب صيانة هذا البلد الآمن وحفظه رعاة ورعية هو تقوى الله تعالى في السر والعلن ومراقبته جل وعلا وطمس مظاهر الفسق والانحراف وتطبيق حكم الله تعالى وحدوده في كل شيء ومحاربة ما حاربه الله ورسوله وهذا ما شهد به التاريخ لمؤسسي دولة الإسلام بدءاً من مدينة الرسول عليه السلام وانتهاء بقيام الدولة السعودية السلفية بمراحلها الثلاث.
كما أؤكد مسؤولية قادة هذا البلد وولاة أمره وقد حموا لواء أهل السنة والجماعة وعملوا على تحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في العمل على صيانة وحفظ العقيدة ومنع دعاة البدع ودعاة الفرق الضالة من خرافية علمانية وغيرهم من إظهار بدعهم ومذاهبهم والدعوة إلى أفكارهم المنحرفة المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة ليتحقق بذلك الأمن الفكري لرعيتهم وأبنائهم ومواطنيهم فلا مجاملة في حماية المعتقد وصيانة العقول ممن قد جند كل ما يملك في غزو هذا المجتمع عقدياً وفكرياً وأخلاقياً، وفي ذلك يتحقق قول الله تعالى )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|