* نجران حسن آل شرية:
تبذل الجهات المختصة في المدن كالبلديات والمصحات جهوداً مكثفة لتجنيب السكان كل ما يضر بصحتهم أو يقلق أو ينغص عليهم راحتهم، لكن هذه الجهود تبدو احياناً قاصرة لسبب أو لآخر في بعض مدننا كمدينة نجران التي تعاني من آثار سلبية تخلفها مصانع ومعامل البلك الآلي والخرسانة والأسمنت، وهنا نتحدث عن هذه الجهود والسلبيات الحاصلة ومضارها الصحية في آراء عدد من المختصين..
معاناة المواطنين
تحدث المواطن المهندس/ صالح بن مانع كرحان مشيراً إلى أن وجود المصانع بصفة عامة ومصانع البلك الآلي والخرسانة بصفة خاصة وسط الأحياء السكنية من السلبيات الكبيرة والمؤثرة على المجتمع والبيئة حيث إن المواد المستخدمة في المصانع يوجد بها مواد كيميائية ضارة تتطاير مع الهواء متسببة في إحداث مضار صحية وبيئية تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الفرد والمجتمع اضافة إلى ما تسببه هذه المصانع من إزعاج للمواطنين سواء من خلال المعدات الثابتة التابعة لها أو المعدات المتحركة الداخلة والخارجة منها.. كما أن هذه المعدات تعيق عملية السير في شوارع المدينة والأحياء المجاورة لها وكذلك تتسبب في اختناق الحركة المرورية عند مداخل هذه المصانع والتي يتولد عنها حوادث في بعض الأحيان، اضافة إلى ما يعانيه سكان البيوت المحيطة بها من اتساخ الأسطح الخارجية لمنازلهم جراء تطاير الأتربة والمواد الأسمنتية إضافة إلى ما يترتب على ذلك من أضرار صحية بالغة وخطيرة هذا اذا أضفنا لذلك ما تسببه للبيئة من تلوث ومشاكل بالإضافة إلى تشويه المنظر العام للمدينة لذلك يجب أن نحذو حذو المدن الأخرى الحديثة التي وضعت لمثل هذه المعامل والمصانع مخططات خاصة بها بعيدة عن الأماكن المأهولة بالسكان.. وأن لا نشتكي ونتحجج بأن ابتعاد هذه المصانع عنا سيزيد التكلفة ويرفع أسعارها لأن المضار الصحية والبيئية التي تسببها أخطر وأكبر بكثير من مجرد حسابات تكلفة.
كما عبر المواطن علي بن حسين ريمان عن معاناته بقوله: إنني أحد السكان المجاورين للحزام الجنوبي (طريق الأمير سلطان) ونعاني منذ امد بعيد من وجود مثل هذه المعامل والمصانع.. فالزائر للحزام الجنوبي يلاحظ وبشكل واضح وجود عدد من مصانع البلك الآلي والخرسانة الممتدة على طوله ومما لا شك فيه أن لهذه المصانع بالغ الأثر على الصحة ولا سيما أنها مجاورة للمنازل السكنية والتي غالبا لا تخلو جنباتها من مرضى يعانون من أزمات الربو والالتهابات الصدرية مما يزيد المرض حدة وخطورة، كذلك لا ننسى الناحية الشكلية فان هذه المصانع تخرب المنظر الحضاري للمدينة وكذلك شاحنات النقل الخاصة بالخرسانة والبلك تساهم في عرقلة حركة السير ولا سمح الله التسبب في حوادث مرورية.. وأعتقد ان بلدية منطقة نجران تولي هذا الموضوع وعملية حله جل اهتمامها.
كما تحدث لنا المواطن/ عبدالله آل هتيلة.. قائلاً:
جميعنا نعرف جيداً ذلك الارتباط الوثيق الذي يجمعنا مع البيئة المحيطة بنا سواء بالايجاب أو السلب، فاذا كانت البيئة التي نعيش فيها نظيفة وسليمة من عوامل التلوث فإننا سننعم نحن وأبناؤنا بصحة وعقول سليمة وسيغلب على طباعنا وأفعالنا اليومية عامل النشاط والحركة، اما اذا كانت سلبية وتعاني من التلوث أيا كان شكله أو مصدره فإن الضرر سيكون شاملا سواء على صحة الإنسان أو بيئته ولن يكون من السهل تعايش الفرد في ظل هذا المحيط الملوث.
رأي الطب
الدكتور/ مرزا رئيس أحمد.. اخصائي الصدرية والدرن بمستشفى الصدر والحميات بمنطقة نجران يرى ان للبيئة التأثير المباشر والهام على صحة كل فرد في المجتمع، وهذا التأثير يتفاوت في شدته على حسب العنصر المؤثر الموجود بالبيئة : كالرطوبة، والجفاف، والغبار، والغازات، والإشعاع وما يحمله الهواء من عناصر تلوث أخرى.. لذلك كان لاستنشاق بعض المواد الغازية سواء كانت في شكل ذرات أو غيره تأثير على الأنف والحنجرة والعين مما يؤدي الى العطاس والكحة أو السعال مع احمرار العيون.. كما توجد مخلفات صناعية في الغلاف الجوي قد تؤثر على الجهاز التنفسي والهضمي/ والعصبي وكذلك الجلد.
لذا فإن التأثير علينا من جراء مؤثرات البيئة المختلفة ربما يكون موضعيا أو لكل أجزاء الجسم أو لعضو واحد فقط حسب نوع المادة المؤثرة وحسب كميتها وحسب الفترة الزمنية للتعرض لها إما عن طرق الملامسة أو الاستنشاق أو البلع، وأكثر الناس عرضة لهذه المخاطر هم عمال المصانع العاملون فيها، وسكان المناطق المتاخمة لهذه المصانع وسكان المدن الصناعية الكبيرة والمزدحمة، وكما ذكرنا هنالك آثار ضارة كثيرة لكل من يتعرض لمؤثرات البيئة المذكورة، ولكن أكثر الناس تضررا هم أولئك الذين يعملون في مصانع تجتمع فيها معظم عناصر التلوث كمصانع الأسمنت (البلك والخرسانة) والمناجم والكسارات وغيرها وبالمثل أولئك الذين يقبعون بالقرب منها وكمثال لما ذكرنا من تأثيرات نذكر:
إصابات وأمراض الرئة المهنية
نتيجة لمواد كيميائية عضوية وغير عضوية تتسبب الأمراض الآتية:
ثيوموكوثيوسس.
التهاب رئوي تحسسي.
أمراض انسدادية وضيق الشعب الهوائية.
إصابات تسمميه للجهاز التنفسي.
- سرطان الرئة.
امراض الغشاء البلوري للرئة.
وأمراض أخرى كثيرة ومختلفة.
* اصابات نتيجة لغبار غير عضوي.. مثل:
ثاني أكسيد السيليكون.. ويسبب مرض السيليكوزس.. وذرات السيليكا والجبس.
غبار سيليكا الذي يحتوي المايكا وسلكات الألمنيوم وهذه تؤدي لما يعرف باسم كاولين ثيوموكوثيوسس.
(مرض السيليكوزس).
وهذا يتكون نتيجة استنشاق غبار ثاني أكسيد السيليكون الذي يبلغ حجم ذراته 3 ،0 5 ،0 جزء مايكرون فير وهذه عند دخولها للرئة تكون حبيبات بيضاوية تظهرعلى صورة الأشعة للصدر بالإضافة إلى تكلس في حواشي الغدد الليمفاوية داخل الرئة يظهر كذلك على صورة أشعة الصدر وله قيمة تشخيصية كبرى لحالات السيليكوزس.
ويمكن تقسيم حالات السيليكوزس إلى:
بسيطة حيث لا توجد أعراض ولا تأثير واضح على المريض.
غير بسيط ومتقدم حيث يشكو المريض من أعراض ك:ضيق التنفس والسعال وتدهور في أداء وظيفة الجهاز التنفسي العامة وتوجد دائرة بيضاء على أعلى الرئة عند عمل صورة أشعة.. وهؤلاء المرضى لهم القابلية أكثر لاكتساب الدرن الرئوي أكثر من غيرهم وكذلك سرطان الرئة.
* التأثير المباشر على الجهاز التنفسي:
تهيج عام للغشاء المخاطي ويكون مقرونا بالتهاب حاد.
تسمم عام كما يحدث في حالة استنشاق الغازات مثل غاز الزئبق.
حساسية الأنف والعين والجلد.
الحساسية المفرطة في الشعب الهوائية.
تحفيز أضرار التهابية تليفية داخل الرئة نتيجة لتحفيز الجهاز المناعي الخلوي.
* يعتمد التأثير العام لهذه المواد على أنسجة الجهاز التنفسي على نوعية المادة المستنشقة وتركيز المادة المستنشقة في الجو وحجم الذرات أو الجزئيات وطول أو قصر فترة التعرض لهذه المواد وقابلية الشخص للتأثر بتلك المواد.
* العلامات والأعراض الطبية:
السعال إفرازات مخاطية ضيق وانقباض في الصدر وضيق في التنفس ازرراق على الأغشية المخاطية نتيجة لنقص الأكسجين آلام في الصدر انحباس سائل داخل الغلاف البلوري انحباس الهواء داخل القفص الصدري خارج الرئة ورم حول أصابع اليدين.
التحاليل المطلوبة للمساعدة على التشخيص هي:
تعداد الدم كلي ونوعي وترسيب الدم وفحص البصاق مع عمل مزرعة، وصورة أشعة للصدر واختبار وظائف الرئة وقياسها، وصورة مقطعية للصدر عند الضرورة لتشخيص تليفات الرئة بمختلف أنواعها.
كيفية العلاج والوقاية:
وقف مصدر الغبار أو المادة المؤثرة إذا كان ذلك في الإمكان.
الابتعاد عن مصدر المادة الضارة بقدر المستطاع وذلك بتغيير المهنة أو تغيير مكان السكن.
العلاج الطبي حسب الأعراض.
* أما بالنسبة للعاملين في هذه المصانع فيجب عليهم:
- لبس كمامات واقية للأنف والجهاز التنفسي.
لبس نظارات واقية للعين.
ارتداء قفازات واقية للجلد.
غسيل الأجزاء المتعرضة للمواد المؤثرة باستمرار.
معاينة الطبيب الاستشاري في الحالات الحادة.
هذا مع تمنياتي للجميع بصحة وعافية دائماً.
حساسية الأنف
كما تحدث لنا دكتور الباطنية/ عباس حسن المكرمي.. بمستشفى الملك خالد بنجران مؤكدا ان التلوث الذي ينتج عن مصانع البلك الآلي والخرسانة يؤدي إلى أضرار صحية عديدة خاصة إذا تواجدت هذه المصانع وسط الأماكن المأهولة بالسكان كما هو حاصل الآن.. حيث إن هذه الأضرار تتكون نتيجة انبعاث وتطاير ذرات الرمل والأسمنت وهي المكونات الأساسية لهذه الصناعة حيث تملأ الهواء المحيط بنا هذا بالإضافة للغازات المنطلقة من المحركات والمكائن المستخدمة سواء للإنتاج أو النقل.
إن وصول مثل هذه المواد إلى الجهاز التنفسي يؤدي إلى التهاب وتهيج للأغشية المخاطية في الأنف والقصبة الهوائية وهذا يؤدي بدوره إلى حساسية الأنف والتهابات الجيوب الأنفية بالإضافة إلى حدوث أزمات ربو متكررة وحساسية للعيون.. هذا ما يترتب سريعا نتيجة تعرضنا لهذه المواد الضارة وهذا ما نلحظه مباشرة.. ولكن مانلاحظه أو ندرك بخطورته بشكل أسوأ وأشد على صحتنا وحياتنا هو أن هذه المواد على المدى البعيد قد تؤدي الى التدهور التدريجي في وظائف الرئتين مما يؤدي في النهاية إلى الفشل التنفسي... كما تؤدي إلى سرطان الرئتين والشعب الهوائية وكذلك سرطان الحنجرة والتليف الرئوي التدريجي.. هذه الأضرار تحدث للشخص العادي ذي الصحة وحساسية الأنف والعيون وذوي المناعة الضعيفة بالإضافة إلى صغار السن فالآثار تكون أسوأ وأشد خطورة.
لهذا نهيب بأصحاب هذه المصانع والقائمين عليها أخذ هذا في الاعتبار حرصا على صحتهم وصحة الجميع.
كما أكد الدكتور هشام إبراهيم القزاز.. أخصائي الأنف والأذن والحنجرة بمركز الحياة الطبي بنجران أن من أهم العوامل التي تساعد على إصابة الجهاز التنفسي بالأمراض هي عوامل تلوث البيئة.. فسلامة الجهاز التنفسي يضمن للإنسان الراحة والسعادة وسلامة العقل والجسد.. وأهم هذه العوامل هو إنشاء المصانع والمعامل في أماكن آهلة بالسكان كمصانع الأسمنت والكسارات والخرسانة وغيرها والتي تؤثر بطريقة مباشرة على الجهاز التنفسي وصحة الإنسان.. فمثل هذه المصانع يكون لها مخلفات كيميائية ضارة تؤثر على خلايا الغشاء المخاطي المبطن للجهاز التنفسي بصورة ضارة جدا ثبت بالدراسات أنها تسبب تحولاً في الخلايا من سليمة إلى خلايا سرطانية تؤدي إلى الإصابة بأورام الجهاز التنفسي بالشعب الهوائية والرئة والحنجرة والجيوب الأنفية والبلعوم والأنف.. كما أن تزايد كميات الغبار والأتربة الناتجة عن هذه المعامل يؤدي إلى الإصابة بالحساسية في الجيوب الأنفية والعيون مما قد يعكر على الإنسان صفو حياته وإحساسه بالهدوء والسعادة.. كما تزيد فرصة التعرض لأزمات الربو الحادة التي قد تؤدي إلى فشل في وظائف الرئتين لا سمح الله.. كما تؤدي إلى التأثر المباشر أو غير المباشر على الأطفال إلى نقص في النمو الجسمي نتيجة لقلة الأكسجين في الهواء وكذلك يؤدي هذا النقص في كمية الأكسجين الذي يصل إلى المخ إلى تأخر النمو العقلي أيضا مما ينشأ عنه جيل ضعيف من الأطفال... لذا من أهم طرق الوقاية والحماية نقل هذه المصانع والمعامل الضارة على صحة الإنسان إلى خارج نطاق المناطق السكنية.. وإجراء مسح طبي دوري على العاملين فيها وتوزيع الكمامات الضرورية عليهم لحماية الجهاز التنفسي الذي هو مفتاح حياة الإنسان.
رأي البلدية
أما رأي بلدية منطقة نجران حول هذا الموضوع فتمثل في نقطتين هما:
ان المصانع الجديدة داخل الكتلة العمرانية للمدينة لا يصرح بها الآن.
وبالنسبة للمصانع القائمة الآن داخل المدينة فقد تم إشعار أصحابها من قبل البلدية بنقل تلك المصانع خلال الفترة المحددة نظاما.. وذلك لتوفيق أوضاعهم مع الشروط تمشيا مع الأنظمة والتعليمات خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات وأن لا يؤثر التجاوز عن بعضها على السلامة العامة.. وهذه المدة هي لإعطاء الفرصة لأصحاب المصانع توفيق أوضاعهم ولذلك يلزم أصحاب المصانع داخل المدينة الاستعداد إلى الانتقال من الكتلة العمرانية في نهاية المدة.
|