|
شخصية فذة وشاعر فحل ورائد من رواد البلاغة في العصر الحديث ذلكم هو محمد بن عبد الله بن عثيمين، اشهر شعراء الجزيرة العربية في العصر الحديث وشاعر الملك عبد العزيز السياسي اذ كلما حقق الملك عبد العزيز نصر سجله ابن عثيمين شعرا.
وها انت ذا ترى انه قد ذهب ما اعطوه وبقي ما اعطاهم. صفات الشاعر واخلاقه كان ابن عثيمين ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير اسمر اللون حاد البصر مكتمل الصحة وكان وقورا حسن السمت دائب الجد وقد يتندر ولكن مع قلة يصطفيها من الصحاب وكان الى ذلك سخي الكف كثير البر شجاعاً لأصدقائه ويؤيد ذلك انه لما وقعت حروب بين اصدقائه آل ثاني وبين خصومهم اشترك في القتال فلما كانت موقعة «خنور» قتل حامل الراية في جيش آل ثاني وكادت الهزيمة تلحق بهم لولا ان الشاعر نهض الى الراية فحملها واخذ يتقدم ويعدو بها حتى التحم الجيشان واخذ يشق الصفوف ويهتف بالجند وقد اثار بذلك حماس صحبه فكان النصر حليفهم. ثقافة الشاعر وقد جد الشاعر في التحصيل والدرس على الرغم من كد العيش وعنت الايام وقد حاول ان يكون له سبق في الشريعة وعلومها لذا رأيناه في باكورة حياته ينقطع الى الشيخ الخرجي بالسلمية يأخذ عنه ولما اشتغل لتجارة اللؤلؤ على ساحل الخليج العربي جعل للعلم طرفي النهار فان كان بعمان كان استاذه الشيخ احمد الرجباني وان كان بقطر تتلمذ على العلاقة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع فإن رجع الى نجد رأيته بالافلاج في دروس الشيخ «سعد بن حمد بن عتيق» وبالرياض مع ائمة الدعوة السلفية من آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لكنه على الرغم من هذا الجد وعلى الرغم من طموحه الى المشيخة في العلوم الشرعية غلب عليه الادب وعرف به دون سواه وقد حفظ مقامات الحريري كما حفظ وقرأ كثيرا من شعر الاقدمين من شعراء الجاهلية والاسلام والمخضرمين والامويين والعباسيين. صلة الشاعر بآل سعود فتح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله الاحساء سنة «1331هـ» والشاعر كان اذ ذاك يتنقل بين الامارات العربية على الخليج كما قدمنا وقد ازدهاه هذا النصر كمسلم تعنيه عزة دينه وكمواطن يتمنى لبلاده القوة والمنعة واثلج صدره هذا النصر المبين فانطق لسانه وقام مسرعاً بتقديم تهنئة للملك عبد العزيز وتسجيل ذلك الفتح العظيم بقصيدة رائعة يقول في مطلعها:
ففي المواضي وفي السمر اللدان وفي الجرد الجياد له شغل عن الطرب:
وتعد هذه معارضة لقصيدة ابي تمام في مدح المعتصم العباسي في تهنئته بفتح عمورية وهي القصيدة المشهورة التي مطلعها:
وكان شاعرنا موفقا في هذه المعارضة كل التوفيق فالمناسبة قوية بين الفتحين ففتح عمورية كان انقاذ المسلمين من تنكيل الروم وكذلك كان فتح الاحساء انقاذا للمسلمين من تنكيل المحتلين والمستعمرين وهذه اول قصيدة قالها الشاعر في مدح الملك عبد العزيز آل سعود ومنذ ذلك التاريخ سطع نجم شاعرنا الهمام ابن عثيمين في سماء الادب وسجل في قصائده انتصارات الملك عبد العزيز وبطولاته المظفرة ووقائعه الفاصلة وفتوحاته الكبرى وعرف الملك عبد العزيز غفر الله له للشاعر النجدي فضله وقدر ادبه فاضفى عليه ثوب النعمة. خاتمة حياة الشاعر وفي اخريات عمر الشاعر الطويل انصرف عن الشعر الى العبادة بعد ان بلغ خمسة وثمانين عاما ووافاه القدر المحتوم فلاقى ربه في شهر ذي الحجة سنة «1363ه - 1944م» وله من العمر ثلاثة وتسعون عاما بكامل قواه ودافق حيويته رحمه الله. شعره ومنزلته بين الشعراء يمتاز شعر ابن عثيمين بالسهولة والعذوبة ووضوح المعنى وجزالة التراكيب ويظهر فيه كلفه باحتذاء الاقدمين في بعض قصائدهم المشهورة واذا قيس شعره بزمنه وبيئته التي عاش فيها وبعصره الذي ساده التأخر والجهل حق لنا ان نعده من قادة النهضة الادبية الحديثة ورائدها في الجزيرة العربية ومن يستوعب ديوان ابن عثيمين «العقد الثمين» من شعر محمد بن عثيمين الذي قام بجمعه وترتيبه وشرح مفرداته اللغوية والدي الشيخ سعد بن عبد العزيز الرويشد حيث بذل جهداً كبيراً في البحث عن قصائد الشاعر في قطر والبحرين ولدى بعض العلماء والادباء في الرياض وحوطة بني تميم وفي الخرج وفي مكتبة معالي الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله بمكة المكرمة وقد طبع هذا الديوان القيم «العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين» الطبعة الاولى على نفقة معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان رحمه الله وزير المالية في عهد الملك عبد العزيز بدار المعارف بمصر 1375هـ» والطبعة الثانية بأمر حاكم قطر الاسبق احمد بن علي آل ثاني والثالثة والجديدة على حساب الشيخ عبد العزيز العبد الله السليمان الحمدان واخوانه. أغراض شعره ويغلب على ابن عثيمين في شعره ثلاثة اغراض وهي المدح والتهنئة والرثاء. وهي تكاد تنبع وتنضج من معين واحد اما المدح فقد تفوق فيه ونظم روائعه فحاكى غيره من الشعراء غير انه اختار لمدحه ثلاث اسر عربية ماجدة هي آل سعود وآل خليفة وآل ثاني حيث اختصهم بمدحه فقدروه قدره وربا بنفسه ان يمدح من هو دون الملوك والامراء ولم يكن في مدحه يقصد عطاء ولا مالا ولم يكن من المتكسبين لشعر فقد كان تاجراً يعيش بكفاحه وكده وكان يشكر لهؤلاء الملوك عنايتهم به وحربهم عليه فتراه يقول:
واستأثر بأكثر مدائحه الملك عبد العزيز عندما توالت فتوحاته للعواصم الكبرى من مملكته فهو شاعره السياسي اما الرثاء فمبعثه الوفاء لمن احسن اليه من العظماء والعلماء فهو ينزع فيه عن عاطفة صادقة اسلامية نبيلة وروح سامية وفي هذا الغرض نجد له بعض امثلة من الحكمة ولم يتصرف شاعرنا في بقية الاغراض الشعرية الاخرى فقد ترك الهجاء لعفة لسانه وسمو خلقه وحرصه على محبة الناس ومسالمتهم وترك الغزل لأنه انما يحسن من ذوي الطبيعة المرحة فلا يليق بمن كان مثله في توقره وسمته على انه جارى السابقين وحاكاهم بالتشبيب في اول قصائده ويكاد لا يترك ذلك الا نادرا ومن قول شاعرنا في الرثاء ما قاله في رثاء العلامة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ المتوفى سنة 1339هـ وهو جد الملك فيصل بن عبد العزيز لأمه رحمهم الله جميعا:
ومن قول شاعرنا في صديقه ورواية شعره الاديب عبد الله بن احمد الصجيري المتوفى سنة 1352هـ:
وقد جمع ديوان الشاعر كل ما امكن جمعه من شعره الا هذه الابيات الخمسة التي وجدتها مخطوطة بيد الشاعر في مكتبة الشيخ ابراهيم بن عبد الله الشايقي ضمن جواب خطاب قد بعثه الشاعر وهو بحوطة بني تميم الى الامام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود والد الملك عبد العزيز رحمهم الله جميعا. وهو بالرياض وذلك بتاريخ اربع رجب عام 1346هـ وكان الامام عبد الرحمن قد بعث الى الشاعر رسالة ومعها «عباءة» له وكان الشايقي يعمل مديرا لمكتب الامام عبد الرحمن وكذلك قصيدة في الملك سعود رحمه الله يهنئه الشاعر بولاية العهد ومقطوعة شعرية في الشيخ محمد بن مانع استاذ الشاعر عليهما رحمة الله:
واسجل هنا للحقيقة والتاريخ ان شاعرنا الكبير محمد بن عثيمين قد نقل الشعر العربي في مجتمعه بالجزيرة العربية من مرحلة التقليد والصناعة اللفظية الى عهد جديد من الاصالة والبلاغة الشعرية وسمو المعنى وقوة النسج وتخليق الخيال. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |