كتبت وكتب الكثير من الكتاب والصحفيين عن ظاهرة تحول العزاءات إلى «احتفالات» أو إلى شيء من الاحتفالية «تجمع.. ولقاءات.. ودلال.. وأباريق.. وأطياب.. وقهوجية.. وعشاءات.. وغداءات.. ومفاطيح رايحة.. ومفاطيح جاية».
وسفر تمتد عدة أمتار ظهراً وليلاً.. وغرفة كبرى مخصصة للقهوجية بكافة معداتها.. وكله بمناسبة موت فلان أو فلانة..
** نعم.. احتفالية تحت اسم عزاء..
** بعضهم.. يضع مكاناً كبيراً.. سرادقاً أو مخيماً أو مكاناً ضخماً وكراسي كثيرة ومجالس واسعة ومفتوحة على بعضها البعض، وبعضهم يضع منزلاً للرجال ومنزلاً للنساء.. والمناسبة ثلاثة أو أربعة أيام لا تغيب عنها المفاطيح وأصناف الفاكهة والخضار وأصناف المأكولات.. أي أنها مناسبة احتفالية ظاهرة للعيان.. وإن كانت بغطاء عزاء.. بل إنك تقترب من مكان العزاء ولا تكاد تجد موقفاً للسيارة.. وعندما تقترب أكثر.. يفاجئك الزحام الشديد للناس..ولو صادف مجيئك وجبة غداء أو عشاء.. لا كتشفت حجم الاحتفالية التي لا ينقصها سوى «طق الطبول.. والسامري.. والْمرادْ؟!!».
** أما لو كان توقيت مجيئك غير هذين الوقتين.. فإنك ستشاهد «الدلال والأباريق والصِّياني» وأنواعا كثيرة من المشروبات..وشايا أخضر.. وشايا بدون سكر.. وزنجبيلا.. وغجراً وهكذا..
** وسنشاهد مجموعة من الشباب = على حسب موعد الحضور= كلهم في خدمتك.. وكلهم آخر شياكة وكأنهم تابعون لفرقة الفنون الشعبية.. وكل هذا.. بمناسبة موت فلان أو فلانة..
** لا أدري كيف يصير الموت مناسبة للاطاحة بعشرات الخرفان و«الْقِعْدان» ونصب عشرات الصحون المليئة بالمفاطيح الضخمة.. وصحون أخرى مليئة بالجريش والقرصان والمرقوق والحنيني والمحشي وأنواع أخرى من اللحوم؟!
** لا أدري.. كيف يكون العزاء مناسبة لنصب عشرات الصِّياني والدلال والأباريق والقهوجية؟
** لا أدري.. كيف يكون الحزن على الميت بهذه الطريقة؟
** ولا أدري.. كيف يكون تقبل العزاء في شكل احتفال؟
** سيقول أحدهم.. انه ورد في الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم «اصنعوا لآل جعفر طعاماً..» الحديث..
ولكن الحديث قال.. أعطوهم طعاماً.. فلا مانع من ارسال طعام معقول لأهله وذوي الميت.. ولكن.. أن يتجمع عشرات الأشخاص ويأتي شخص معه عشر صياني كلها مفاطيح ويجتمعون عليها ظهراً وليلاً لمدة أربعة أيام.. فهذا بعيد عن روح النص الشرعي وليس ما أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم.
** ثم.. هل الشخص الذي جاء يعزي لمدة دقيقة أو دقيقتين.. جاء ليشرب «قهوة وشايا ونعناعا.. وشايا أخضر.. وغجرا.. وزنجبيلاً؟!!».
** لماذا لا تلغى كل مظاهر الاحتفال.. من «غديات وعِشْيات» وسواليف وكعكعة نهائياً؟
** إن المطلوب.. أن نحتفي بسرعة «فآل جعفر» رضي الله عنهم.. الذين شغلهم الموت.. ليس لديهم شغالات وليس لديهم مطاعم.. وليس في المدينة «توصيل للمنازل» وهذا ما جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر لهم بهذه الوجبة.. لسد رمقهم.. وليس لارسال عشرات الصياني المليئة بما لذ وطاب.
** إن الرأي هنا.. هو رأي فقهاء الأمة وليس رأيي ولا رأي فلان أو علان.. بل هو رأي العلماء والفقهاء.. وهم الأدرى بالرأي الشرعي الصحيح.. وما يجوز وما لا يجوز.
** إنني أترك المسألة لعلمائنا الأجلاء.. وان كان بعضهم - وفقه الله- قد قال رأيه.. لكننا نحتاج إلى تعميم هذه الآراء وإلزام الجميع بالحكم الشرعي في هذه المسألة.. قبل أن يتحول العزاء إلى «هجيني وطق طبول» و«تفضلوا للعشاء؟!!».
|