* الثقافية - علي سعد القحطاني:
كانت قراءة الأستاذ عبدالله بن محمد بن حسين الذي أدارها الأستاذ عبدالله السميح سكرتير المنتدى في منتدى جماعة السرد بنادي الرياض الأدبي لنصوص «سيدة المرايا» للكاتب خالد الخضري معتمدة على الذائقة الجمالية فقط وليس على منهج نقدي محدد لذا تمنى الحسين ألا تبخس هذه القراءة حق الكاتب الذي أشاد بموهبته، وقال: كتب خالد الخضري القصة والرواية والمسرحية ويكتب في الصحف الأسبوعية المحلية والخليجية كما أشرف على عدد من الصفحات الثقافية صدر له.
- كوابيس المدينة، مجموعة قصصية 1997م جدة.
- امرأة من ثلج، مجموعة قصصية 1998م الطائف.
- سرقة لحظة عاطفية، مجموعة قصصية تحت الطبع.
- جوانا وجزيرة النسيان رواية.
- نقطة ضعف، مسرحية.
- لوحة فوق الماء، مسرحية.
هذا بالاضافة الى مشاركات ثقافية منها:
- مهرجان الشعر والقصة الخليجية الثامن 1997م.
- أمسيات قصصية في مدن المملكة.
وأشار الحسين إلى أن هذه النبذة الموجزة تضعنا أمام كاتب متعدد المواهب غزير العطاء، يمتلك طاقة ابداعية وجرأة في التجريب وشجاعة في اقتحام فنون النثر مقالة وقصة ورواية ومسرحية، أمام هذا العطاء المتنوع لا نملك إلا الاشادة والتكهن للكاتب بمستقبل متميز بين أبناء جيله، إذا ما واصل الدأب وتحلى بالحرص والعناية بما يكتب، وتناول الحسين في قراءته النقدية لمجموعة من النصوص للكاتب تحت عنوان «سيدة المرايا» وقال عنها: إنها مجموعة من النصوص وضعت في قوالب شعرية من الشعر المنثور، تراوحت لغتها بين مفردات أنيقة وتراكيب جميلة، حظيت بعناية فائقة فجاءت مدهشة.. تنتسج هذه المفردات لترسم مشاهد بديعة أقرب ما تكون مشاهد انطباعية كان من الممكن ان تنطبع في الوجدان بقوة لو أسندها بأفكار ومعانٍ قوية، هي الاجدر بعناية الكاتب من زخرف القول مثل قوله:
«بعد أن كنتِ موّالا في شفة الليل
وزهرة مجنونة في حقول اللهفة
أصبحت نورسا وحيدا فوق بحر شاسع»
وصورة انطباعية تذكرنا ألوانها بلوحات مانيه ورنيوار
«أنا الشفق بألوانه المشتعلة
وأنت البحر بزرقته وغموضه
وأسراره
والشفق يحلم أن يطل
معانقاً زرقة البحر»
هنا مقدرة فنية ترقى باللغة الى مشارف اللغة الشعرية مثل قوله:
«وكم رفعنا معاً نجومه الساهرات
فسقطت في أعماقنا
وأضاء كل منا صاحبه»
مثل هذه اللغة وتلك الصور الخلابة كثيرة تتخلل مقطوعات المجموعة.
وكما شارفت اللغة تخوم الشعر تحدرت ببساطة التركيب لتهبط الى مستوى لغة النثر، ربما يرجع ذلك الى تمكن لغة السرد من القاص خالد الخضري.. مفردات بسيطة بعضها أنهكها التداول المفرط، تحتاج كي توضع في مقطوعة شعرية لتحمل شحنة من المشاعر الى اعادة تأهيل مجهد كي يكون بالمقدور استخدامها كمنتج جديد يستطيع خلق لحظة شعرية ناجحة.
وضرب الحسين لذلك مثلا وقال انظروا إلى الضرر الذي ألحقه بنصه عندما بدأه بهذا المقطع
«قبلك - أقصد - قبل أن أراك
قبل أن تلتقي عيناي بعينيك
مثال من قصيدة وحدي اعرف السر ص31
«تعال
أرجوك أن تأتي لتطفئي نيران الحرقة التي تسكنني
منذ غادرت
تعال، تعال
لا تظلْ بعيداً وتجلدني بسياط الفراق
خلصني أولاً من أسرك، قبل الرحيل الأبدي»
بهذه الخاتمة الهادئة المفتقرة الى المفاجأة أو التكثيف في المعنى الذي تحتاجه قصيدة النثر أنهى الكاتب أو الشاعر مقطوعة «لمساتك تحاصر صمتي» ص25 لا فظاظة فيما نطالب به خاصة إذا عرفنا أن ما قدمه من نصوص في هذه المجموعة تحمل شارات الشعر ليس في القوالب الفنية التي وضعت فيها فحسب، بل وفي مسعاه.. ففي أكثر من موقع نلتقي بشاهد يصف المنصوص بالشعر ففي صفحة 76 يقول:
«أنت مسودة قصيدة كتبتها وضيعتها
وحدها قصيدتي فيك ماتت فجأة
ليس في الوقت متسع لكتابة القصيدة
أنسج من بعدك يوماً بعد يوم قصيدتي
منذ نسيت قصيدتي التي نسجتها
ماتت قصيدة فيك»
وهناك إشارة أخرى يشي بها فعل الانشاد في بكائية.
«وأنشد معها بوتر مشدود
بمسامير الغربة
بكائية مطلعها أنت» ص92
كما صرح في مكان آخر:
«وأنا شاعر يبني بالكلمات جدرانا» ص20
أما المفردات العاريرات من مساحيق الزينة والمفتقرات إلى عمق المعنى تلك التي أوهنها فرط الاستعمال ولم يسعفها اصطياد لحظة فنية أو تعميم معنى فهي كثيرة على سبيل المثال لا الحصر:
«وأنا الذي أتعذب كل يوم بجحيم انتظارك
تصبح أقرب اليّ من عيني التي لا أرى بها سواك
ومن أذني مني التي لا تسمع سوى صوتك» ص121
«أنا وحيد منقالي لتعيدي لأيامي بهجة الفرح
ولسنوات عمري بريق الشباب»ص129
«قلبي المسكين أظلمت وأجذبت أرضه
منذ غادرتها» ص120
ورأى الأستاذ الحسين أن الأفكار التي تنازعت النصوص أفكار فيها شيء من المناجاة والشكوى والعتاب لم يصرف المبدع فيها جهداً كبيراً كي يعمقها حتى تكشف لنا تلك النصوص عن فهم جديد لمسارات علاقة الرجل بالأنثى، وتقدم لنا ملامح سمات جديدة في طباع الانسان. وقال أيضا: لا ننكر ان النصوص تحمل قدراً من الصدق في أفكارها، لكن الأشكال يكمن في أنها لا تقدم وضعاً جديداً لذا جاءت أشبه بتكرار لتلك الأفكار المكدسة في الكتب ففي نص «سيدة المرايا» الذي وسمت المجموعة به نلتقي «بأنا» رجولية مكابرة تأبى أن تعلن عاطفتها كي لا تتسلى «الأنا» الأنثى بها، هذه النظرة المتحدرة من الإرث الشرقي.
يقول:
«لا.. لن ألقي بحجر المحبة
في بحرك الراكد
سأخبئه في جيوب الغياب
وأحرمك من المتعة في
التسلي بعذابي يا امرأة الصدفة»
يستهل النص بتلك المكابرة، لكنه لا يواصل في تعميق فكرة المكابرة والاستعلاء بل اندفع وراء الجمل فتضخمت تداعيات لا تخدم الفكرة الاساس.
في نص: فقط أنت لا شيء قبلك ولا شيء بعدك ص60
جاءت «شيء» بعد الضمير المخاطب العاقل أنت «الانسان» وكان من الأجدر بل والأكرم أن يقول «لا أحد قبلك ولا أحد بعدك».. إن تشييء الانسان هو تقليل من شأنه وبالتالي اضعاف لقوة المعنى في الوقت الذي يرفل فيه النص بحضور قوي للانسان.
يتعارض من الشيئية خير دليل عليه اطناب الانثى في ندائها:
«يا حبيبي هذا الكون صار بعدك أخرس فتعال.. تعال أنا بدونك فراشة منسية في صقيع الغربة تعال..
ثم تتساءل الأنثى
«كيف علمتني أن أتعذب فيك ولا أثور
لن أتحمل سياط فراقك بلذة الساديين»
«بلذة الساديين» السادي هو الذي يتلذذ بتعذيب من يحب أما الذي يتلذذ بالعذاب الذي يوقعه فيه محبه فهذا ما سوشي.. هذا خطأ في استخدام المفهوم.
في نص: 50 عاما
تتحدث الأنثى عن فراقها لحبيب الذي كان عمره الفعلي 5 أعوام، غدا 50 عاما بسبب مكابدة جملة من الآلام.
هذا النص رسم بطريقة تتلاءم مع رومانسية الأنا الأنثى عصافير، جزر النسيان، مدن الأحلام، ورود جزر الحب، عطور. كما تخللت النص أسئلة كثيرة، لكنها لا تستثير قضية مثل هذا السؤال «أنت ماذا؟» لماذا أتيت ورحلت؟ لماذا لم تقرر قبل أن تأتي ألا تأتي؟ وتسأل الزمن أيضا لتختتم النص بهذا السؤال: لماذا قذفك في طريقي؟
نص: تفاحة الصباح
هذا النص من أنجح النصوص فكرة التي توقفت عندها فقد استهل ببداية قوية:
«كانت التفاحة طريقنا إلى الأرض
وكانت التفاحة طريق نيوتن لسر الجاذبية
ففيك قدرة التفاحة
على الجذب إلى المركز»
ورأى الناقد الحسين ان القاص الخضري من خلال هذا النص انه عاد وسطح المعنى العميق حيث تداعت بقية النص كلمات مباشرة الدلالة من غير شاعرية وكأني في صدد كتابة مقالة علمية من خلال استخدامه لمصطلح «الجاذبية» كما يقول في النص:
«وجذبت الارض تفاحة
نيوتن نحوها
كانت التفاحة دليلا على مركز الجاذبية بالأرض»
هذه المباشرة العلمية أفرغت التفاحة هذا الرمز الاسطوري الغني بالدلالات الميثولوجية في الارث البشري، هنا تذكرت توظيف تولستوي سقوط التفاحة لتفسير الحدث التاريخي الذي بنت عليه رائعته الحرب والسلام بحثا عن اكتشاف قانون تاريخي يفسر ظاهرة سقوط موسكو في يد نابليون.
«لماذا تسقط التفاحة؟ هل يجذبها ثقلها إلى الأرض أم طرفها قد يبس، أم هزتها الريح فأسقطتها أم تستجيب لنداء الغلام الخفي الذي اشتهاها هي توافق أسباب توافقت لانجاز هذه الظاهرة عالم النبات يقول تسقط التفاحة نتيجة تحلل النسيج النووي والفتى الجائع يزعم ان التفاحة سقطت لأنه يشتهيها وكلاهما على حق»
في هذا النص خطأ مشابه لخطأ استخدام مصطلح السادية فيقول ففيك قدرة التفاحة على الجذب إلى المركز.
فلربما يراد بالقدرة على الانجذاب وهي حالة سلبية وليس الجذب الفعل الايجابي.
«ليلك عطر» النص الأول: استهلال مفعم بالذكورية، استخدم فيه الكاتب ضمير المخاطب الاشد نبرة وحضوراً في فعل القص، مفردات هذا النص: عطر، حب، شوق، رغبة، ضحكات، تنهدات، مناديل، وكأننا ندخل متحف المرحوم نزار القباني.
لا مانع من قراءة مقطع ص9 ما دام لا يوجد في الحضور من عمره أقل من 18:
«كأن لم ترتجف أناملك بين كفي
ولم يرتعش جسدك وهو يتصبب
بعرق الرغبة ملتحفا شرنف الآهات
في ليلك المعصر بنغم النهوند».
هذا تطواف سريع بنصوص «سيدة المرايا» لا يفي بحق الكاتب خالد الخضري الذي جرّب فنون الكتابة والمسكنون بهاجس الفن والتوق للجميل، الذي حرضه على اقتحام الشعر، لكن الشعر يبدو انه يقطن منطقة أكثر نأيا من الفنون السردية، ولغته أكثر تعذراً هذا ما أقر به الشاعر الكاتب ص33:
|