Sunday 15th june,2003 11217العدد الأحد 15 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شي من شي من
ويبقى الودُّ ما بقي الحوارُ
محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

الملتقى الوطني للحوار الفكري، الذي أمر باقامته سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز ابتداء من اليوم الأحد وحتى الخميس القادم، والذي سيرأسه الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام، ويساعده كل من الدكتور عبد الله عمر نصيف امين عام مؤتمر العالم الاسلامي، والدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى السابق، والذي سيشارك فيه مجموعة من طلبة العلم مثل الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي والشيخ ناصر العمر وآخرون، هو بكل المقاييس نقلة حضارية نوعية في تاريخ المملكة الثقافي، وخطوة في الاتجاه الصحيح نحو تكريس الحوار وتبادل الافكار والآراء والاجتهادات لبناء وطن يتكىء على «المجادلة بالحسنى» عند الاختلاف، بدلا من العنف والقتل والتفجير والتدمير. وأملنا ان يحظى هذا الملتقى بتغطية اعلامية مكثفة توازي اهميته التاريخية من جهة.
ومن جهة اخرى تواكب حاجتنا الثقافية الماسة له، بعد ان كاد يأخذنا الارهاب المتسربل بسربال الدين الى متاهات لا يعلم نهاياتها الا الله وحده.فالاختلاف بين البشر سنة من سنن الله في أرضه، ونحن معنيون بادارة هذا الاختلاف في الرؤى والاجتهادات بما يكفل في نهاية المطاف ان تكون اختلافاتنا وتنوع اجتهاداتنا مصدر اثراء لتجربتنا المعاصرة لا معول هدم لها، وباعث تشتت وتشرذم لابناء الوطن الواحد. ولا أرى سبيلا لتحقيق هذه الغاية الحضارية الا من خلال تكريس ثقافة الحوار بين كل الوان الطيف الفكري والثقافي السعودي دون استثناء.
والاسلام في جانبه القيمي والاخلاقي هو أول من رسخ ثقافة «الحوار»، والبعد عن التعصب:{وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} . {الّذٌينّ يّسًتّمٌعٍونّ القّوًلّ فّيّتَّبٌعٍونّ أّحًسّنّهٍ }. { قٍلً هّاتٍوا بٍرًهّانّكٍمً إن كٍنتٍمً صّادٌقٌينّ}
غير ان هذه القيم والمبادىء الاسلامية الاصيلة قد شوهها - للأسف - التعصب، والغلو، والانتصار للذات او للرأي، إما من منطلقات تقوم على جهل بمقتضيات الواقع، او من منطلق الانتصار لمذهب او مدرسة فكرية معينة، فأصبح «التأويل» بلي أعناق النصوص عن مدلولاتها هي الذريعة التي يلجأ اليها المتشددون لتفريغ كل آيات التسامح من محتواها. وغني عن القول ان اهم ما نحتاجه في هذه اللحظة التاريخية، وفي ظل المتغيرات الثقافية التي نتعايش معها اليوم، والتي يأتي على رأس سلبياتها «التطرف» المفضي للارهاب، هو «التسامح» والتسامح في تقديري لا يمكن ان يكون واقعاً واخلاقاً نحترمها إلا من خلال «الحوار».
وكما يقول محمد السماك متكئاً على قول الامام الشافعي رحمه الله: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» :
«نفهم من ذلك ايضا انه ليس لاحد ان يدعي «الحقيقة المطلقة» وليس له ان يخطىء الآخرين لمجرد اقتناعهم برأي مخالف. فالحقيقة نسبية. والبحث عن الحقيقة، حتى من وجهة نظر الآخر المختلف، طريق مباشر من طرق المعرفة. وهو في الوقت نفسه أسمى انواع الحوار» وهذا هو أساس التسامح.
ويقسم الدكتور عبد الله حمدنا الله «الحوار» في الاسلام الى ثلاثة مستويات: «المستوى الاول: الحوار مع النفس ومحاسبتها وحملها على الجادة وطلب الحق، ويكون هذا في شكل حوار داخلي مستمر بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة حتى يصل الانسان الى الاطمئنان.
المستوى الثاني: الحوار بين افراد المجتمع الاسلامي وفق اجتهاداته المختلفة عملاً بمبدأ «التعاون في الاتفاق والاعتذار في الاختلاف» حفاظاً على وحدة الصف الاسلامي. المستوى الثالث: الحوار بين المسلمين وغير المسلمين الذين يشتركون معا في إعمار الكون، وهو حوار يجري وفق مبدأ المدافعة الذي يمنع الفساد وينمي عوامل الخير».
بقي أن أقول إن كل ما نأمله ان يتسع هذا «الملتقى» المتحضر لكل الوان الطيف الثقافي والفكري في البلاد، ولا يتوقف عند طيف واحد، وان تُطرح فيه القضايا الاشكالية الحية، وأهمها في تقديري علاقتنا ب«الآخر» اذا اكتنفتها المصلحة، وتوقفت عليها كشرط من شروط الضرورة قضايانا التنموية والحضارية، لاسيما ونحن نعيش في عصر أصبح فيه «التعاون» الدولي، لا «الصراع» بين الامم، هل أس اللحاق بركب التقدم والحضارة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved