يتسيد الخطاب الثقافي لدينا أصوات مختلفة.. متخصصة وغير ذلك.. وتجد أن الغالبية العظمى تخوض مع الخائضين وتتكلم بصوتها حول أمور شتى رغم أن مهارتها المعرفية لا تساعدها الا أن تتكلم حول موضوعات محددة.
لكننا بالرغم من اكتشافاتنا أخذا بالمثل (أعط القوس) باريها الا أننا دوما مأخوذون بالانجذاب إلى الاكاديمي، فكل ما يطرحه الاكاديمي مقبول ومطلوب ولو كان الاكاديمي لا يملكنا إلا بخطاب إنشائي يخلو من التوثيق من القرآن الكريم أو السنة أو أقوال السلف.. وكأن جامعاتنا حين تهدينا أساتذة ودكاترة ليشاركوا في الخطاب الثقافي لدينا فكأنها أمطرت علينا في كل تلك الفرحة الغامرة بذلك فالصحف المحلية لدينا تبتهج بتواجد الاكاديمي، فهو مفضل على غيره متى ما خص الاكاديمي الصحيفة بمقالة أو تصريح أفردت له المساحات وقرعت طبول الفرح.
وأنا هنا لا أنكر الجهد العظيم.. والفائدة الكبيرة ولا نستطيع أن نقول غير ان الاكاديمي طبيعياً ان يفضل على غيره لعمق دراساته وغنى طروحاته.. لكني أميل الى ان الكاتب المتخصص الاكاديمي غائب.. فالاكاديمي له الحرية المطلقة ان يكتب في كل شيء ويطرح أي شيء يشرع له أنه أكاديمي.. فقد يطرح موضوعاً سياسياً بحتاً أو دينياً صرفاً في التشريع الالهي وهو من عامة البشر وجهلائها في هذه الأمور وقد تكون دراسته وبحوثه ورحلاته العلمية في القانون أو اللغات أو ما عدا ذلك فيما لا يجعله ضليعاً بما طرحه.. فالاكاديمي يجوز له ما لا يجوز لغيره فهو المتسيد على الخطاب الثقافي وان كان طرحه لا يقدم ولا يؤخر أو قد يكون قد أحدث انقساماً أو أصواتاً معارضة في صلب ما طرح وتدرك أكثر منه في ما تحدث عنه.. هذا هو الواقع الحاصل.. أكاديمي تنتظر الصحف المحلية هذيانه.. والطبقات المتلقية منبهرة بما يطرحه أكاديمي ربته بذور الغرب وليطرح غثاءها علينا في أصوات مثقوبة لا يمثل من منهجه الذي طرحه الا مسمى مسلم وأكاديمي.. لكنه في الواقع العملي مفلس. أجيال تخرج من محاضراته بأسى كبير على مستوى التعليم.. فالمؤلم ان الاكاديمي لا يخرج جيلا ينتفع بعلمه فكيف يطرح طروحات خارجة عن تخصصه الاكاديمي ولا يفقه فيها شيئاً ويطرحها كآراء جادة تصلح من حال التعليم والدين..
هذا هو الهذيان الحقيقي الذي تفرد له الصحف المحلية صفحاتها وتصفق له في ظل غياب مركزية للنشر وترتيب للقدرات وابراز لمواهب تستحق أن تقرأ.
|