تأليف: أحمد عسيري
الصديق المجهول:
انهض يا بني، أما كفاك هذا الخمول والكسل والتراخي ألا تذهب إلى المزرعة وتنظر أبناء الجيران كيف يعملون في مزرعتهم بجد ونشاط وأنت هنا لم تعجز عن تصفح هذا الكتاب.
هكذا خاطب الوالد المزارع ابنه خالداً وهو مستلق على ظهره يرشف أي الوالد من قهوة الاصيل كعادته.
ثم عاد الاب يخاطب ابنه بلهجة المتضايق من تصرفات ابنه:
إن كنت تمتنع عن الذهاب إلى المزرعة فخير لك أن تذهب مع اصدقائك الخلّص وهم كثير. يا بني انظر إليهم وكان الاب ينظر من احدى النوافذ إلى أبناء القرية وهم يقومون ببعض ألعابهم على حساب التسلية فرد خالد على أبيه وقال: أتقول الخلص يا أبي وهل في هذه القرية صديق تحمله هذه الكلمة لقد كرهوا حملها يا أبي فليس هناك من حملها غير صديق واحد يعيش معي في هذه القرية أثق به كما هو يثق بي، فدهش الاب من حديث ابنه وقال بلهجة المستغرب.
أتعني أن أصدقاءك يا خالد أبناء القرية الشرفاء غير مخلصين، إنك تسيء الظن بهم يا بني.
انهض واذهب معهم لتلعب وتمرح واترك عنك هذا الهراء السخيف، ثم من هو ذلك الصديق الوحيد الذي تدعي إخلاصه لك؟
فنظر خالد إلى أبيه وقال: انك تحسن الظن بكل الناس يا أبي، ولكن أيامي الماضية في المدرسة والحقل وفي كل مكان قد علمتني بهم الشيء الكثير وكشف لي ما يخفونه تجاهي من دسائس وأشراك وحقد وضغينة.
تضايق الوالد من تصرفات ابنه وقام متثاقلا وخالد يودعه بنظرات الطاعة والخضوع وقال لوالده:
انني مطيع لك يا أبي كما عهدتني ولكنك تدعوني إلى شيء تأباه نفسي وتعافه وهو مصاحبة ابناء القرية الاشرار وكيف لي ذلك أيضا وأنا أملك صديقا لم يخلص لي غيره يا أبي؟
فقال الوالد: انك يا بني تحاول ان تخفي علي هذا الصديق المجهول ومن يكون وأين هو؟ ثم جعل الاب يسرح ويمرح في دوامة من التفكير فلقد شغله تصرفات ابنه وشغله ذلك الصديق المجهول، وواصل خالد مسيرته الدراسية وحمل أعلى شهادات التخرج كما نال الأوسمة التقديرية لاخلاقه وحسن سيرته وحان موعد عودته إلى أبيه وأهله.
وسار الركب بحديثه إلى القرية وسمع شباب القرية ما حصل عليه خالد، ومع اشراقة شمس ذلك اليوم وصل خالد إلى قريته الوادعة وما أشد دهشته حين وجد في استقباله شيوخ القرية دون شبابها ولكنه أخفى دهشته حين رجعت به الذاكرة إلى عهد الدراسة والتحصيل في القرية، وتعانق الاب وابنه في فرحة غامرة وعاد خالد إلى منزله القديم يصطحب والده المسن ووالدته الحنونه وأسرته بكاملها ليذهب بها إلى عيش الراحة والهدوء بدلا من عيش الشظف والعناء.
وتراخى خالد على مقعده الخلق وأجال بنظرة في أثاث منزلهم القدمي ثم خاطب والده قائلا: أين ذهب صديقي الوفي الوحيد بوفائه يا أبي؟
فنظر والده إليه بدهشة وقال من تعني يا بني؟
قال خالد: أعني صديقاً لي يا أبي كنت تدعوه بالصديق المجهول؟
فابتسم والد خالد ابتسامة جاد بها الزمن بعد أن غزا الشحوب وجهه وقال: أظنه حان يا بني أن تخبرني عن ذلك الصديق.
ثم انصرف إلي تصليح هندامه فاغتنم خالد الفرصة وسحب من على الرف الخشبي أحد الكتب وقد عبثت بها الفئران ونظر إلى والده وقال: انظر يا أبي انه هذا الصديق المجهول ومن كنت تود معرفته.
فوجم الوالد في مكانه ثم قال بصوت الفخور بابنه: «لقد علَّمَتْكَ الحياة أكثر مما عَلَّمْتُك».
|