* س: - تناقشنا حول العقل والنقل هل العقل تابع للنقل وأردنا معرفة ذلك ببسط علمي لعلمنا بسعة صدركم..؟
م.أ.ع - بيروت الجامعة الأمريكية.
* ج: - العقل مخلوق من المخلوقات خلقه الله سبحانه وتعالى وجعله زينة للعبد وجعله يتشرف به متى ما كان سليماً طيباً.
والله جل وعلا أنزل النقل «الوحي» على رسوله صلى الله عليه وسلم وجعله أصل الحياة في العبادة والمعاملة، وهذا إنما يحتاج إلى عقل فطن حر كبير سالم من مرض الشبهات والشهوات والعقل هكذا لا يمكنه أن يسير دون النقل أبداً لقصور العقل عن: حاجات النفس وحاجات الحياة وحاجات ومراد النص.
ولأن العقل بمفرده هكذا لو كان أصلاً في نظر أحكام الخلق والناس والحياة لأصبحت الحياة فوضى.. نزاع وهوى وظلم وجور ونزوع إلى المركزية والعصبية والترابية والعرقلة فيسود هنا الجور بصورة كلها لأن العقل لا يعقل إلا من خلال ميل وهوى صاحبه وطمعه وذاتيته حتى ولو ظهر بكونه عادلاً أميناً لأن العقل المجرد لا يمكن أن يسير دون تسيير من «صاحبه» والإنسان أصلاً لا يؤتمن على نفسه فضلاً عن غيره.
لهذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى إنزال الوحي وإرسال الرسل عليهم السلام بهذا «الوحي» ليقوم الناس بالقسط فيما بينهم عن طريق «الوحي» الذي هو الحكم الحاكم بين الخليقة لأن الله جل وعلا خلق الخلق وهو سبحانه أعلم بهم وبما يصلح لهم وأنزل الوحي وهو سبحانه وتعالى أعلم بما نزل.
فلا يمكن هنا أن يكون العقل هو الأصل في النظم والنظر وأمور الحياة حسها ومعناها لما سبق بيانه موجزاً فإذن يكون العقل تابعاً للنقل ولا بد.
والعقل الفطري الجبلي السليم لا يمكنه إلا متابعة الوحي ولا يمكنه معارضته أو مصادمته فإن فعل العقل ذلك فإنما يصطدم بالفطرة والواقع فيكون: الهوى، والعصبية.
ويصطدم بضرورة حصول الخطأ من خلال مضادة للوحي قال سبحانه: {أّفّرّأّيًتّ مّنٌ اتَّخّذّ إلّهّهٍ هّوّاهٍ} وقال سبحانه في بيان حقيقة منطق العقل الحر النزيه السالم من الشبهة والبعيد عن الهوى والرأي القاصر {وّتٌلًكّ الأّمًثّالٍ نّضًرٌبٍهّا لٌلنَّاسٌ وّمّا يّعًقٌلٍهّا إلاَّ العّالٌمٍونّ}.
يقول الإمام ابن عبدالعز في شرحه للطحاوية حتى ص143 وما بعدها بتحقيق أحمد بن محمد شاكر: «وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالماً، ولا يمكن للعالم أن يصير نبياً رسولاً فإذا عرف «العامي.. المقلد» عالماً فدل عليه عامياً آخر، ثم اختلف المفتي، والدال فإن: المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون الدال.
فلو قال الدال: الصواب قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت فلزم القدح في فرعه».
ثم قال الشيخ ابن عبدالعز بعد ذلك «والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى، لا يجوز عليه الخطأ، فيجب عليه التسليم له، والانقياد لأمره، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول صلى الله عليه وسلم: هذا القرآن الذي تلقيه علينا والحكمة التي جئتنا بها، قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا، نحن إنما علمنا صدقك بعقولنا فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك لكان قدحاً في ما علمنا به صدقك» إلخ.
ولهذا فإن مجرد نزاهة العقل وسلامته من حب الجاه والمركزية وطلب الحياة لذاتها وحب الشهرة والتلذذ بالإيذاء إيذاء الناس كل هذا يحجب العقل عن النور والبصيرة والفطرة الصواب، ويجعل العقل يسود بنفسه لنفسه مما البال هنا إذا كان الأمر كذلك لا جرم أن يكون الخلل في الحس والمعنى على حد سواء.
وندرك من هذا بتدرج تام وصفاً وطهارة وحرية نظر وحرية قول ندرك جزماً أن العقل لا بد له من الوحي على حال من دوام تكون.
|